أسامة غريب يكتب : 25 يناير.. تعيش وتفتكر
القوة تجلب لصاحبها الاحترام بصرف النظر عن اعتبارات الحق والباطل، أما الضعف فهو يشكل أكبر إغراء بالاستباحة والعدوان مهما كان صاحبه على حق.
عقب اندلاع ثورة 25 يناير في مصر مع ما صاحبها من زخم في الشارع العربي وامتلاء العروق بالدماء الثورية والأدرينالين الضاغط وجدنا الثورة تفرض احترامها على الجميع. على من أحبوها وأيدوها وكذلك على من سحقتهم وأضرت بمصالحهم. في الشهور الأولي من عام 2011 لم يكن هناك صوت يستطيع الطعن فيما حدث خلال الثمانية عشر يومًا التي سبقت الإطاحة بمبارك ولم تكن هناك وسيلة إعلامية تستطيع التشكيك في الزلزال الكبير. لا في دوافعه ولا في منطلقاته أو أهدافه.
بالعكس اندفع الجميع في مغازلة الثورة وشبابها الذي وُصف حينئذ بالطاهر النقي، وكان على رأس المغازلين نفس الإعلاميين الذين اعتمد عليهم مبارك الأب في تثبيت أركان ملكه وكذلك الذين لعبوا في فريق مبارك الابن وعملواعلي تهيئة الأرض لتوريثه حكم مصر. وصلت الأمور في ذلك الوقت إلى مستويات بذيئة في منافقة ثورة يناير والتطبيل لها حتى إن السياسيين والإعلاميين الذين تم طردهم وضربهم بالجزمة عندما وطئوا ميدان التحرير تحدثوا في التليفزيونات واصفين أحداث يناير 2011 بأنها “ثورتنا” ليس هذا فقط وإنما تحت ضغط الشارع وغليانه تم تحويل أركان العصابة للقضاء وتقديم مبارك نفسه للمحاكمة، وقام بالتضحية به بعضٌ من أخلص أبنائه وتلامذته! والملاحظ أن هذه الحالة تجاوزت مصر ورأينا أن الدول العربية التي صدمها ما حدث في يناير تخفي امتعاضها وتفسح صفحاتها للتشهير بالنظام الذي سقط. وكان يمكن للأمور أن تمضي إلى أبعد من هذا لو أن الضغط الثوري استمر على نفس صخبه وعنفوانه.
في ذلك الوقت رأينا فنانين عالميين من نجوم الصف الأول في هوليوود يزورون ميدان التحرير بعد أن صار محجًا وقبلة لأنصار الحرية، ورأينا زعماء العالم يتحدثون عن ثورة شريفة كنس أبناءها مكانهم ونظفوه قبل أن يعودوا إلى بيوتهم، كما انتشر بين شباب العالم شعار يقول: أنا مصري. هذا الشعار تم طبعه على الفانلات والتيشيرتات ورأيته شخصيًا في تايمز سكوير بنيويورك يرتديه شباب من كل أنحاء العالم تجمعوا في الميدان الشهير ليعلنوا حبهم وفخرهم بالشباب المصري. فعل الشباب نفس ما فعله الرئيس الأمريكي جون كيندي عندما زار مدينة برلين الغربية عام. وخطب في أبناء المدينة قائلًا بالألمانية:
Ich bin ein Berliner أي: أنا برليني.
نسب الرئيس كيندي نفسه للمدينة الألمانية من فرط افتخاره بما أنجزه الألمان وقدرتهم على تجاوز الهزيمة في الحرب العالمية الثانية. الأمر نفسه فعله الأحرار في العالم فنسبوا أنفسهم إلى ثورتنا وسجلوا أنفسهم في سجل الشرف الخاص بثورة 25 يناير.
و لا أنسى أبدًا الفرحة التي كانت تنتابني في الشهور التالية ليناير 2011 عندما كنت أحط في أحد المطارات الغربية فيمسك رجل الجوازات أو الجمارك باسبوري في يده قائلًا: واو. أنت من مصر؟ لم أكن أصدق وقتها أن الجواز المصري المَوْكوس الذي كنا نخجل منه قد صار أيقونة تجعل الناس في المطارات تقف لتتصور مع شخص لمجرد أنه مصري، ولولا أن هذه الصور قد أرسلها بعضهم لي وما زالت موجودة على تليفوني ما صدقت اليوم أن هذا قد حدث وكنت بالضرورة لأشك في أن الذاكرة الخئون هي التي تصور لي هذه الأوهام! إلى هذا الحد غيرت الثورة نظرة الناس لنا. فأي فخار وأي مجد.
لكن للأسف تمر الأيام ويتم احتواء الثورة بالتدريج وينجح مخطط تفرقة القوي التي اتحدت في لحظة تاريخية وأحدثت الانفجار. ويمضي المسار السياسي باعتلاء جماعة الإخوان للحكم مع ما صاحب حكمها من فشل ذريع ومؤامرات. ثم يهبط المنحني الثوري شيئًا فشيئًا ويصل لأدني درجاته وتبلغ ثورة يناير أقصي مراحل الضعف بعد أن تشرذم أصحابها وأصبح دعاتها بين مسجون ومنفي ومتلون، ويشتد الهجوم الساحق الذي أخذت تشنه الدولة ممثلة في مؤسساتها ومسؤوليها وإعلامها على ثورة 25 يناير مع عدم التحرج من وصفها بأنها نكسة يناير وأنها السبب في وصول الإخوان للحكم والسبب في ما وصلت إليه مصر من خراب!
ما أود قوله أن الزخم الثوري العاتي في 2011 أرغم أعداء الثورة على الانحناء لها والتظاهر بتأييدها، لكن عندما ضعفت أسفر الجميع عن مواقفهم الحقيقية بعد أن برزت حقائق جديدة على الأرض سارع بالركض نحوها الأفراد والمؤسسات والدول التي تظاهرت في السابق بحب يناير وثورة يناير. فيالسخرية الأيام!
اهم ماكتب عن 25 يناير
مصر العربية