التلغراف تحاور الكاتب المصري الموهوب اشرف العشماوي

نعيش نصف حياة

غالبية الندوات مثل أسطوانة مسجلة

أنا أميل للعُزلة أكثر ..

وصفه الناقد الكبير وزير الثقافة الأسبق دكتور جابر عصفور بأنه من أحفاد نجيب محفوظ المخلصين كاتب بارع مشوق يعرف كيف يمسك بتلابيب قارئه وقال عنه الدكتور صلاح فضل استاذ النقد الادبي ان أشرف العشماوي روائي وقاض مثلما يحكم فى قضاياه بالعدل يكتب رواياته بصدق وحس فني عال ومشهدية مكثفة فتقرأ وكأنك ترى، فيما وصفه الروائي الكبير مكاوي سعيد بأن كتاباته عميقة وجميلة مثل كتابات كبار الادباء وليست خفيفة ككتابات هوجة الشباب بينما انحاز له الروائي الشهير ابراهيم عبد المجيد واصفا اياه بأنه من ابرز كتاب جيله ومتحقق كروائي حقيقي، لكن الحقيقة التي لمستها اليوم معه هو أنه أيضاخفيف الظل سريع البديهة جدا وحصيف يجيب على اسئلة الصحافة بدقة ولكن بغير مواربة وان كان قد تحفظ على بعض الاسئلة ، مؤخرا فى القاهرة ظهرت موجة جديدة من الكتابة الروائية طوفان أغرق المكتبات ثم أعقبها كتاب وروائيون يفتعلون معارك أدبية على صفحاتهم ، وأخرون حصلوا على جوائز كبيرة فهاجمهم البعض  بضرواة ثم جاء قانون السلطة القضائية ليمس وترا حساسا فى مهنة الروائي الاكثر مبيعا الان فى مصر صاحب تويا والبارمان والمرشد وكلاب الراعي وأخيرا تذكرته الوحيدة للقاهرة الكاتب المصري الموهوب اشرف العشماوي ، تعودنا الحوار معه عن كل جديد ، فكان لنا معه هذا الحوار:

نبدأ بأكثر الاحداث سخونة ما موقفك من تعديلات قانون السلطة القضائية ؟

-لا أحب الحديث فى هذا الامر ولا اميل للكلام عن شئون القضاء فى وسائل اعلام ، موقفي هو موقف الغالبية ومعلن بين زملائي بنادي القضاة ولن أحيد عنه، لكنني أرى أن الامور ليست على ما يرام فى كل حياتنا كلها باتت شائكة للغاية وصارت أكثر تعقيدا،تدعو للاحباط، أنا شبه فقدت الامل فى أن ارى ما اريد لبلدي من وجهة نظري ، أصبحت متابعتي للامور اقل ولم تعد اعصابي تحتمل كل ما يدور حولي ولو تكلمت أكثر من ذلك سأقول ما لا يصح قوله قانونا، لذا ارجو اعفائي من اجابة هذه النوعية من الاسئلة .

نعود للأدب والروايات ما تعليقك على ظاهرة ورش الكتابة التي انتشرت مؤخرا وهل يمكن أن نرى ورشة باسمك لتعليم فن الكتابة ؟

-بالتأكيد لن ترى ورشة باسمي وبداية لا توجد ورشة فى العالم تعلم فن الكتابة ، لابد وان يكون الشخص موهوبا لديه شيئا بداخله لكنه لا يدركه بصورة واضحة تماما ، فالورشة لا تعلم فن الكتابة انما ربما واؤكد على ربما انها قد تصقل موهبة ما ، دعني اشرح بطريقة اخرى فأنا وجيلي تعلمنا بعض فنون الكتابة من حوارات مع كبار الكتاب ومع غيرنا ممن لديهم تجارب اكثر منا وممن سبقونا للعالمية ومن اصدقاء نقاد وكتاب وناشرين لديهم خبرات ورؤى واضحة عن الكتابة بصفة عامة اذن كل ذلك يصقل ويحفز ويشجع ويظهر الموهبة الكامنة فى النهاية ، اعتقد ان الورشة ربما تكون اقرب لهذه الحوارات فإذا ما كانت كذلك اعتقد انها ستكون مفيدة

اذن لماذا لا تشارك فيها طالما تراها كذلك ؟

-انا لا امتلك تلك الموهبة بنقل خبرات لاخرين عن طريق محاضرة ، شاركت مرة او مرتان فى ورش متحدثا عن تجربتي فى الكتابة لمدة نصف ساعة ثم دارت حوارات مع المشاركين ولم اذهب لابعد من ذلك .

