أضرار غير متوقعة قد يتسبب فيها الأذكياء في بيئة العمل
إذا كانت مؤهلاتك ومهاراتك أعلى مما يتطلبه دورك الوظيفي، فهل تتسبب في متاعب للشركة التي تعمل لديها أكثر مما تفيدها؟
عندما احتلت أماندا هيبرت، وهي مديرة اتصالات تقيم في كالغاري بكندا، مركزاً وظيفياً بشركة لصناعة المكملات الغذائية من الفيتامينات قبل عدة أعوام، كانت تعرف أن مؤهلاتها تتجاوز المهام المطلوبة للوظيفة.
كان الراتب المرتفع، وفرصة العمل لصالح شركة كبيرة هما الأمران اللذان أغرياها.
لكن بعد توظيفها، وجدت أن دورها الوظيفي لم يتطلب منها ما يكفي لتنهمك في عملها بشكل كبير. وتقول هيبرت: “كان العمل مملاً. لم توجد تحديات، ولم أكن أقوم بأي عمل هادف”.
وقد تركتْ الوظيفة بعد سنتين فقط. وكانت تلك التجربة التي مرّت بها شائعة بالنسبة للكثيرين.
يُعتقد أن ما يقرب من سُدس العاملين في بريطانيا هم من حملة شهادات تتجاوز الدور الوظيفي الذي يقومون به، وأن 58 في المئة من خريجي الجامعات يشغلون وظائف لا تتطلب شهادة جامعية. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فتوجد تقديرات بأن واحداً من كل أربعة من العاملين الحاملين لشهادة جامعية هم من ذوي مؤهلات تفوق مهام وظائفهم الحالية.
ويطلب العديد من أرباب العمل في يومنا هذا الشهادة الجامعية كشرط أساسي لشغل وظيفة كانت تُشغل تقليدياً في الماضي من قبل غير الجامعيين، مما أدى إلى نوع من التضخم الوظيفي يشغل فيه العاملون وظائف لا تشكل تحدياً بالنسبة لهم.
وفي حين تبدو هذه النزعة مفيدة لصالح أصحاب العمل – حيث تجلب إليهم عدداً كبيراً من الخريجين الأذكياء من ذوي المهارات العالية- فقد تكون لها في الواقع نتائج عكسية. تشير الأبحاث إلى أن الشركات ربما تتسبب في إثارة المتاعب لأنفسها عن طريق توظيف عاملين ذوي مؤهلات تزيد عن المطلوب لدورهم الوظيفي.
الاستياء له تبعات
إن توظيف عاملين من أصحاب المؤهلات الدراسية العليا، ومن ذوي المهارات والقدرات العالية، ينبغي أن يكون نعمة، على الأقل من الناحية النظرية. لكن قد تنشأ لدى ذوي المؤهلات الزائدة عن المطلوب سلوكيات سلبية، مثل شعورهم بأحقّية حصولهم على امتيازات لقاء مهاراتهم أو الشعور بالاستياء نتيجة الملل. ويتسبب هذا في حدوث نتائج عكسية على كل المكاتب الموجودة في مكان العمل، حسبما تحذر بيرين أردوغان، أستاذة الإدارة بجامعة بورتلاند الحكومية.
وتقول أردوغان: “مشاعر الاستحقاقات تلك تحبط الجميع، وخاصة ممن يعملون ضمن فرق عمل مشتركة”. ويشير بحثها الذي أجرته مؤخرا إلى أن ذوي المهارة الزائدة عن الحد، ممن يشغلون وظيفة ما، قد يؤدي بهم الأمر إلى أن يشعروا بأنهم مختلفون عن بقية زملائهم، مما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأمور، وشعورهم بالعزلة والوحدة.
وإذا كان شخص ما لديه مؤهلات علمية زائدة عن المطلوب فربما لن ينشغل كليةً بالمهام التي توكل إليه، لأنه سيحكم على مثل هذه المهام بأنها “أقل من مستواه”، حسبما يقول بروس تولغان، الخبير في تدريب القادة، ومؤلف كتاب “27 تحدياً تواجه المديرين”.
ويقول: “سيشعرون بالضجر نتيجة هبوط الروح المعنوية لديهم، وربما لن ينجزوا المهام الوظيفية المطلوبة منهم.”
ويبدو أن تصور شخص ما بأنه صاحب مؤهلات زائدة عن الحاجة يسود بشكل خاص بين الموظفين الشباب، بحسب تولغان. فأبناء جيل الألفية، حسبما يقول: “لديهم إيمان قوي بأنفسهم، وتوقعات أكبر من أصحاب العمل، مقارنة بغيرهم من الأجيال”.
