يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

كنت فى طريق العودة من رحلة عمل خارج مصر و كعادتى قررت مشاهدة احد الأفلام على متن الطائرة لتساعدنى على تمضية الوقت …

و بينما انا أتجول بين المعروض ، استوقفني فيلم بعنوان ” لا لا لاند” اى “ارض الأحلام “

و لأنى كنت قد سمعت عنه الكثير ممن شاهدوه فى دور السينما ، قررت ان اشاهده بالرغم من انه من الافلام الغنائية التى لا تستهويني كثيراً !!!

و لكن من باب الخروج عن المألوف ، قررت كسر القاعدة و المضى قدماً فى مشاهدته …

بدأ الفيلم بالفتاة ” ميا” و رجل فى مقتبل العمر” سيباستيان ” ، لا يجمع بينهما شىء و يعيشان كل منهما حياة منفصلة و لكل منهما حلم جميل يسعيان وراءه منذ الصغر …

فكان هو يعشق موسيقى الجاز و يحلم ان يكون له ناديه الخاص الذى يلعب فيه مع فريقه ذلك النوع من الموسيقى التى لم تعد تستهوى الا القليل من الناس …

اما هى فكانت و منذ طفولتها تحلم ان تكون ممثلة …

و على ان اعترف ان جرعة الغناء و الرقص كانت اكثر مما أتحمل فى الربع ساعة الاولى و لكن شيئاً ما لا أدركه جعلنى أقرر الاستمرار فى المشاهدة !!!!

أخذتنى المشاهد لتحكى لى صراعهما فى الحياة ، لبلوغ حلمهما بلا فائدة ، فهى تتلقى خيبة وراء الاخرى حين ترسب فى العديد من تجارب الأداء …

و هو يفصل من عمله فى مطعم لانه لعب موسيقى ” الجاز ” التى لا تروق لأحد من الحاضرين …

حتى تجمع بينهما الاقدار للمرة الاولى فتسمع موسيقاه بينما هى تسير فى الطريق عائدة من احدى الحفلات المملة .. فتدخل المطعم لتراه فى اللحظة التى يقوم فيها صاحب المطعم بطرده من عمله …

تحاول ان تحادثه فيمر بجانبها غاضباً و يرحل …

حتى تجمع بينهما الاقدار مرة ثانية ، فيلتقيا فى حفل يعزف هو فيه بينما هى ضيفة ….

يبدأ بينهما التعارف ، و يفصح كل منهما للاخر عن حلم حياته و بكلمات بسيطه يشجعا بعضهما البعض و تتوالى الأحداث فيقع كل منهما فى حب الاخر و تمر بِنَا المشاهد …

هنا سأتوقف عند بعض منها ، ممن أراهم مشاهد رئيسيه تبعث برسائل حياتيه عميقه …

أولهم ، حين بدأ ” سيبس″ بالابحار بعيداً عن حلمه و الاكتفاء بالانضمام الى فرقة موسيقية تعزف لوناً من الموسيقى لا تستهويه لمجرد ان ذلك يعد عليه بالدخل المناسب و العمل الثابت !!!

فوقفت “ميا” أمامه تسجل اعتراضها و تحاول إعادته الى المسار الصحيح بكل قوة و حزم …

و هنا يأتى السؤال : كم منا يخلف احلامه وراءه و يترك اماله العريضه و يكتفى بالأقل ” بثانى او ثالث أفضل شىء ”  ؟!

و لماذا نطفىء ذلك الوهج الجميل بداخلنا !؟

فتأتى هنا ضرورة وجود ذلك الشخص فى حياتنا ، الذى يوجهنا و يعيدنا الى مسارنا الصحيح كالبوصلة فى الصحراء …

ثم يأتى مشهداً اخر، و بينما كانا يتجادلا حول احلامه …

احتد بينهما الحوار وقال لها ” انت فقط معى لأنك تحبين ما أشعرك به ، بأن أحلامك ممكنة و عقلانية…

 تتزامن تلك العبارة الساخنة الملتهبة مع احتراق كل الطعام الذى كان يحضره لها …

و هنا توقفت للحظة أفكر ، فى .. كيف ان بعض عباراتنا حين تخرج منا فى لحظات الغضب حتى و ان كانت نيتنا حسنة ( كما كانت نيته حين طهى لها الطعام ) ، يكون وقعها سيئاً و عواقبها وخيمة ، فنحرق بها الأخضر و اليابس …

