الدليل الأمريكي للموظفين “المخربين” إبان الحرب العالمية الثانية

كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحث مواطنيها في كل مكان، إبان الحرب العالمية الثانية، على أن يصبحوا “مخربين” بشكل يومي في مكاتب عمل “الأعداء”. وربما لا يزال مثل هذا السلوك متبعا في بعض مكاتب العمل اليوم، حتى وإن كان بشكل غير متعمد.

كان الجواسيس والمخربون لفترة طويلة جزءا من الحروب، لكن هل كنت تتخيل يوما أن زميلك في العمل الذي يتدخل في شؤونك ربما يكون يستخدم نفس تلك الأساليب القديمة.

في عام 2008، كشفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للجمهور عن كتاب يعود لفترة الحرب العالمية الثانية كان قد كتب كدليل “للتخريب” الذي يمكن أن يقوم به المواطنون الأمريكيون على مستوى القاعدة الشعبية.

كان الهدف من ذلك الكتاب الذي يحمل عنوان “الدليل الميداني البسيط لعمليات التخريب”، هو مساعدة المواطنين الذين يعملون في دول الحلفاء المحتلة على إسقاط الحكومات القائمة من الداخل.

وترجمت تلك الوثيقة المكونة من 32 صفحة، والتي كتبها “مكتب الخدمات الاستراتيجية”، وهو الجهاز السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في عام 1945، إلى عدة لغات، ووزعت في دول عديدة مثل اليونان، والنرويج، وغيرهما.

وقال موقع وكالة الاستخبارات المركزية عن تلك الوثيقة: “كانت العديد من التعليمات الخاصة بالتخريب ترشد المواطنين العاديين، الذين لم يكونوا على اتفاق مع سياسات بلدانهم في وقت الحرب تجاه الولايات المتحدة، وذلك بهدف زعزعة استقرار حكوماتهم عن طريق القيام ببعض الأعمال التخريبية”.

وأضاف الموقع: “كان بعض هذه التعليمات يبدو قديما، وبعضها الآخر لا يزال مرتبطا بالواقع على نحو مدهش. لكنها جميعا تعد تذكيرا بإمكانية تقويض الإنتاجية والنظام بسهولة”.

كانت الفكرة هي إشراك الناس في توجيه ضربات خلفية على مستويات صغيرة، مثل تحريض الناس على المشاركة بنشاط في أعمال التخريب، وليس فقط تمني قيام الدول المجاورة بذلك، أو مجرد تمني أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها يوما ما.

ولم يكن ذلك الدليل المكتوب يطلب من الناس أن يندسوا خلف خطوط العدو، ولكن بدلا من ذلك، كان يطلب منهم القيام بأمور صغيرة يمكنها أن تتراكم لتحدث تأثيرا كبيرا من أجل تقويض قوة العدو.

وكان ذلك الدليل المكتوب يشجع القراء على اتباع “نهج غير متعاون”، وكانت أجزاء كبيرة منه مخصصة لتطبيق ذلك النهج داخل أماكن العمل.

فعلى سبيل المثال، كان يقال للمديرين “خفضوا الروح المعنوية، والإنتاج، وتلطفوا مع العاملين غير الأكفاء، واعطوهم ترقيات غير مستحقة. وميزوا ضد العاملين الأكفاء، واشتكوا من عملهم ولو على نحو غير عادل”.

وكان الهدف من ذلك هو تحريك الماء الراكد، وإحداث منازعات تتسبب في ضعف الأداء داخل المؤسسات.

أما بالنسبة للعاملين، فكان يقال لهم “اعملوا ببطء. وفكروا في طرق لزيادة عدد الخطوات المطلوبة من أجل تنفيذ مهامكم، واستخدموا مطرقة خفيفة بدلا من استخدام مطرقة ثقيلة، وحاولوا أن تجعلوا مفتاح البراغي الأصغر حجما يعمل مكان ذلك الأكبر حجما”.

وبالعودة سريعا إلى عام 2017، لا تزال العديد من هذه السلوكيات موجودة في بيئة العمل، لكن ربما بشكل غير متعمد. لكنك لن تحتاج إلى التسلل خلف خطوط العدو لتكتشف مثل هذه السلوكيات، فبإمكانك أن تجدها في بيئة عملك.

ربما يكون لديك زملاء في العمل من الذين لا يعملون بالضرورة لصالح بلاد معادية، ولكنهم لا يزالون يعملون بطريقة تؤدي إلى تقويض مؤسستك.

فقد اتضح أن هناك العديد من الأساليب التي تجعل العمل في الشركات يسير على نحو أقل سلاسة وسهولة.

هناك مقارنة مدهشة بين المخربين الذين كانوا يعملون لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في أوقات الحروب، وبين الزملاء من أصحاب التأثير السلبي في أماكن العمل، كما تقول ساندرا روبنسون، أستاذة السلوك المؤسسي والموارد البشرية بجامعة كولومبيا البريطانية.

وتقول روبنسون: “أنا بالفعل أرى وأسمع الكثير عما تصفة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بـ ‘السلوك التخريبي.’ فالتخريب يحدث عادة عندما يريد الموظفون أن يعبروا عن ردود فعلهم عندما يرون أنهم تعرضوا لسوء المعاملة”.

وتضيف: “تأخذ تلك المظالم المتصورة عدة أشكال، منها ذم أحد أعضاء فريق العمل في غيابه، ووجود مشرفين غير عادلين، أو مشرفين لا يبدون احتراما للآخرين، وعدم حصول الموظف على ترقية مستحقة، أو زيادة مستحقة في الراتب”، وفقًا لما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

وقد يلجأ الموظفون الذين يشعرون بالمهانة إلى التخريب عندما لا تتاح أمامهم خيارات أخرى، مثل التحدث عما يضايقهم، أو مغادرة الشركة، كما تقول روبنسون.

ومرة أخرى، قد يظهر ذلك عادة في صورة أعمال بسيطة جدا لكن لها تأثيرا تراكميا، مثل أن يفضل المديرون العاملين غير الأكفاء، أو يعمل الموظفون ببطء لدرجة تؤدي إلى تعطل مشروع ما.

وقد يكون الأمر فجا لدرجة فقدان بعض الوثائق المهمة، أو تجاهل بعض رسائل البريد الإلكتروني دون اكتراث.

ويتعلق الأمر بالطبع بما إذا كان هذا “المخرب” يقوم بأي شيء بشكل متعمد أم لا.

وبغض النظر عن ذلك، فإن التعرف على مثل هؤلاء الأشخاص في وقت مبكر يعد أمرا مهما، سواء كنت تحاول أن تنقذ بلدك، أو تنقذ راتبك.

شكرا للتعليق على الموضوع