لماذا لن تتبادل باكستان المعلومات الاستخبارية مع الولايات المتحدة؟

أعلن وزير الدفاع الباكستاني، خورام دستغير خان، تعليق تبادل المعلومات الاستخبارية مع الولايات المتحدة في أحدث تطور يشهده الخلاف الأمريكي-الباكستاني. لكن ما أهمية هذا التطور في العلاقات الثنائية؟، وفقًا لما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

سُلِّطت الأضواء على العلاقات بين إسلام آباد وواشنطن منذ تغريدة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في السنة الجديدة إذ اتهم باكستان بـ”الأكاذيب والخداع″.

ومنذ ذلك الحين، أعلنت واشنطن أنها ستتوقف عن تزويد باكستان بالمساعدة الاستخباراتية، وبادر السياسيون الباكستانيون إلى التعبير عن امتعاضهم إذ قال وزير الخارجية الباكستاني إن البلدين لم يعودا حليفين، كما قال رئيس الأركان إنه يشعر بـ “بالخيانة”.

لكن وراء هذا الخطاب، يتعامل الطرفان بحذر أكبر مما قد تعتقد مع هذا الواقع.

وقال مسؤولون أمريكيون إن تعليق المساعدة الأمنية مؤقت، وإن الموارد المالية قد تُصرف للبلد حسب الحالة التي يتعامل معها الباكستانيون، بناء على التعاون القابل للقياس الذي مددته اسلام أباد.

وفي الوقت ذاته، يعتقد القليلون أن إعلان وزير الدفاع الباكستاني ليس أكثر من تصريح رمزي، وذلك بسبب أن باكستان قلصت معظم أوجه التعاون الاستخباري مع الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين.

تضارب المصالح بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/يلول

ظلت الولايات المتحدة وباكستان حليفتين منذ أوائل الخمسينات من القرن العشرين عندما وصلت المساعدات الأمريكية لتلبية الاحتياجات الاقتصادية والأمنية للبلد.

وقدمت باكستان ما بين 1959 و1970 قاعدة قرب مدينة بيشاور إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي أي آي) لاستخدامها كمركز للاستماع للبث الإذاعي الذي يتم اعتراضه من الاتحاد السوفيتي.

وفي الثمانينات من القرن العشرين، تعاون البلدان بشكل وثيق خلال الحرب الأفغانية والتي شنها المقاتلون الأفغان بالأساس انطلاقا من الأراضي الباكستانية بتنظيم وتدريب وكالة الاستخبارات الباكستانية.

لكن العلاقات الثنائية للبلدين اصطدمت بتضارب المصالح بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة. لقد أنشأ الأمريكيون حضورا فعليا في أفغانستان إذ أخذوا في استخدام باكستان كطريق لإمداد قواتهم هناك وكمصدر للمعلومات الاستخبارية.

وكان الترتيب الأولي يقتضي أن تستخدم الولايات المتحدة التكنولوجيا مثل اعتراض الاتصالات واستخدام طائرات بدون طيار بغية جمع المعلومات الاستخبارية على أن تقدم باكستان المعلومات الاستخبارية البشرية.

وتكمن قيمة هذه العلاقة في أن المقاتلين الإسلاميين الذين هم العدو الرئيس للولايات المتحدة كانوا يتركزون في المنطقة الحدودية بالشمال الغربي من باكستان ولا يمكن هزيمتهم إلا بمساعدة باكستان.

وتتمثل مشكلة هذه العلاقة في أن باكستان تعلمت كيف تستخدم هذه المجموعات المتمردة للتصدي للنفوذ الهندي في أفغانستان. وبما أن الحال كذلك، لم يكن بالإمكان أن تتخلى باكستان عن هذا النفوذ.

ولهذا، ففي الوقت الذي أعلنت فيه باكستان أنها تقف إلى جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان، فإنها في الواقع خلقت الظروف التي تتيح لهذه المجموعات التسلل إلى الأراضي الباكستانية وإقامة ملاذات آمنة في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية بمحاذاة الحدود مع أفغانستان.

وهكذا، زود الباكستانيون الولايات المتحدة بالمعلومات للقضاء على عدة قادة في تنظيم القاعدة أو اعتقالهم في المنطقة القبلية، لكن في المقابل لم يعتقل أي قيادات بارزة في تنظيم طالبان أو شبكة حقاني ممن تستخدمهم إسلام آباد كوكلاء لها في أفغانستان.

الاستثناء الوحيد حدث في عام 2010 حيث اعتقل أحد كبار قادة طالبان الميدانيين وهو الملا بيرادار. لكن الكثير يعتقدون أن إزاحة بيرادار من الصورة كان يناسب عناصر في المؤسسة الباكستانية لأنه كان يحتفظ بمباحثات سرية لإبرام السلام مع الحكومة الأفغانية التي مالت إلى مواقف الهند.

وساعدت باكستان الولايات المتحدة في توجيه ضربات لبعض قادة ما يسمى بحركة طالبان باكستان مثل بيت الله محسود وآخرين لكن السبب يكمن في أن هذه المجموعات انقلبت ضد باكستان بعد مقتل متشددين في المسجد الأحمر بإسلام آباد عام 2007.

وفي عام 2014، عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، عن تخفيض القوات الأمريكية في أفغانستان، شنت باكستان عملية تطهير للمنطقة القبلية لتأمين حدودها.

وبينما عمدت باكستان إلى إبعاد العناصر التي اعتبرت “ضارة” بمصالحها إلى حدود أفغانستان، فإن العناصر “الصديقة” ظلت بدون أن يلحق بها أذى. كما أن قادة عسكريين مهمين في طالبان يمكن رؤيتهم في مدن باكستانية مثل كويتا، وبيشاور، وكراتشي وحتى في العاصمة إسلام آباد.

وفي ظل هذا الوضع، لا يمكن أن تحرز الولايات المتحدة سوى القليل من وراء تبادل المعلومات الاستخبارية مع باكستان. وبالمثل، هناك القليل الذي يمكن أن تحجبه باكستان عن الولايات المتحدة، وفي الأحوال العادية تكون إسلام آباد راغبة في تبادل هذه المعلومات مع واشنطن.

السبيل الوحيد المتاح لباكستان لإحداث المشاكل للولايات المتحدة يتمثل في إغلاق الحدود البرية أمام حركة التموين بهدف حرمان القوات الأمريكية في أفغانستان من المؤون. لكن إلى حد الآن، لم تعط باكستان إشارات على أنها يمكن أن تقوم بذلك.

ويرى مراقبون أن أسوأ شيء يمكن أن تقوم به باكستان حاليا هو رفع رسوم العبور أمام حركة التموين للقوات الأمريكية في أفغانستان أو إحداث عراقيل من وقت لآخر لتأخير تسليم هذه المؤن.

وهذا مؤشر على وجود التوترات وإثبات القدرة على الانتقام لكن هذا المؤشر لا يكاد يرقى من حيث السوء إلى خطاب الطرفين كما يسود الاعتقاد.

شكرا للتعليق على الموضوع