وجيه ابو ظريفة يكتب : اعلان القاهرة تفكيك لعقدة بانتظار تفكيك التعقيدات

أقدمت مصر بجدية كبيرة وفى توقيت غير متوقع على دعوة قيادة حركة حماس بكامل مكتبها السياسي الجديد، وبمشاركة رئيس الحركة اسماعيل هنية، وايضا القائد الجديد للحركة في قطاع غزة يحيى السنوار، لتبدأ حواراً معهم لمناقشة مستقبل العلاقة بين مصر وقطاع غزة. جاءت هذه الدعوة استكمالاً للنقاشات التي جرت في الاشهر السابقة والتي ادت الي مجموعة من التفاهمات بين مصر وحماس من جهة، وبين التيار الاصلاحي في حركة فتح بقيادة النائب محمد دحلان وحركة حماس من جهة أخرى.

لم يتوقع أكثر المتفائلين ان هذا الحوار سينتهي بالإعلان عن مرحلة جديدة من مراحل الحوار حول تحقيق المصالحة الفلسطينية بين غزة ورام الله، خاصة وان الصراع بين طرفي الانقسام كان على أشده، وحملات التصعيد والتشويه والتخوين والتكفير منتشرة في كل وسائل الاعلام التابعة للطرفين. بل كل ما كان متوقعاً هو اعادة تنظيم العلاقات المصرية مع حماس، واستكمال الترتيبات الامنية على الحدود ودعمها فنياً وتقنياً، والبدء في تنفيذ تفاهمات حماس – دحلان خاصة فيما يتعلق بمعبر رفح. وربما ايضاً تطوير الحركة على المعبر للسماح بحركة تجارية محدودة.

لقد استطاعت مصر ان تحول الحوار الى محاولة جديدة لإطلاق مسيرة المصالحة الفلسطينية، مستفيدة من رغبة حركة حماس في تقديم برهان على ثقتها بمصر، وانها على استعداد للقبول بما تقبل به القاهرة. وبالتالي اعلنت حركة حماس وضع قرار حل اللجنة الادارية في قطاع غزة وديعة لدى مصر تتصرف فيها كما تشاء. وبهذه الخطوة اخرجت حماس نفسها من دائرة الشك بعدم جديتها في السعي للمصالحة، وأصبح الحوار الذي دار بعد ذلك بين وفد حركة فتح الذي تمت دعوته للحضور الى القاهرة وبين المخابرات المصرية. سعت المخابرات المصرية في لقاءها مع حركة فتح على أخذ تعهداً منها بإلغاء كافة الاجراءات التي اتخذتها السلطة مؤخراً ومست حياة المواطنين خاصة والموظفين العموميين، على خلفية تشكيل حركة حماس للجنة الادارية في شهر مارس/آذار الماضي. وبالتالي استطاعت مصر ان تفكك ازمة ايهما اسبق “حل اللجنة الإدارية” ام “الغاء اجراءات السلطة.” بل ربما ذهبت الى أبعد من ذلك عبر تعهدها لحركة حماس التزام السلطة التي تديرها حركة فتح بإلغاء الإجراءات. وعليه، اعلنت حماس رسمياً الغاء “اللجنة الادارية” ودعوة حكومة الوفاق الوطني لتولي مهامها في غزة دون معيقات، ودعوة الرئيس لإلغاء الاجراءات فوراً والبدء في تنفيذ اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة مايو 2011.

ينظر كثير من المتابعين ومن الجمهور الفلسطيني بشك كبير تجاه نجاح هذه الجهود لإعادة عربة قطار المصالحة الى سكتها وتوجيهها بالاتجاه الصحيح. ويعود هذا الارتياب الى الاخفاقات المتكررة للطرفين في الوصول الى اتفاق، وعدم إيفاء طرفي الانقسام بالتزاماتهما بموجب اتفاقات سابقة بينهما، بدءاً باتفاق مكة وصنعاء والدوحة، وانتهاء باتفاق القاهرة 2011. يضاف الى ذلك ايضاً فشل اتفاق الشاطئ الذي وقع عام 2014 والذي شكلت بموجبه حكومة “الوفاق الوطني” والتي لم تتمكن من القيام بمهامها في قطاع غزة. بل لم تستطع تلك الحكومة حتى الوصول بحرية الى غزة وبقيت حكومة مقلصة السلطات غير فاعلة، وعاجزة عن تنفيذ المهام الموكلة اليها سواء توحيد المؤسسات الحكومية او إعادة هيكلة أجهزة الامن، او التحضير للانتخابات العامة.

