“كمبي صالح”.. المدينة المنسية في موريتانيا وعاصمة مملكة غانا المجهولة
تاريخ عريق وحضارة ملأت صحراء أفريقيا علما وثقافة زمنا يربو على 5 قرون لتغدو نسيا منسيا بعد الحروب وانتقال القبائل إلى مناطق الإمارات التي قامت بعد أفول عصر مملكة غانا، إنها مدينة “كمبي صالح” التي عاشت عصورا زاهرة وكانت أكبر مدينة في الزمن الغابر وملتقى طرق القوافل، لتصبح اليوم عبارة عن أحجار وأبنية غمرها الرمل ويهددها الإهمال بالاندثار.
ويعود تاريخ مدينة “كمبي صالح” إلى القرن الثالث الميلادي، حيث اختارت قبائل صنهاجة البربرية موقع المدينة وسط الصحراء وعلى طريق الطرق التجارية غير بعيد من نهر السنغال، وشيدت مدينة “كمبي صالح” لتتداعى إليها غالبية قبائل صنهاجة خاصة التي كانت تسكن المنطقة الجنوبية على امتداد نهر السنغال إلى المحيط الأطلسي، ومنذ ذلك الوقت أصبحت المدينة مقصد كل من يزور منطقة غرب أفريقيا شبه الخالية من السكان، ومحط أنظار كل من يزور أفريقيا من تجار وغزاة ومستوطنين جدد للقارة الأفريقية.
ودخل الإسلام إلى مدينة “كمبي صالح” في القرن الحادي عشر الميلادي بعد وصول الإسلام الى منطقة الصحراء الكبرى غرب أفريقيا، وساعد على ذلك عدة عوامل منها موقع المدينة باعتبارها من أهم ملقيات الطرق التي يسلكها التجار والعلماء للتوغل في قارة أفريقيا، وبانتشار الإسلام انتشرت الحضارة والثقافة الإسلامية في غربي القارة ووسطها وصولا على مناطق جنوب الصحراء الكبرى.
وبدأت قصة إشعاع مدينة حين اتخذتها إمبراطورية غانا عاصمتها السياسية حيث عاشت المدينة أوج ازدهارها في عهد الملك الإفريقي المسلم منسى موسى الأول، ملك إمبراطورية مالي (1280 — 1337)، فكانت بحق قوة عظمى مهيمنة في المنطقة ووصل عدد سكانها الى نحو 30 ألف نسمة لتصبح أكبر مدينة على الإطلاق في القارة الإفريقية على مدى قرون.
وتقع مدينة “كمبي صالح” في الجنوب الشرقي الموريتاني، على بعد أكثر من 960 كلم جنوب شرقي العاصمة نواكشوط، ويدل اسمها “كومبي صالح” على “قبر صالح” حسب بعض الروايات التاريخية، ومنذ تأسيس المدينة لعبت “كومبي صالح” أدواراً كبرى على فترات تاريخية متباعدة، فقد كانت “مملكة غانا” ومعبراً لقوافل التجارية التي تنقل الذهب والملح والعبيد والحرير وتربط بين الشمال والجنوب، وبعد اندثار مملكة غانا جاء “الفتح الإسلامي” مع الجيش الذي أرسله الأمويون وازدهرت الحركة العلمية والثقافية بالمدينة كما ازدهرت القوافل التجارية التي كانت تمر منها.
وفي القرن الخامس عشر الميلادي بدأت مدينة “كمبي صالح” تفقد أهميتها بسبب توالي سنوات الجفاف وزحف الرمال وبدء اعمار المدن والحواضر الجديدة في موريتانيا ومالي والسنغال مما ساعد على تحول طرق التجارة نحو هذه المدن ورحيل السكان عن “كمبي صالح” إلى أن أصبحت فيما بعد مدينة مندثرة مهجورة.
ويقول الباحث الحسين ولد ابوي ولد أباه رئيس جمعية الحفاظ على مدينة “كمبي صالح” لوكالة “سبوتنيك”، إنّ “عالم الحفريات الفرنسي، بونيير دي ميزير، أجرى حفريات هامة عام 1914 وتلتها حملات أخرى جرت عامي 1939 و1950، وقد تركت هذه الحفريات والاكتشافات أثرا إيجابيا على موقع المدينة، فبينت أطلال المدينة الإسلامية وهندستها المعمارية الفريدة”.
ويضيف، أن الجمعية تأسست بهدف صيانة الآثار التاريخية والمحافظة عليها من الضياع والمساهمة في إحياء التراث وتوعية المواطن في مدينة كمبي صالح بأهمية تراثه وقيمته الحضارية، ويشير إلى أن الجمعية استطاعت “حماية تراث المدينة من النهب الذي كان يتعرض له محاربة سرقة الآثار وتوقيف الجناة ووقف الحملات التخريبية التي كان يتعرض الموقع الأثري في كثير من الأحيان وتنظيم حملات تشارك فيها جميع الساكنة لجمع القطع الأثرية التي كانت قد وقعت بيد البعض، وفقًا لوكالة “سبوتنيك” الروسية.
ويشير إلى أن المدينة تحتاج إلى حماية للآثار المكتشفة والقيام بحفريات معمقة داخل الموقع وبعض المعالم الأثرية وإنشاء متحف للقطع الأثرية، ويدعو الدولة الى دعم الباحثين في مجال الآثار من أجل اكتشاف باقي معالم المدينة الإسلامية كالمقبرة والأسوار إضافة إلى أسرار مدينة الملك الوثنية التي يعود تاريخها إلى 510 وتقع على بعد 11 كلم شمال مدينة.