مساعد عبدالعاطي يكتب :هل فقدت مصر أوراق القانون الدولي أمام التعنت والتعسف الأثيوبي ؟
– من الثابت ان ميثاق الأمم المتحدة الذي صدر ودخل حيز النفاذ القانوني في عام 1945 ، يعد هو القانون الاسمي والاعلي علي المستوي العالمي ، فيما يخص تنظيم وإدارة العلاقات الدولية بين أشخاص القانون الدولي العام ( الدول بصفة اصلية ، المنظمات الدولية بصفة تبعية )
وهناك عدة مبادئ قانونية جاء بها ونص عليها ميثاق الأمم المتحدة ، كاطُر حاكمة ، وضابطة لحسن سير وانتظام العلاقات الدولية ، في هدي من الاستقرار والتعاون ومنع نشوب المنازعات الدولية بين الدول ، بل ومنع التلويح بإستخدام القوة العسكرية في ميدان العلاقات الدولية ، ومن أهم تلك المبادئ مبدأ حسن النية في العلاقات الدولية ، ومبدأ التعاون الدولي في الأمور المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
– وتعد إستخدام الأنهار الدولية المشتركة من أهم مجالات التعاون بين دول الحوض الواحد ، بل هي التطبيق الصحيح والمباشر لقواعد القانون الدولي العام ، بمعني ان دول الحوض تشترك في نهر دولي طبيعي ، هبة من الله عز وجل لشعوب هذه الدول ، وبالتالي فعلي هذه الدول التزامات قانونية بالمحافظة علي هذه الهبة وتنميتها و ترشيد إستخدامها و التعاون فيما بينها في إطار من حسن النية في جعل هذا المورد مصدرا للخير و ليس مصدرا للتنازع.
– وفي حالة سد النهضة الأثيوبي نجد أن من حق إثيوبيا بناء سدود بقصد التنمية ، شريطة التزامها بضوابط القانون الدولي العام الناظمة لإنشاء تلك السدود ، وهي مبادئ دونتها الأمم المتحدة في اتفاقية اطارية جامعة شاملة بعد جهد دولي شاق، و نتاج لممارسات عملية دولية منذ قرون في مجال الأنهار الدولية ، إلا ان الدولة الإثيوبية قد ضربت عرض الحائط بتلك المبادئ المستقرة في وجدان الجماعة الدولية ، مستغلة في ذلك وبسوء نية اضطراب الأوضاع الداخلية في مصر عقب ثورة 25 يناير 2011 ، فقامت برفع السعة التخزينية من 14 مليار متر مكعب قبل 25 يناير الي 74 مليار متر مكعب في أبريل 2011 في تصرف يتسم بالتعسف و الغلو وسوء النية وايضا الأضرار المتعمد بمصر .
– يمكن القول ان التصرف الاثيوبي يمثل انتهاك واضح لثوابت واعرف القانون الدولي للانهار الدولية الراسخة ، وأذكر من أهمها انتهاكها لمبادئ ( الإخطار المسبق عند بناء المشروعات المائية علي الأنهار الدولية ، مبدأ عدم الأضرار ، مبدأ احترام الحقوق المكتسبة للدول المتشاطئة ، مبدأ عدم الغلو في استخدام الحق ) .
– أيضا خالفت اثيوبيا قرارات هيئات التحكيم و احكام القضاء الدوليين في هذا المجال ، منها ( قرار هيئة التحكيم بشأن بحيرة لانو بين فرنسا و اسبانيا 1957 )، وايضا علي صعيد القضاء الدولي أشير الي حكميين غاية في الأهمية لمحكمة العدل الدولية الأول حكمها ، الصادر في عام 1997 بين المجر و تشيكوسلوفاكيا ) ، و الثاني الحكم بين الارجنتين و اوارجواي عام 2010 ، حيث تؤكد هذه القرارات و الأحكام الدولية بكل موضوعية علي ان مياه النهر الدولي هي ملكية مشتركة تحكمها عدة مبادئ ، وأن القانون الدولي يعطي ويوفر حماية قانونية اولي لدولة المصب ، فضلا عن وجود معايير دولية لتقاسم مياه الأنهار الدولية المشتركة من بينها مراعاة عدد السكان و مدي توافر اكثر من مصدر للمياه بكل دولة من دول الحوض ، والاسخدامات السابقة والحالية والمستقبلية لمياه النهر ،،، ( قواعد هلسنكي 1966 ، قننتها الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لقانون إستخدام المجاري المائية الدولية في غير الأغراض الملاحية لعام 1997 ). ومن ثم فجميع تلك المعايير تدلل علي متانة وقوة وسلامة موقف مصر القانوني ، إذ تعد مصر المصب الوحيدة في حوض النيل ، وهي الأولي بالرعاية وتعتمد على مياه النيل بنسبة تفوق 97 % دون سائر دوله.
