لماذا يزداد الطلب على أحجار الأوبال الكريمة؟
بينما يغوص الحفار في أعماق التربة الحمراء بحثا عن أحجار الأوبال الكريمة، يردد عامل المناجم كريج ستاتلي، 45 عاماً، جملة سبق أن قالها كثيرا قبل ذلك: “هذه هي الحفرة”، فيحرك شريكه في أعمال الحفر، ريتشارد سوندرز، رأسه بالموافقة، بينما يغطي الغبار جسده بالكامل.
ويقف الرجلان وسط مناطق أستراليا النائية تحت لهيب الشمس، باحثين عن أحجار الأوبال، تلك الأحجار الكريمة النادرة التي تشع عدة ألوان متداخلة الأطياف.
ويتفحص الاثنان التراب الذي يجلبه الحفار بحثاً عن علامات لوجود الأوبال الذي يمكن أن يعود عليهم بمبالغ كبيرة. ومما يجعل هناك احتمالاً لجني ثروة كبيرة هو أن قطعة الأوبال الأسترالية الكبيرة الحجم والمتميزة الجودة يمكن أن يصل سعرها إلى أكثر من 600 ألف جنيه استرليني، بسبب الطلب المتزايد عليه من تجار المجوهرات حول العالم.
المشكلة هي أن أحجار الأوبال نادرة جداً. حتى في حقول الأوبال المحددة، يحتاج المرء إلى الحظ، وشهور أو سنوات من الصبر للعثور عليه. يقول ستاتلي: “نصفه موجود في مخيلتك. عليك التفكير بطريقة إيجابية، وإلا فإنك لن تأتي للعمل”.
ويقوم ستاتلي وسوندرز بالتنقيب في قطعة أرض تقع على بعد 15 ميلا جنوب بلدة كوبر بيدي الاسترالية، والمعروفة بأنها “عاصمة الأوبال في العالم”.
وتنتج منطقة جنوب أستراليا 80 في المئة من أحجار الأوبال على مستوى العالم، ويتركز ذلك النشاط في بلدة كوبر بيدي التي يقطنها حوالي 3500 نسمة، وتقع على بعد 850 ميلاً شمال أديلايدي، و430 ميلاً جنوب أليس سبرينغز.
وفي ذروة التنقيب عن الأوبال قبل 40 عاماً، كان هناك آلاف من عمال المناجم يقيمون في تلك البلدة التي يمكن أن تصل فيها درجات الحرارة في فصل الصيف إلى 47 درجة مئوية، لكن منذ أن تراجع اكتشاف الأوبال تدريجيا، تراجع أيضا عدد السكان.
ومع ذلك لا تزال هناك إمكانية للربح الوفير مع بلوغ قيمة ما أنتجته أستراليا من الأوبال 15.1 مليون دولار أسترالي (11.5 مليون دولار أمريكي) العام الماضي، حسب حكومة ولاية جنوب أستراليا.
ويأتي ذلك في وقت تضاعفت فيه أسعار الأوبال العالمية خلال السنوات القليلة الماضية، بفضل الطلب المستمر عليه من كل من الهند والصين، وكذلك انتعاش أسواق الأوبال في أسواق غربية كالولايات المتحدة.
وبينما لا يزال كل من ستاتلي وسوندرز ينتظران اكتشاف كمية الأوبال الكبيرة التي يحلمان بها، كانا محظوظين بعض الشيء في الآونة الأخيرة عندما فازا بالقرعة الخاصة بالتنقيب مجاناً في حقل جديد للأوبال تم افتتاحه مؤخرا.
فقد وقع الاختيار عشوائياً على الصديقين مع 50 آخرين من المنقبين للشروع في التنقيب في محمية “شيل باتش”، وهي محمية صخرية كان يمنع دخولها لمدة 40 عاماً نظراً لأهميتها لسكان أستراليا الأصليين. وقد شارك في السحب على اليانصيب أكثر من 200 شخص، وحصل الفائزون على قطع أراضي تبلغ مساحتها 100 في 50 متراً مربعا.
وكان جون دونستان، نائب رئيس الرابطة الأسترالية للتنقيب عن الأوبال، أول من عاد للعمل في شيل باتش. وقد تلقى أجرة يومية صغيرة بعد أن عثر على قطعة من الأوبال تبلغ قيمتها نحو 5,900 دولار أسترالي.