ثم يأتى مشهداً ثالثاً، لحظة الاختيار بين ان يحضر اول عرض مسرحي لها و بين ان يحضر جلسة تصوير له ، فيأثر نفسه و يختار الثانية و تفشل مسرحيتها فشلاً زريعاً و تقرر ان تتركه فهى لا تقبل منه أية اعذار …

فتواجده بجانبها كان ضرورياً …

فيأخذنا ذلك المشهد الى حقيقة اننا قد نفقد أغلى ما نملك حين نتمركز حول أنفسنا و تملأنا الانانية غير مباليين بمن نحب ، فتواجدنا بجانبهم فى لحظات حياتهم الحاسمة ، لهو اصدق دليل على مشاعرنا تجاههم …

و يليه مشهداً آخر من أقوى المشاهد فى هذا الفيلم الآسر…

 كانا قد انفصلا عن بعضهما البعض و ما ان تلقى مكالمة لتجربة اداء لها ، تغافل عّن الخلاف و هرع اليها …

ودار بينهما حديثاً محورياً امام منزلها، بكت خلاله و قالت “انها سئمت من المحاولات الفاشلة، واحدة تلو الاخرى ، فقد أرهقتها نظرة الآخرين اليها و عدم اكتراثهم بما تصبو اليه و انه ربما جزء من النضوج ان نترك احلام الطفولة وراءنا و نكمل الحياة دونها ” !!!!!

فيأتى السؤال الحاسم ، هل من المنطقى ان يدفعنا الخوف من الفشل الى التخلى عّن الحلم ،هل هو جزء من النضوج ان نترك احلامنا و نتخلى عنها و نتوقف عن مطاردتها !؟

ام ان فى الواقع التخلى عن الحلم ، يعيدنا الى تصرفات الطفل الساذج الذى يخاف الظلام و لكنه لا يبحث عن النور !!!!

هل من رجاحة العقل ان نترك من حولنا يقللون من قيمة احلامنا و تسحبنا كلماتهم الى منطقة اليأس …

فجاء رد سيباستيان بليغاً قوياً قاطعاً ” اذا تملككى الشغف تجاه شىء ، فحتماً سيصل الى من حولك و يحبوه من خلالك يوماً ما”  …

و ربما و لهذا السبب بالتحديد احببت انا الفيلم و اكملته حتى النهاية فقد أصابتني عدوى الشغف لديهما …

ثم يأتى الجزء الأخير من الفيلم ، حيث اقنعها سيباستيان بوجهة نظره فذهبت لتجربة الأداء و طلبت منها اللجنة ان تحكى قصة من خيالها …

فحكت على هيئة أغنيه ، عن عمتها التى ألقت بنفسها فى نهر السين و مرضت لمدة شهر و لكنها كانت على استعداد لفعلها مره اخرى لانه حلمها الذى راودها طيلة عمرها  …

و قالت ” مرحى لأولئك الذين يحلمون ، فبالرغم من انهم يبدون كالحمقى الا انهم سعداء ، هنئيا لهم بالفوضى الجميلة التى يحدثونها فبعض الجنون مطلوب و هو السبيل لروية ألوان جديدة للعالم “…

يا لها من رسالة … فالأحلام قد تبعث الفوضى فى حياتنا و تصير درباً من الجنون الا انها بالتأكيد تستحق العناء لانها ما تضيف اليها الوانها البهيجه …

ثم يأتى مشهد النهايه العبقرى ليفاجئنى و انا من تصورت انى اجيد رسم النهايات ، فقد نجحت فى تجربة الأداء و أصبحت ممثلة لامعة و تبدلت حياتها …

واذا بها تعود ذات ليلة الى بيتها الجديد ، يسكنه زوج غير سيباستيان !!!!

ثم اتعرض لمفاجئة تضربنى مرة اخرى ، حين تخرج لمشاهدة مسرحية صديقتها فتزدحم الشوارع فتقرر هى و زوجها تغيير المسار والعشاء فى مطعم “سبس ” …

لقد حقق كل منهما حلمه دون الاخر ، بعيداً عن الاخر …

هكذا هى الحياة احيانا ، قد لا تمنحنا رفاهية نقطة التقاء بين احلامنا و احلام من نحب فيذهب كل الى حال سبيله ساعيا وراء حلمه !!!!!

بالتأكيد لم أوف هذا الفيلم حقه ، لكنه بلا شك يستحق التسع جوائز ” جولدن جلوب”التى حاز عليها …

دينا ابو الوفا
دينا ابو الوفا

اقرأ للكاتبة :

قيمتك الحقيقيه و مكانتك لا تقاس بمن يستقطع من وقت فراغه ليكون معك …

شكرا للتعليق على الموضوع