– وخلاصة القول ،، من خلال تتبع وتفنيد الموقف الأثيوبي منذ بناء سد النهضة في يناير 2011 وحتي اليوم ، وفي ضوء دراسة قواعد القانون الدولي العام ذات الصلة ، وايضا قرارات هيئات التحكيم واحكام القضاء الدوليين ، استطيع التأكيد علي أن مصر تملك العديد والعديد من الأوراق القانونية علي المستويات الإقليمية والدولية للدفاع عن حقوقها المائية .
– و لا يفوتنا أن أشير في هذا المقام لموقف غاية في الأهمية ، من بين العديد من تلك المواقف و التصرفات القانونية والدبلوماسية الخاطئة التي ارتكبتها الدولة الإثيوبية منذ أبريل 2011 ، وحتي اليوم ، وهي تصرفات تدلل علي قوة الموقف القانوني المصري ، وتكشف في الوقت ذاته عن وهن الموقف الإثيوبي ، فبعد اعتراض مصر علي بناء إثيوبيا لسد النهضة بالمخالفة لقواعد القانون الدولي العام ، حاولت إثيوبيا إرضاء مصر من خلال ( طلب إثيوبيا نفسها و بصفة رسمية تشكيل لجنة الخبراء الدولية من خبراء دوليين مشهود لهم بالكفاءة المهنية والحيدة ، وبعد تعنت صدر تقرير تلك اللجنة بعد مماطلة وتسويف إثيوبي دام لما يقرب من عامين ، و ادان التقرير بصريح النص إثيوبيا لعدم وفاءها بالتزاماتها الدولية المتمثل في تقديم الدراسات والبيانات الفنية المرتبطة بسد النهضة ، الأمر الذي فشلت معه اللجنة في الوقوف علي اية آثار سلبية يمكن أن تلحق بمصر حال بناء السد نظرا لإخفاء إثيوبيا للبيانات الجوهرية المرتبطة بصميم عمل اللجنة ).
ومما سبق يمكن القول ان مصر تستطيع من ناحية القانون الدولي العام توظيف مهمة ( اللجنة الدولية للخبراء ) نظرا لأن تشكيل اللجنة كان وليد إرادة اثيوبية صريحة ، ثم تحول الامر في نهاية المطاف الي نكول اثيوبي مفضوح، وايضا التعويل علي ، ( قرار وعضوية اللجنة ، محاضر اعمال اللجنة ، التقرير النهائي ) ، فضلا عن الاستهداء بالسوابق الدولية و مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وغيرها من قواعد القانون الدولي العام ذات الصلة .
– مصر تستطيع أيضا استغلال وتوظيف ورقة إعلان المبادئ الذي وقع في الخرطوم عام 2015 ، والذي استطاعت الدولة المصرية الحصول علي التزام قانوني صريح من إثيوبيا بعدم تشغيل السد والبحيرة إلا بعد اكتمال الدراسات الفنية ، المتوقفة حتي تاريخه بفعل الإرادة الإثيوبية .
– مصر تظل دوما من الدول التي تحترم الوفاء بالتزاماتها الدولية ، و مصر من اوائل الدول التي ساهمت بكل إيجابية في وضع و صياغة ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945 ، أيضا مصر تعد من بين الدول العشر الاكثر مساهمة في قوات حفظ السلام الدولية .
– يخطئ من يفسر المواقف المصرية مع التعسف الأثيوبي ، ضعفا ، بل هي في حقيقتها القانونية والواقعية تعد نقاط إيجابية ( قانونية ، دبلوماسية ) ، تحتاج لمهارة ابناء الوطن المخلصين في توظيفها موضوعيا علي كافة المستويات ، في الدفاع عن حقوقنا.
حفظ الله مصر من كل شر
المستشار الدكتور : مساعد عبدالعاطي شتيوي عبدالعال
دكتوراه في القانون الدولي للانهار الدولية
عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للقانون الدولي
اقرأ للكاتب :
رؤية دستورية ” تيران وصنافير “