وقد بيّنت دراسة أجراها أوائل هذا العام عدد من الباحثين بجامعة فلوريدا أتلانتيك أن العاملين الشباب يميلون إلى الاعتقاد أنهم أصحاب مواهب تفوق المركز الوظيفي الذي يشغلونه، وغالباً ما يشعرون بالإحباط وخيبة الأمل في العمل.
كما إن هؤلاء العاملين هم أكثر عرضة أيضاً للقيام بسلوكيات تدل على التمرد، مثل التأخر عن الدوام، وترك العمل باكراً، والسرقة، وحتى مشاكسة زملائهم في العمل، حسب قول مايكل هراري، الأستاذ المساعد بقسم برامج الإدارة بجامعة فلوريدا أتلانتيك.
رهانات على الشعبية
لكن هذا ليس واقع الحال دوماً. فقد حددت دراسة أجرتها مؤخراً أردوغان، أستاذة علوم الإدارة، وهونغ دينغ، الأستاذ المساعد بكلية الإدارة في جامعة درم، خصالاً شخصية معينة يتصف بها العاملون من ذوي المؤهلات الزائدة عن المطلوب.
ويقول دينغ: “إن العاملين من ذوي المؤهلات الأكثر تفوقا، ممن يتمتعون بمهارات جيدة في التأثير شخصياً على الآخرين، هم أشخاص قادرون على انتهاج سلوكيات اجتماعية ملائمة عند تعاملهم مع زملائهم، والتي يُنظر إليها باعتبارها مقدرة، ومرغوبة”، حسب قول دينغ. “وهؤلاء العاملون لهم شعبية، وقبول جيد، ولذا فهم يشعرون بدافع لانتهاج سلوكيات عمل إيجابية.”
وبكل بساطة، تعني التأثيرات الشخصية المتبادلة التكيف مع البيئة المحيطة بك، وتبنّي سلوكيات ودية والامتناع عن ذم الوظيفة أو المدير. إن لعاملين الذين يتّبعون هذا النهج سيكونون من ذوي الأداء الأكثر فعالية في المكاتب، حسبما يضيف دينغ.
هذه هي النقطة التي يمكن فيها للإدارة القوية أن تكون مؤثرة حقاً. ولإبقاء العاملين من ذوي المؤهلات الزائدة عن المطلوب في حالة إنشغال وانهماك بعملهم، ينبغي على المديرين أن يعطوهم مهاماً تتطلب إبداعا أكثر، أو مشاريع أطول أمداً، أو أن يجعلوهم يتعاونون مع فرق عمل أخرى ضمن الشركة، حسبما تقول إليزابيث كيلان، أستاذة القيادة بكلية الإدارة في جامعة كرانفايلد.
لكن مع ذلك، كما تقول كيلان: “ينبغي على القياديين أن يعوا حقيقة وجود احتمال لتولد استياء أكثر تجاه الأفراد الذين يلاحظ تميّزهم عن الآخرين. ولذا فإنه من المهم الدخول في نقاش مع فريق العمل حول أسباب اختيار شخص معين لإنجاز تلك المهام الخاصة.”
طريقة أخرى يمكن فيها للمديرين اتخاذ إجراءات تحد من المشاعر السلبية لدى العاملين أصحاب المؤهلات الأعلى، وهي الصراحة فيما يتعلق بصعود السلم الوظيفي في الشركة. وتقول أردوغان إنها تحدثت مرة مع مدير توظيف عيّن شخصاً كانت مؤهلاته تفوق بوضوح ما هو مطلوب لتولي مركزه الوظيفي، وتبادلا حديثاً صريحاً حول أهمية التحلي بالصبر.
وتضيف: “أخبر ذلك المدير الموظف بأنه لو بقي في ذلك المركز الوظيفي لمدة عام، فإنه سيصعد السلم الوظيفي للمؤسسة بشكل أسرع. وعبّر الموظف عن رأيه قائلاً ‘ذلك رائع! لن أبقى في تلك الوظيفة إلى الأبد، وسأحصل على وظفية أفضل مع تقدم الأيام'”.
لذا، ماذا لو طُبّق الأمر عليك أنت؟ بإمكان نفس هذه الصراحة أن تساعد أيضاً من يشعرون بأن مؤهلاتهم تفوق المطلوب منهم في وظائفهم. ,سيجد العديد من الباحثين عن عمل أنهم في نفس الحال التي مرّت بها هيبرت، أي التقديم لمراكز وظيفية لا تحتاج إلى مستوى الخبرة والتجربة التي لديهم.
وبالنسبة لمن ينوي القيام بذلك، ينصح تولغان أن توضح سبب رغبتك في الحصول على المركز الوظيفي الأعلى، مشدداً على ضرورة أن تكون مناسبا لذلك العمل في الشركة.
ويضيف تولغان: “لا تهمّش عمداً سيرتك الذاتية، أو تقلل من إنجازاتك. ولكن كن صريحاً وأصيلاً”، وفقًا لما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.