يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

اقترح على احد الأصدقاء ، مشاهدة فيلم قد حاز على اعجابه الشديد و أكد لى انه سينال اعجابى انا أيضاً بعد مشاهدته …

و دفعنى الفضول لمشاهدته لعدة أسباب ، أولهم اسمه ” ستون هيرست اسايلم ” اى “مصحة ستون هيرست ” فلطالما استهوانى كطبيبة ، تخصص الأمراض النفسيه و العقليه ” ، لما فيه من التحدى و الغموض و الإثارة و المفاجآت …

و السبب الثانى : انى أردت ان اكتشف لماذا أوصى به صديقى بكل هذا الحماس …

والسبب الثالث : هو انى تشوقت ان اعرف ما اذا كنت قادره على فهمه و الكتابة عنه كما توسم فى صديقى أم لا …

و الرائع فى هذا الفيلم انه عادة ما تختبئ الرسائل القيمة و المغازى وراء القصه فى معظم الأفلام بين السطور ، فننطلق كمشاهدين فى رحلة بحث عّن الكنوز المخفية ، اما هنا و فى هذا الفيلم كانت هناك أيضاً الرسائل الواضحه التى توالت واحدة تلو الاخرى من خلال العديد من المشاهد الرئيسيه والعبارات ، التى لا تستطيع مقاومة الامساك بقلمك و تدوينها سريعاً ، مدفوعاً بروعتها و تركيبتها العبقرية …

بدأ الفيلم بمشهد فى مصحة نفسية لمريضه تدعى ” ايفين” تعاني من ” هيستيريا مزمنه” ، يستعرض الطبيب حالتها امام بعض الطلاب ، فتتوسل اليهم انها ليست مجنونه و لا احد بالطبع يصدقها ، فتخرج من الغرفة ليدخل بعدها مريضاً اخر …

ثم يتبعه مشهد وصول طبيب جديد الى مصحة نفسيه اخرى ” ستون هيرست” ، فيقوم بمقابلة جميع الأطباء المعالجين و الادارة الذين لم يشعر انهم طبيعين رغم انهم أطباء !!!!

و هنا ينطلق اول سؤال عبقري من مدير المستشفى للطبيب الجديد الدكتور ادوارد ” لماذا اخترت هذا التخصص بالذات و ليس اى تخصص اخر قد يجلب لك دخلا اكبر فتعيش فى النعيم !؟”

و عبقرية هذا السؤال انه بالرغم من بديهيته ، الا انه من الاسئله التى قلما نسألها نحن لانفسنا فى الحياة …

 لماذا التحقنا بتلك الكليه، لماذا نمتهن تلك المهنه ، لماذا نعمل بتلك الوظيفه ، لماذا لم نقم بشىء مختلف!؟

هل لأسباب واهية أم لغرض وهدف نبيل …

فأتت اجابة الطبيب الجديد تلقائيه صادقه سريعه  …

” لان السعاده و الرضا الذين يغمروننى ، من مساعدة هؤلاء الذين يعيشون حياة كجهنم على الارض، تكفينى” …

و هنا تطرق الى اذهانى سؤال اخر ” كم منا يجعل غايته ورسالته فى الدنيا إسعاد الآخرين ، و كم منا جعل كل غايته المادة !؟

ثم تتسنى للدكتور ادوارد فرصة مقابلة العديد من المرضى من ضمنهم ” ايفين” التى تم نقلها من المصحة الاولى وايداعها بهذه المصحه. ..

و سرعان ما تساوره الشكوك تجاه الأطباء فى المصحه بسبب عدم تلقى المرضى العلاج الصحيح و عدم اكتراث احد من العاملين بهم. ..

و خلال جلسة عشاء بصحبة الجميع ، سأله احدهم السؤال العبقرى الثانى ” من المؤكد انك محطم وتشعر بالتعاسة و الحقد تجاه العالم كونك يتيم و قضيت حياتك فى دار رعاية الأيتام !؟

فأجاب ” بل العكس تماماً ، فأنا ارى ظروفى نعمة و ليست نقمه لانها دلتنى على رسالتى النبيلة فى الحياة فالشعور بسوء اقدارى ، جعلنى أتوق لمساعدة المحتاجين و الفقراء بقلب يملؤه الأمل و الطيبة ” …

و مرة اخرى سالت نفسى ” من منا يتعامل مع الحياة من هذا المنطلق ، و يجد فى نفسه تلك القوة و الإرادة فيسعى لنشر الأمل و المبادىء الجميله رغم قسوة الظروف عليه !؟

ثم تتوالى الأحداث فيكتشف دكتور ادوارد الحقيقه و هى ان طاقم العمل الحالى ليسوا سوى مرضى نفسيين نبزتهم عائلاتهم وتبرأت منهم فتركتهم بالمصحة غير مبالين بما قد يحل بهم …