تحدثت فى حوارات كثيرة عن اهمية محررك الادبي الا تخشى ان ينال ذلك من ثقة القارئ طالما هناك من يتدخل معك فى العملية الابداعية ؟

– بالطبع لأ ، لأن دور المحرر مختلف عن هذا المفهوم السطحي بأنه يتدخل فى العملية الابداعية وكأنه رقيب ، المحرر لا يطرح فكرة للرواية ولا يكتب فيها فقرات او جمل او كلمات انما دوره مهم للغاية هو عين ودودة مجردة لا تشغلها الكتابة مثلي فلا تندفع انما تعني بتحليل ما كتبت وقراءته بروية للبحث عن الحشو والتكرار والجمل التي لم توصل المعني بشكل واضح هو قارئ سابق وناقد ودود ذكي ، ثم انه قد يناقشني فى شخصية ثانوية وقد يقنعني بتكبير مساحة دورها بالرواية هذا امر طيب انا اقدره لمحرري الادبي ولا اظن انه يشغل القارئ او يضايقه على الاطلاق فى النهاية انا صاحب العامل وكاتبه بالكامل والوحيد الذى يتحمل مسئوليته .

هذا السيل المنهمر من روايات تافهة ضعيفة لكاتبات وكتاب كيف تراها ؟

-لا استكمل قرائتها فالحياة قصيرة جدا لاتحتمل ان اقرأ هذا الهراء، مؤخرا بدأت فى رواية لكاتبة أكملتها مضطرا فلم يكن معي غيرها فى الرحلة ثم وجدتها تشكر الناشر واخرين فى نهايتها مع ذكر لمراجع اعتمدت عليها والحقيقة انها اغفلت اهم مرجع الا وهو “جوجل” فقد نقلت منه ثلث روايتها تقريبا ولابد انها كانت تشكر ناشرها لانه تركها تمر بجريمتها تلك ..!

ولكن بعض هذه الروايات تحقق مبيعات ضخمة وحقيقية ؟

-هذه مشكلة مجتمع اصبح بعض افراده يستسهلون القراءة من باب تمضية الوقت من غير متعة حقيقية لكن قد اكون مخطئنا انا عمري خمسون عاما وبالتأكيد لا استطيع مواكبة جيل العشرينيات فيما يقرأون هم احرار بالطبع انا احترم ذائقتهم الادبية لكن اتمنى ان تكون هذه القراءات مدخلا لقراءات اخرى بعد ذلك فيدركون قيمة ما فاتهم لما التفوا حول هذه الروايات الضعيفة ، وان لم يحدث فيمكننا القول بأنها أرزاق لهؤلاء الكتاب لا أكثر ولا اقل.. لا بأس!!

كثرت المعارك الادبية على صفحات التواصل الاجتماعي كيف تراها وهل هي معارك حقيقية مثلما كان يحدث فى القرن الماضي؟

-القرن الماضي كان حتى منتصفه من ازهى عصورنا ، مصر من البلاد التي كانت اجمل من 100 سنة عكس العالم المتحضر من حولنا ، لا يمكن مقارنة هذه المعارك التافهة الان بمعارك ادبية بين قامات مثل توفيق الحكيم ويوسف ادريس ومحفوظ وجليل البندراي وكامل الشناوي وغيرهم ، نحن فى زمن ردئ جدا وكل ما فيه نصف.. نصف موهبة ونصف اتقان ونصف حقيقة ونصف ابداع وعلى كل المستويات مثلما يقول المثل الانصاص قامت والقوالب نامت ،نحن نعيش نصف حياة للاسف الشديد كما قال جبران، وكلنا مذنبون وكلنا نتحمل المسئولية بصورة او بأخري

هل هذا هو السبب الذي يجعلك لا تشارك فيها ؟

-انا لست طرفا فيها من الاساس كي اشارك او امتنع انا اكتب واقرأ واستمتع بحياتي كشخص مسالم يحب العزلة ولا انظر ورائي ولا التفت لهذه الجلبة الحياة بها الكثير أهم وامتع .

