الفستان “قصة قصيرة”

لم تكن الرائحة ،هي الشىء الوحيد،الذى لفت نظر المقربين، من جيرانه ، ولكن عم فهيم الذى دس نفسه بين أفراد العمارة المجتمعين، وبعدما رأى الأستاذ معلقا في وسط الصالة ، ولسانه متدل من فمه .

قال وهو يسد أنفه : أنه لم يره منذ أسبوع كامل ، وهو متعود رحمه الله أن يمر من أمام محله ، وعندما ينتبه لوجوده ، يطلب منه على استحياء العشاء الذى يسد رمقه ،لأنه كان يسكن وحده ، بعدما تركته زوجته سعادوابنته جنة  لكثرة ديونه ، والمشاكل المتكررة التي كنا نسمع بها عندما يعلون أصواتهم، فيتدخل من بالعمارة من الجيران لفض النزاع المشترك بينهما.

كان رجلا جنتلا يحب الجميع ، والكل يعرفه،بطيبته،ولبسه،ورائحته المميزة. هكذا شق كلام الجميع ، صاحب محل الملابس الذى عرف نفسه لنا بالنزهى، ولما لا وهو صاحب محل الملابس الراقية ،الموجود على ناصية الشارع، والذى يأتي ببضاعته من بورسعيد،والغالى يرخص للغالى، والأستاذ كان يقف بالساعات أم فاترينة المحل، ينظر إلى فستان، تلبسه ابنته جنة ، بلونه الزهرى المزركش وطرحته المدلاة على يد المانيكان.

 كنت أتابعه ، وهو يحمل في يده بعض الكتب ، وجريدة اليوم ، فيما عيناه تكادان تخترقا الفستان، ولا استطيع أن أقطع شروده، فيدخل وهو يسألنى بقلق : مفيش تخفيض على الفستان؟ – ده سعر نهائي.

ممكن تقسيط ؟ كنت أتركه ، وأجلس على كرسى بجوار باب المحل، فيخرج من المحل وهو يحاول اقناعى بفكرة التقسيط ، وأكاد أرى في عينيه الدموع ، وعندما أخبرنى بأن عيد ميلاد ابنته جنة بعد يومين ، أثر كلامه فيّ ووعدته أن أعطيه الفستان ، فتهلل وجهه وارتسمت علي شفتيه ابتسامة خفيفة ، ولكن كان شرطي عليه أن يكون ذلك بعد يومين، فسكت،وهو يدير وجهه بعيدا عنى.

 تابعت كلامى: يومين بس أنظفه وأكويه وأغلفه.

 وتكون هدية تليق بمستواك.

 اقتنع بكلامى، وهويكتب ورقة ، طلب منى أن أرفقها مع الفستان ، ومشى ووجهه مازل يحتفظ بابتسامته المضيئة .

 واليوم أحببت، أن أنفذ وعدى له، رغم أننى لم آخذ منه مليما واحدا ، لا من الحساب القديم ولا حتى من الجديد ، لكننى أعطيته الفستان ـ رحمه الله ـ بناء على كلمة ولابد أن أفى بها.

أرسلت الفستان المغلف على العنوان المكتوب، ووضعت داخله الورقة التي كتبها بخط يده.

هذا هو الفستان، الذى ترتديه البنت النحيفة ، وأمها تحتضنها ، وهما يبكيان أمام الباب المفتوح ، وأغلب سكان العمارة يواسينهما ، وكل العيون تحاول سرقة النظر تجاه الأستاذ ، وهم يفكون الحبل الملفوف حول رقبته ، وهو يرتدى بدلته ، ويضع في جيبها وردة زهرية اللون.

كانت سعاد تنظر إليه ، وعيونها يملؤها مائة سؤال .

اليوم عيد ميلاد جنة . واللون الزهرى الذى أحبه . والصالة التي قررت إنهاء حياتك فيها.

شاهدت تفاصيل حياتنا ، هنا تكلمنا ، وهنا حضنتنى ، وهناك تعالى صوتنا ، عندما طلبت منك ، شراء فستان لى ، ولم تستطع.

 دارت بعيونها وهى تحكم السيطرة على ابنتها ، هنا كان يقرأ ، وهنا كان يكتب أشعاره.

كان يفرح عندما تنشر له قصيدة ، ويسمعنى شعره ، ولم أفهمه أبدا .

لحظات ومر بجانبهم رجال الإسعاف ، يحملونه داخل كيس أزرق مغلق ، والكل بدأ يتراجع للخلف ، والرائحة قد بدأت تتلاشى من المكان كله.

تاليف : السيد شليل

شكرا للتعليق على الموضوع