فلقيوا معاملة قاسيه من قبل الأطباء المعالجين ، فاستولوا على المصحه و احتجزوا الأطباء فى زنزانة …

و هنا ندرك ان إهمال من يحتاجون إلينا و التخلى عنهم و التراجع عن مساعدتهم و الوقوف بجانبهم و التنصل من واجبنا نحوهم ، لا يولد لديهم سوى شعور بالغضب و الرغبه فى الانتقام فتخرج الأمور عن السيطرة و ينتهى الامر بكارثة …

و فى تلك الأثناء ، يرسله مدير المستشفى المزيف ، و يدعى الدكتور ” سايلاس لامب ” لأحد أخطر المرضى و أكثرهم عنفاً ، يناديه الجميع ” أورجو ” ، كان قد تخلى أهله عنه منذ ان كان صغيرا …

و بالرغم من خطورته ، كان الدكتور المزيف يخطط لاطلاق سراحه مبررا ذلك بانه ” اذا احتجزت رجلاً فى قفص، فسيتصرف كالحيوانات و اذا أعطيته حريته ، سيتذكر آنسانيته

رسالة اخرى قيمة و فى منتهى الخطورة يحملها لنا الفيلم لعلنا نتذكرها حين نأمل وننشد بناء مجتمعاً أفضل …. فالإنسانية تقترن بالحرية و الوحشية تقترن بالعبودية و الأسر …

و يستمر النقاش بينهم عّن كيفية تغيير شخص ما الى الأفضل ، فيسترسل مدير المستشفى المزيف ( المريض نفسياً) قائلاً واحدة من أقوى العبارات فى الفيلم و ربما فى الحياة ” يمكننا ببساطة اعادة تأهيل كل البشر من خلال استعادة كرامتهم و كبريائهم

صحيح …. و حتى لا يتركك الفيلم لأفكارك وشكوكك فى مدى مصداقية تلك المقولة ، اثبت لك فى غضون ثوان صحتها فى مشهد لم يتعد دقيقتين …

دخل دكتور “ادوارد” عليه فكاد ” أورجو ” ان يسحقه ، الا ان “ادوارد” قام بأربع خطوات بسيطة كانت لها مفعول السحر و كفيله بشعور ” اورجو” باستعادة كرامته ، فهدأ و امتثل لاوامر دكتور “ادوارد”  …

أولها : ان ناداه باسمه الحقيقى ” أرثر ” الذى حرم من سماعه طوال حياته فزال عنه شعور تملكه طوال حياته و هو كونه نكره …

ثانياً ، قال لو سمحت التى تعطى الإيحاء للطرف الاخر ان له حق الاختيار و حرية القرار …

ثالثاً : قال له سامحنى لانى لم استأذن بالدخول ، فمنحه الإحساس بحقه فى الخصوصيه …

رابعاً ، مد يده اليه ليصافحه ، فكان بمثابة عربون احترام لشخصه …

و تتوالى الأحداث بشكل سريع ، و تمتلئ المشاهد “بالعبارات و أهمها ” لا تصدق سوى نصف ما ترى

لتصبح تلك اخر مفاجاة يتلقاها المشاهد

حين يكتشف مع نهاية الفيلم ان الدكتور “ادوارد” لَيْس سوى ذلك المريض النفسى الذى دخل حجرة “الكشف “بعد ” ايفين ” فى المصحة الاولى  …

فأحبها من النظرة الاولى و تبعها الى المصحة الثانيه ، ليهرب بها بعيداً …

فجعلتني تلك العبارة استرجع كل احداث الفيلم لأكتشف ان كل ما استنتجته عن كل شخصيه به ، لم تكن سوى نصف الحقيقه …

و بناء عليه تسرعت فى الحكم عليهم ، فالبعض كانت له دوافع نبيله وراء أفعاله التى بدت شريره …

و هنا تسلل الى سؤال ” كم من المرات صدقت و لا زلت اصدق كل ما أرى دون التحرى و التروى قبل إصدار الأحكام …. أو نصدق نحن جميعاً كل ما نرى !؟

و لو انى قررت سرد كل ما اكتسبته من مفاهيم فى هذا الفيلم لاحتجت لصفحات و صفحات

و لذلك سأكتفي بالقول ان هذا الفيلم فى مجمله قد قدم أدق استعاره …

فالمصحة ليست سوى الدنيا “المجنونه” التى نعيشها …

اذا صح التعبير و قد أفاض علينا الفيلم بوابل من الإرشادات و النصائح فى كيفية إصلاح المجتمع و الارتقاء بالعلاقات الإنسانيه و احترام الآدمية فيما بيننا …

دينا ابو الوفا
دينا ابو الوفا

اقرأ للكاتبة : 

لا ضرر و لا ضرار …

شكرا للتعليق على الموضوع