يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

كان صباح يوم الجمعه ولذا استيقظ اهل البيت متكاسلين واحداً تلو الاخر ما بين الساعة الثامنة والتاسعة صباحاً ….

تناولوا معاً وجبة الافطار وبينما هم على وشك الانتهاء ، سأل الابن الأصغر أمه ” مامى هو احنا هنتغدى ايه انهارده ” …

“يا حبيبى احنا لسه بنفطر وانت بتفكر فى الغدا …. ههههههه” …

وقامت الام تلملم الصحون وتعود بها الى المطبخ ، فتبعها الابن لاستكمال حديثه والافصاح عما يجول بخاطره ” يا مامى مش قصدى … اسمعى بس … بصى اطبخى اى حاجه المهم يكون الموضوع فيه بطاطس فى الفرن عشان نفسى فيها” …

“هههههه … لا بسيطه …اى أوامر تانى حضرتك ” وبهذا الرد الساخر ظن الابن ان أمه كانت تستهزأ به وان الامر سينتهى حتماً الى مكرونة سباجتى و بيف برجر فى أحسن الفروض .. فخرج من المطبخ دون ان ينطق بكلمة اخرى ، متوجهاً الى الحمام لكى يغتسل ويرتدى ملابسه استعداداً لصلاة الجمعة …

وفى غضون نصف ساعة ، كان قد تحرك ليذهب الى المسجد سيراً على الأقدام …

وبعد ان انتهى من الصلاة عاد الى البيت ليجد والدته فى المطبخ ، وقد بدأت بالفعل فى تحضيرات وجبة الغداء فدخل عليها وعلامات الاحباط قد ارتسمت على وجهه مقدماً …

لكنه فوجئ بوالدته تقشر البطاطس وتقطعها شرائح سميكة ففهم انه سيحصل على طلبه.. اما المفاجأة الأعظم فكانت فى رؤيته لكتف ضانى رائع قد استلقى على الطاولة فى انتظار مصيره المحتوم !!!

وهنا أسرع نحو أمه واحتضنها من الخلف قائلاً ” ايه ده هو حضرتك هتعمليلى اللى انا عايزه ” …

“اه طبعاً .. انا اقدر معملش يا حبيب مامى وطلعتلك كمان كتف ضانى عشان عارفه انك بتحب اللحمه الضانى زيي وهتبلهولك احلى تتبيله واحطهولك فى الفرن مع البطاطس ” …

والتفتت له الام ، كى تملى عينيها بابتسامة ابنها المتوقعة وقد انارت وجهه وأنارت لها دنياها … لكنها لم تَر سوى دموع وقد امتلأت بها عينيه حتى فاضت على خديه ، ففزعت !!!

” مالك يا حبيبى … فى ايه … بتعيط ليه … ايه اللى زعلك كده مره واحده”

نظر اليها ابنها واجابها وهو يمسح دموعه سريعاً كأنها عار عليه ان يمحيه سريعاً ” انا اصلى افتكرت صاحبى اللى مامته ماتت من سنتين.. انا طلبت من حضرتك أكله نفسى فيها وحضرتك عشان مامى وبتحبينى عملتيهالى … هو بقى لما يبقى نفسه فى حاجه معينه يطلبها من مين ومين يعملهاله … “

يا ليته ما أجابها ، ففكرة ان تبكى هى الاخرى فى مستهل يوم الجمعة – يوم إجازتها وراحتها – ليس بأفضل الاختيارات لتمضية يوم كهذا …

لكنها بكت … لم تستطع السيطرة على دموعها وانهارت كلياً… فكلمات ابنها جعلتها ترى الولد بوضوح أمامها وهو يتوق لأكلة ما فلا يجد ام يسرع اليها لتلبى طلبه …

ذلك المشهد أوجع قلبها وآلمه بشدة فسألت ابنها بصوت متقطع ” طب تقترح نعمل ايه … ايه رأيك … !؟”

” لو ينفع يعنى يا مامى ، نعزمه عندنا فى يوم واسأله قبلها نفسه يأكل ايه وحضرتك تعمليه … ممكن والنبى “…

ابتسمت الام واحتضنت ابنها بقوة وقبلته قائلة ” جدع يا قلب مامى … ربنا يديم عليك حنية القلب … انت بس قوللى امتى وانا آخد اجازه من الشغل وتطلعوا من المدرسة تلاقوا كل الاكل جاهز ومستنيكم ” …

وللمرة الثانية انتظرت الام ان ترى ابتسامة ابنها ، فقد لبت له طلبه وأقل ما يجب هو ان يبتسم فى وجهها ، الا ان عينيه دمعت مرة اخرى ” مالك تانى .. يا ابنى يا حبيبى هو اليوم العالمي للنكد .. فى ايه ”  …

” أصل انا افتكرت انى كنت بلعب معاه هو واصحاب تانيين من يومين كورة فى النادى وزعلناه مننا عشان مجبش جون سهل … قام اضايق مننا ومشى وسابنا”

“وانت عملت ايه بعد ما ضايقته …”

“انا بعد ما مشى حسّيت ان الموضوع مش مستاهل وانى زودتها انا واصحابى وزعلت من نفسى “

” وبعدين … “

” طلبت من اصحابى ندور عليه ونصالحه ونعتذر له .. قالولى سيبك دلوقتى يرجع “

” وانت عملت ايه .. سيبته”

“لا طبعاً …. قلت لنفسى انا لما بزعل باجى واحكيلك … هو بقى هيحكى لمين … دورت عليه فى النادى كله لحد ما لقيته واعتذرت له وصالحته وقبل اعتذارى”

فى اغلب الظن كان هذا اليوم ، اليوم العالمي ليس فقط للنكد والبكاء بل للاحضان والقبلات أيضاً ، فقد عانقت الام ابنها مرة اخرى وقبلته على رأسه . …

” تصدق انا فرحانه بيك اوى … لأن ابوك وانا عرفنا نربى وطلعت راجل “

” راجل ايه بقى وانا عنيه عماله تدمع كده .. فى راجل يدمع “

” ايه دخل الدموع فى الرجولة … الاتنين لا يتعارضوا مع بعض أصلا ….

الرجولة دى حاجات كتيره اوى … منها ان قلبك يكون حنين وطيب وتحس بالناس اللى حوليك وتشعر بيهم وتتفاعل مع مشاكلهم وتحاول تقف معاهم وتوجد حل ليها وانت عملت ده لما طلبت منى نعزمه على الغدا

مش بيقولوا ” تقف وقفة رجالة ” ما هى دى وقفة رجالة …. ومنها انك تكون متحمل المسئولية تجاه كل تصرفاتك وتعترف بخطأك اذا غلطت ومتكابرش وتكون عندك الشجاعة الكافيه انك تعترف بالغلط وتصلحه وتعتذر للى غلطت فى حقه … مش بيقولك الرجولة شجاعة … يبقى انت راجل وسيد الرجالة كمان ” …

دينا ابو الوفا
دينا ابو الوفا

اقرأ للكاتبة : 

البعد اظهر لك الحقيقة وغربلك الناس

شكرا للتعليق على الموضوع