وبدلاً من حفر نفق في الأرض، يقوم دونستان بالتنقيب بطريقة قطع الصخور طبقة بعد أخرى، حيث تزاح عدة سنتيمترات من الصخور باستخدام حفار، ومن ثم يقوم من حين لآخر بفحص طبقات الصخور بحثا عن الأوبال.
ويأمل دونستان أن يجذب اكتشاف كبير في شيل باتش عقوداً جديدة للعمل في هذه الصناعة، ويقول: “لم نشهد اكتشاف كمية كبيرة، أو ضربة حظ (في كوبر بيدي) منذ عدة سنوات. نحن في أمس الحاجة للعثور على حقل جديد للأوبال، ونأمل أن نجتذب إليه عمال تنقيب جدد”.
ويمضي قائلاً: “هناك قول سائد في كوبر بيدي يبدو أنه صحيح، وهو أنه بمجرد أن تعثر على أول قطعة أوبال فإنك تصاب بما يعرف بـ ‘حمى الأوبال'”.
و تتمثل أعراض هذه الحمى في البحث بلا كلل أو ملل عن الأوبال، والذي يعتبر الحجر الكريم الرئيسي في أستراليا. وقد مر دونستان بتلك اللحظة وهو في الرابعة عشر من العمر عام 1965، عندما عثر على أول قطعة أوبال، ويقول: “بالنسبة لي، يمثل البحث عن الأوبال أسلوب حياة. إنه غرام”.
ويعد جستن لانغ، 27 عاماً، واحدا من هواة التنقيب الجدد الذي يرغب دنستان في رؤيتهم. فقد بدأ لانغ وشريكه دانيال بيكر في التنقيب عن الأوبال منذ خمس سنوات. ويقول بيكر إنهم بدأوا العمل في هذا المجال بصفته “هواية ستعود عليك بالمال”.
ويقضي كلاهما أسبوعاً من كل شهر في التنقيب عن الأوبال في عدة حقول في كوبر بيدي التي يصلانها قادمين من مدينة هاندورف بالقرب من مدينة أديلايدي، حيث يعملان هناك في التجارة.
ويقول لانغ: “إن احتمال العثور على ملايين الدولارات هو احتمال حقيقي”.
ويضيف أنه انجذب للتنقيب عن الأوبال لأن تلك الصناعة تفضل الشركات الصغيرة على عكس الشركات المليونية التي تستخرج اليورانيوم، والنحاس في أستراليا.
ويعد البحث عن الأوبال عملا عشوائيا، وغير منتظم مطلقا، ولذا لا تطيقه الشركات الكبيرة، كما يقول لانغ. فبالنسبة له ولأصدقائه من المنقبين، لا يهم إذا ما كان الأوبال موضة قديمة أو موضة حديثة.
وفي وقت مبكر من هذا العام أبرزت مجلة “بروفايلد” مصممي المجوهرات الشبان الذين يعيدون للأوبال تألقه بعد سنوات كانت سمعته فيها قد تراجعت، إما لأن البعض يرونه شيئا قديما كانت ترتديه العجائز، أو أنه مجرد قطع مجوهرات مبتذلة يشتريها السياح من المطارات الأسترالية.
وفي دفعة قوية لعودة الأوبال إلى مكانته، تركزت أحدث مجموعة مجوهرات لبيت الأزياء الشهير “ديور” حول هذا الحجر الكريم.
تقول إيميلي آمي، مصممة المجوهرات من نيويورك، والتي تحصل على كثير مما لديها من أوبال من أستراليا: “كل نوع من أنواع الأوبال مختلف تماماً عن الأنواع الأخرى. فهناك ألوان مختلفة، وأشكال مختلفة. إنها أحجار ساحرة الجمال”.
وبينما تستخرج أثيوبيا الآن حوالي نصف الكميات التي تنتجها منطقة جنوب أستراليا، ويُستخرج الأوبال أيضا في كل من البرازيل وبيرو، فإن أستراليا لن تفقد موقع الصدارة في إنتاجه على المدى المنظور.
ما يحتاجه المنقبون الأستراليون من أمثال دونستان مجرد مزيج من الإيجابية والصبر والحظ للعثور على هذه الأحجار الكريمة. ويقول دونستان: “لا تزال هنا الملايين من الدولارات لكي نعثر عليها. ما عليك فقط إلا أن تحفر في المكان الصحيح”.
بي بي سي