يختلف هذا الاتفاق عن سابقاته بان الادارة المصرية تحولت من وسيط بين الطرفين، او كونها راعية للحوار بينهما، الى ضامن لتنفيذ التزامات كل طرف، وستشرف مصر بشكل مباشر ودائم على كافة مراحل الاتفاق. الطرف المصري حاول الدفع بشدة نحو تجاوز ازمة انعدام الثقة بين الخصمين. فالادارة المصرية لم تعد في حالة تسمح لها بانتظار نضج مواقف الطرفين تجاه المصالحة، لأنها أدركت ان ساحة غزه جزء من منظومة الامن القومي المصري الذي يواجه تحديات مكافحة الارهاب في سيناء. وان أي حالة من الانفجار في قطاع غزة نتيجة استمرار الحصار وتردي الاوضاع المعيشية وفقدان الامل للمواطنين، سيدفع الامور تجاه مصر. واذا حدث هذا الامر، فانه قد لا يكون بمقدور مصر ان تمنع اجتياح سكان غزه للحدود كما حدث في المرتين السابقتين. اضافة الى ذلك، ان غزة، وعل مدار العقد السابق كاملاً، اصبحت مرتعاً لخصوم مصر، خاصة تركيا وقطر. وبالتالي القت مصر بثقلها من اجل انجاز هذا الاتفاق.

ان حل اللجنة الادارية التي شكلتها حركة حماس لإدارة قطاع غزة خطوة هامة، وهي تفكيك لعقدة كانت تعترض طريق استعادة الحوار من اجل المصالحة. ولكن التعقيدات في الطريق ما زالت كبيرة وتحتاج الى جهد كبير من اجل تفكيكها والتغلب عليها. واهم هذه القضايا قضية مفهوم “تمكين حكومة الوفاق الوطني” وحدود صلاحياتها خاصة في مسألة السيطرة على وزارة الداخلية واجهزة الامن في قطاع غزة. اضافة الى ذلك قضية استيعاب موظفي حكومة حماس الذين تم تعيينهم بعد العام 2007 وقدرتها على دمج الموظفين القدامى، واعادة توحيد كافة الوزارات والمؤسسات وتوحيد جهات الجباية والصرف وتوحيد النظام الضريبي والجمركي والقطاع المصرفي.

ان العقدة الثانية هي كيفية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وكيف ستحضر للانتخابات وهل ستكون الانتخابات رئاسية وتشريعية وانتخابات للمجلس الوطني بشكل متزامن، ام ان سيتم استثناء المجلس الوطني من الانتخابات بسبب الازمات الاقليمية، وصعوبة اجراء الانتخابات في دول اللجوء الفلسطيني.

العقدة الثالثة هي سلاح المقاومة ومنظمات المقاومة المسلحة، وكيف سيتم تنظيم حيازة السلاح، ومن يملك قرار الحرب، وكيفية ضمان ابتعاد السلاح والمسلحين عن الحياة المدنية والسياسية. وربما قد تكون تجربة سلاح حزب الله في لبنان هي النموذج الاقرب للتماهي معه في قطاع غزة.

ان ما تم انجازه مهم كخطوات على الطريق، ولكن التقدم الى الامام يحتاج الي جهود صادقة، ونوايا طيبة، واحساس أكبر بالمسئولية، ورقابة فصائلية وشعبية. لقد بات واجباً على حكومة الوفاق الوطني ان تأتي فورا الى غزة دون تلكؤ او ابطاء او تسويف. وبات على رئيس لسلطة الفلسطينية ابو مازن ان يصدر تعليماته للحكومة بالإعلان عن خطتها لاستعادة عملها في قطاع غزة، ووقف كافة الاجراءات التي أرهقت أبناء القطاع وبشكل فوري. ينبغي البدء بتفكيك أزمات القطاع وأهمها حل مشكلة الكهرباء والتحويلات الخارجية للمرضى، وتوفير المستلزمات الطبية للمستشفيات، والاسراع في وضع ترتيبات لفتح معبر رفح. ويجب التحرك فوراً نحو الغاء قرار السلطة باقتطاع رواتب الموظفين العموميين في غزة، وذلك لاستعادة ثقة المواطنين بإمكانية تحقيق المصالحة وجدية الأطراف هذه المرة.

رغم اهمية النوايا الطيبة واهمية التفاؤل وضرورة الدعم والاسناد والتأييد لكل خطوة ايجابية على طريق استعادة الوحدة، الا ان الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل.

المطلوب اليوم من حركة حماس وحركة فتح الارتقاء الى مستوى المسئولية الوطنية لتخطي المعيقات وفكفكة الازمات وحل جميع الاشكالات، خدمة للشعب الفلسطيني، وحفاظاً على المشروع الوطني الفلسطيني الذي يواجه مرحلة، ربما هي الاخطر في تاريخه.

د. وجيه ابو ظريفة

محلل سياسي بشبكة السياسات الفلسطينية

اقرأ للكاتب :

معركة القدس والمفاوضات فى الميدان

شكرا للتعليق على الموضوع