تتحدث عن المسئولية مع انك اعتذرت مرات عن مناصب كثيرة منها وزير ومنها محافظ وغيرها الا ترى انك تتناقض بأن واتتك الفرصة لتكون مسئولا فتنصلت اليس هذا تناقض؟

-لا تناقض على الاطلاق ولم اتنصل، انا اقر بمسئوليتي تجاه مجتمعي على مدار ما سبق فى مجتمع تشوبه امية وجهل وانعدام ثقافة وتدني فى الذوق والاخلاق كلنا مسئولون عن ذلك ، اما اليوم فأنا على اعتاب الخمسين من عمري واعمل منذ ثلاثين عاما، أرى انني اديت واجبي تجاه بلدي فى مجالي حتى لما انتدبت لهيئة الاثار وغيرها من الجهات الحكومية او الدولية اديت عملي بصورة راضي عنها تماما انا كنت اعمل 17 ساعة كل يوم ولم اشكو ولم اتعب والان يجب اعطاء فرصة لمن هم فى العشرين من عمرهم والله العظيم هذه البلد بها شباب زي الورد وافضل مني ومن غيري، فقط تنقصهم الفرصة انا اخذت فرصتي كاملة على مدار عشرين عاما او يزيد قليلا هذا يكفي يجب ان يأتي غيري انا ايضا اريد التفرغ قليلا للكتابة الروائية التي تستغرق مني كل واحدة نحو عامين تقريبا ولدي افكارا اريد ان اكتبها ولا احب ان انشغل الان بأي امر اخر خلاف عملي بالمحكمة يبعدني عن الكتابة الروائية انا اعرف قدر نفسي وما اصلح له من مناصب وما لا اصلح له ولا اريد شيئا.

أنت الان قاضيا بمحكمة النقض فهل من الممكن ان تقبل بتعيينك من قبل الرئيس وفقا للقانون الجديد ؟

-انا منتدب للعمل بدائرة لنظر طعون النقض على قضايا الجنح لمدة ثلاث سنوات . لكن انا اصلا قاض فى محكمة الاستئناف بدوائر الجنايات ، واخيرا أقدميتي لا تتيح لي الترشيح كي يختارني احد ،وبالتالي لا مصلحة لي شخصية فى هذا القانون لن يفيدني ولن يضرني على المستوي الشخصي لكن على المستوى العام اراه مخالفا للدستور وله مآرب أخرى .

نعود للرواية وأسألك لماذا انت مقل من ندواتك حول رواياتك اليس لقارئك عليك حقا؟

-طبعا القارئ اهم طرف فى المنظومة هو من نكتب له فى المقام الاول لكنه بالله عليك هل هذه الندوات كلها حقيقية ؟ نفس الوجوه نفس الكلام نفس الاسئلة وكأننا اسطوانة مسجلة انا سئمت هذا الدور ولا احب ان اتمادى فيه ولا اظن ان قارئي الحقيقي يعارضني بدليل انني لا اراه فيها انما ارى اناسا موجودين فى كل الندوات وحفلات التوقيع الامر اشبه بمجاميع الكومبارس فى السينما  ،أنا اميل اكثر لنوادي الكتاب والندوات الخاصة ومناقشات النقاد فهي امتع وابقي وانفع.

لكن الندوات للرواية الجديدة مهمة ؟

-طبعا مهمة جدا، لكن ايضا من غير المنطقي ان اعقد 7 ندوات مثلا مثلما يفعل البعض لروايتي الجديدة بالقاهرة وحدها!! هذا امر اقرب للعبث وادعى للملل لن يحضر احد كل هذه المرات وانا اكون سخيفا اذا دعوت القراء لكي يسمعوا نفس الكلام كل هذه المرات، من يريد القراءة سيحصل على روايتي بغير الحاح مني واذا اراد ان يتواصل معي فهو يعرف الطريق وانا ارحب به فلماذا الاصرار على تكرار الندوات؟!!

اعلم عنك انك لا تكتب بالترتيب الذي نقرأ به الرواية الا ترى ان تلك الطريقة تصعب الامور اكثر وربما تتسبب فى اضطراب الفكرة المقدمة للقارئ؟

– لا اعرف هي اصعب ام اسهل لغيري، انما بالتأكيد هي سهلة بالنسبة لي فأنا لا اعرف غيرها وجربت الطريقة التقليدية فلم انجح اما الفكرة المضطربة فهذا يحكم عليه القارئ من رواياتي المنشورة لو كانت كذلك فربما تكون انت على حق لكن انا اكتب على مراحل عديدة واكثر من ثلاث مسودات للرواية حتى تظهر فى صورة نهائية تخضع لمراجعة دقيقة مضنية وتكون الرواية مسلسلة كما تظهر مطبوعة وقتها  فمن أين يأتي الاضطراب.؟، المراجعة للعلم هي اسخف مراحل الكتابة لكنها اهمها . ما قبلها متعة ولعب، الكاتب يخلق شخوصا ويضع افكارا ويحرك هذا العالم ويتفرج عليه ويشارك فيه اما المراجعة الاخيرة اشبه بعمل اداري بحت لكن تنقيح المسودات ممتع وفني جدا واستمتع به .

