ناصر اللحام يكتب: كسارة البندق
تتعزّز الفردية بشكل أوضح في المجتمع الفلسطيني كطريق نجاح أسهل وأسرع ، وقد ظهر مؤخرا دور الفرد بطريقة أقوى في مشاهد ابداعية او ” استحواذية” .
ولم يقتصر الأمر على السياسيين والاقتصاديين وانما … لو قارنا العقد الماضي بهذا العقد لوجدنا أن الافراد عزفوا عن الانتظار لتكوين أطر جماعية قادرة وهيئات عمل عامة وانطلقوا فرادى الى اعالي بحار التجربة بطريقة فردية أكثر .
وهو سلوك انتقالي اكتسبته الضفة الغربية واكتسبه قطاع غزة من خلال تجربة اخوتهم داخل الخط الاخضر .
ومؤخرا نجد ان المجتمع الفلسطيني يتأثر كثيرا بسلوكيات الاهل في قطاع غزة وفي الضفة الغربية ، فيما ان الاهل في الضفة وغزة معجبون أكثر بتجربة الفلسطينيين داخل الخط الاخضر !!
المجتمعات مثل الأفراد ، تتقدم وتتقهقهر وتغضب وتسعد وتهدأ وتثور ، ويقول بعض الفلاسفة ان حركة المجتمع من اعقد أشكال الحركة مضمونا وشكلا .
وان يعتقد البعض ..أنها.. صدفة فله ذلك ، وان يعتقد انها ضرورة فهي بلا شك حتمية تاريخية تتفاعل مع ادوات التغيير وعوامل التطور . وان بدت للبعض انها حركة تراجعية لكنها على الدوام تكون في تقدم وان اتخذت شكلا لولبيا يظن الناس في انطباعاتهم انها حركة تراجع .
على اليوتيوب مئات المحاولات الفنية والابداعية لشبان فلسطينيين صعدوا على خشبة المسرح لوحدهم وأدوا عروضا تعبّر عن حالتهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وبشكل لا يحتاج الى تكلفة او ( واسطة ) .
كما سيجد الباحث عروضا غنائية ومسرحيات “ستناد أب” كوميدي رائعة لشباب لم نسمع بهم من قبل ولكنهم شقوا طريق الابداع وانتصروا على تقصير المؤسسة والدولة .
اغاني مختلفة تماما عن ام كلثوم وعبد الوهاب ومثلهم ، بل هي اغاني وفنون وأشعار من قلب الواقع الفلسطيني في الارض المحتلة .
ولم يقتصر الأمر على نجاحات الفن الشعبي والتراثي لسناء موسى او قاسم النجار وشادي البوريني وسلامة موسى وعشرات مثلهم ، بل ستجد نفسك تقف مليا عند كليب اغنية ( باجي وينك ) من بيت لحم وكليب أغنية ( على بالي ) في مخيم الدهيشة وعشرات من الابداعات الفردية في قطاع غزة تستحق التأمل والدعم والانتشار لانها هي الحقيقة الاقرب لواقع الحياة هنا ، بل انها أصدق من نشرات الاخبار التي نبثها على المشاهدين .
ولو ان الباحث دقق فيها وفي كلماتها وألحانها لوجد انها تمثل خارطة التغيير السيكولوجي والاجتماعي للمجتمع الفلسطيني لعشرين سنة قادمة .
دخل المجتمع الفلسطيني مرحلة الصدمة حينما قتلت اسرائيل الزعيم ياسر عرفات عام 2004 ، وبعدها عاش المجتمع الفلسطيني مرحلة انكار استمرت لعدة سنوات حتى العام 2008 ، وبين 2008 – حتى العام 2015 بدا وكأن المجتمع في حالة انتظار وترقب .
ولكنه فجأة وبالتزامن مع انتفاضة القدس صار يجدد نفسه ثقافيا وفكريا وبدأت مرحلة الابداع الفردي الذي لا ينتظر المؤسسة ولا موافقة المسؤول ولا دمغة وزارات الاعلام والثقافة والاقتصاد والجمارك والضرائب ، فازدهرت الابداعات الفردية اقتصاديا وعلميا ورياضيا ، وفي مقاربة على نحو ما سنجد أن ابداع المؤسسة في تراجع مشهود ( الوزارات والهيئات والاحزاب ) بينما ابداعات الجماعات الصغيرة والافراد تفرض نفسها على الساحات المختلفة .
في الاعوام القادمة ستتعزز الابداعات الفردية ، ويتدخل القطاع الخاص في خلق شركات انتاج تكتسح المجالات المختلفة ، وهو أمر محمود ولا عيب فيه
وهو ما يذكرنا بحقبة الحرب العالمية الثانية حين انتشرت السيمفونيات ، وانتشر الجاز الحزين ومنها :
السيمفونية 40 لموزارت
السمفونية الخامسة – العمل والامل
السيمفونية التاسعة التي تأخذك الى عوالم اخرى
سيمفونية بحيرة البجع – تايكوفسكي
كسارة البندق للروسي تشايكوفسكي
الدانوب الازرق لجوهان ستراوس
شهر اذار لكوساكوف
والفصول الاربعة لفيفالدي
اما موسيقى الحب والصداقة مونامور للفرنسي كلايدرمان
فلا تقل شأنا عن موسيقى البولندي شوبان .
انها الحياة … تتواصل لوحدها وتجترع طرائق التعبير ، وانها الطبيعة ، لا تقبل الفراغ .
اقرأ للكاتب :
بيت لحم في الاعياد المجيدة – نتكلم أكثر فنتألم اكثر