هل يمكن ان نرى رواية بطلها قاض وتدور اجوائها بأروقة المحاكم ؟

-والله تروادني هذه الفكرة واطردها ربما لست مستعدا لها بعد بسبب افكار اخرى سبقتها لكن التي ستلح على مخيلتي اكثر ساكتبها بعدما افرغ من روايتي الحالية التي بدأت فيها من سبتمبر الماضي 2016 وامامي عام اخر على الاقل كي انتهى منها لكن وارد ان اكتب ما تقوله لكنني لم استقر على الشكل الذي سأقدم به الفكرة بعد .

البعض هاجم جوائز الدولة وساويرس وايضا جائزة البوكر الاخيرة ووصف الامر بسعودة الادب خاصة بعد جائزة امير الشعراء التي فاز بها شاعر سعودي ايضا ما تعليقك ؟

-البوكر هكذا كل عام يهيل عليها الخاسرون التراب ، هي جائزة مهمة ولها بريق خاص ، بالنسبة لمحمد حسن علوان فهو اديب حقيقي متميز قرأت له القندس من قبل واعجبتني لم اقرأ موت صغير التي فازت هذه الدورة لكن اصدقاء اثق فى رأيهم قالوا عنها انها رائعة . اما سعودة الادب فهو مصطلح غريب لا اظن انه حقيقي بقدر ما هو صادر عن أناس لم ينالوا من الكعكة ما ظنوا انه نصيبهم فيما يبدو . اما جوائز الدولة فلا اعرف الا الروائي عمرو العادلي الذي فاز بها مؤخرا وهو يستحقها بالطبع لانه مبدع حقيقي فى القصة والرواية ويحب ما يكتبه ويقدمه للقارئ، اما ساويرس فقد فاز بها روائيون كبار مقاما مثل وحيد الطويلة وحسن كمال وبالطبع يستحقان الجائزة، لا اعرف سبب للهجوم عليهم هم الثلاثة !

اكثر رواياتك نجاحا هي تويا والبارمان وتذكرة القاهرة فهل ذلك يعود لكونها تناولت عالما فريدا فى كل منها له خصوصية ما لا يعرف الناس عنها شيئا بعكس روايتي المرشد وكلاب الراعي؟

–  ربما يكون هذا الرأي صحيحا أنا دائما ادرس مع ناشري اسباب نجاح كل رواية ومبيعاتها وما كتب عنها ربما هذا عامل مهم بالطبع وربما كنت فى افضل حالاتي فى هذه الروايات وربما كانت الموضوعات فى وقتها جاذبة لقطاع كبير اكثر لكن المرشد تناولت عالم الجريمة من زاوية مختلفة ايضا كلاب الراعي تاريخية عن فترة منسية تماما قبل محمد علي بقليل . انا اجتهد كل مرة لتقديم افضل ما عندي عامة ولا يوجد عمل كامل وهناك من يكتبون احسن مني وهناك من يراني جيدا. لا اعرف تحديدا السبب لنجاح هذه اكثر من تلك. كل قارئ له ذائقة احترمها واقدرها.

هل ستظل تعتمد التشويق فى كتاباتك ام يمكن ان نرى منك كتابة شعرية خالصة او كتابة غرائبية اقرب لفانتازيا لا تعتمد التشويق؟

-هذه طريقتي فى الكتابة لا اتعمدها على الاطلاق هذا جزء من تركيبتي الشخصية ، انا احب ما اكتبه بهذه الطريقة واقدمه للقارئ مثلما اراه واحبه فلماذا اتخلى عنه ؟ ايضا انا لست شاعر ولا اديب ولا أكتب فانتازيا او غرائبية انا مجرد روائي يحكي حكايات فعلى الاقل يجب ان تكون مشوقة .

30 27 29

اجرى الحوار :

وفاء شهاب الدين
وفاء شهاب الدين

شكرا للتعليق على الموضوع