من بائع دبابيس إلى أحد أكبر مصممي أزياء الرجال في بريطانيا

كانت قصة حياة سايمون كارتر، مصمم أزياء الرجال، ستتغير تماما لو كان سلك المسار المهني الذي اختاره لنفسه في البداية.

يقول كارتر: “كنت أود أن أصبح طبيبا، لكنني لم أحصل على الدرجات التي تؤهلني لدخول كلية الطب”، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

وبدلا من دراسة الطب في الجامعة، انتهى به المطاف، في مطلع الثمانينيات، في دورة دراسية في علم المناعة بإحدى الكليات في لندن.

لكن سكنه في منطقة تشيلسي الراقية غربي لندن، وحصوله على وظيفة بدوام جزئي في متجر للملابس المستعملة، حفزاه على خوض غمار عالم الأزياء والحلي، والتخلي تماما عن فكرة العمل في المجال العلمي.

يقول كارتر: “كان الناس يأتون إلى المتجر ويبيعون مقتنياتهم. وفي أحد الأيام، جاء رجل ليبيع دبابيس صدر على شكل دراجات بخارية”.

ويتابع: “وجذب نظري واحد منها، وسمح لي مديري بالاحتفاظ به في مقابل أجر اليوم. وحاز هذا الدبوس على إعجاب الكثيرين. وعندها، خطرت لي فكرة بيع دبابيس الصدر الخاصة بي”.

واليوم، تحقق الأزياء والحلي والاكسسوارات التي تحمل علامته التجارية “سايمون كارتر” مبيعات عالمية قدرها 15 مليون جنيه استرليني سنويا، واشتُهر بالقمصان المنقوشة الملونة. ولاقت أزياؤه إقبالا لدى بعض المشاهير، مثل الممثلين الساخرين البريطانيين بول ميرتون، وريتشارد أيواد، والممثل غاري أولدمان.

إلا أن كارتر بدأ مشواره في عالم الأزياء عام 1985، ببيع دبابيس الصدر التي صممها بنفسه في شارع كينغز رود الرئيسي بمنطقة تشيلسي.

ويقول سارتر: “استثمرت أموالي في تصنيع مائة دبوس من دبابيس الصدر، وحاولت بيعها في كينغز رود، وبدأت في أحد أطراف الشارع، ولم أنجح في بيع دبوس واحد حتى وصلت إلى الطرف الآخر منه”.

ويتابع: “وكدت أفقد الأمل، وشعرت أنني مرفوض. وفي محاولة أخيرة، دخلت إلى متجر فاخر للمجوهرات. ودُهشت عندما أعجبتهم دبابيس الصدر واشتروا نصف الكمية على الفور”.

لكن كارتر يقول إن بيع الدبابيس كان أقرب إلى الهواية منه إلى تحقيق الأرباح. ويضيف: “لو قلت لي وقتها إنني سيكون لدي إمبراطورية تجارية عالمية بعد 30 عاما، ما كنت سأصدقك”.

وسرعان ما تحولت الهواية إلى تجارة رابحة. وفي غضون أعوام قليلة، وجدت منتجاته طريقها إلى المتاجر الكبرى التي تبيع السلع الباهظة، مثل هارودز وسيلفريدجز.

ويقول كارتر: “كان بدء النشاط التجاري أسهل في الماضي، إذ كان بإمكانك أن تدخل المتجر وتتحدث إلي الشخص المناسب مباشرة. لكن هذا أصبح مستحيلا الآن، فلا يمكن إقامة مشروع تجاري في الوقت الحالي بنفس الطريقة التي بدأت بها مشروعي آنذاك. وربما لن تخاطر المتاجر بالتعامل معك ما لم تكن قد سمعت عنك من قبل”.

وتوسعت أنشطة الشركة وتنوعت منتجاتها على مدار السنين، بداية من أزرار الأكمام المعدنية، ثم القمصان والبدلات والسترات، وحتى الأحذية، وتضم الآن 25 موظفا.

ويقول كارتر: “كنت أعرف منذ البداية أن مهارتي الأساسية هي التعامل مع الناس وبيع منتجاتي لهم، واستعنت تدريجيا بموظفين لتولي الجوانب الإدارية والمالية”.

ويقول كارتر: “عندما تدير مشروعا تجاريا، عليك أن تعرف مواطن قوتك ومواطن ضعفك. وبما أنني أستطعت أن أحافظ على بعض الموظفين على مدار 30 عاما، فلا بد أنني أسير على الطريق الصحيح”.

ولا يزال كارتر يتولى بنفسه الترويج لعلامته التجارية والتواصل مع الناس والتحدث باسم الشركة، كما يقدم النصح والإرشاد لمصممي الأزياء الواعدين.

ويمتلك سايمون كارتر تسعة متاجر، منها أربعة في لندن، ومتجر في برايتون بالمملكة المتحدة، وآخر في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، كما دشن ثلاثة متاجر جديدة مؤخرا في الهند، بجانب بيع منتجاته في المتاجر الكبرى.

وساعد الموقع الإلكتروني للشركة على إيصال منتجاته إلى مختلف بلدان العالم، وتمثل المبيعات عبر الإنترنت الآن 20 في المئة من إجمالي مبيعات المؤسسة.

ويقول كارتر: “رغم أنني ما زلت أؤمن بأهمية البيع في المتاجر الفعلية، إلا أنني أعرف أيضا أن البيع عبر الإنترنت أصبح عاملا رئيسيا لنجاح المشروع التجاري. وهذا ما حملني على إقامة موقع للبيع والشراء عبر الانترنت منذ بداية تدشين الشركة. كما أدرك مدى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي للترويج للعلامات التجارية”.

ويضيف: “أعشق الشارع التجاري وأعشق متاجري، لكن بقاء المتاجر في هذه الشوارع ونجاحها بات مرهونا بالخبرة العملية. وهذا يعني في نظرنا توظيف مديرين يتحلون بسمات شخصية مميزة، وإضفاء لمسات جذابة على المتاجر من تحف وأعمال فنية، وفي الوقت نفسه تقديم خدمة خاصة لكل عميل ليشعر أنه مميز، وعرض مزايا المنتج للمستهلك بطرق شيقة”.

ويضيف: “عليك أن توفر للزبائن في المتجر شيئا مميزا لا يمكنهم الحصول عليه عبر الإنترنت”.

وتقول سارة موليندوا، مذيعة في مجال الموضة ومنسقة أزياء، إن كارتر يستحق الثناء، لأنه توسع في السوق الهندية في السنوات الأخيرة، عبر اتفاقية شراكة مع “ذا كوليكتيف”، وهي أكبر سلسلة متاجر لبيع الملابس الفاخرة في الهند.

وأضافت: “يتجه المصممون البريطانيون عادة، بمجرد ما يجنون ثمار النجاح، إلى تدشين فروع جديدة في الصين والولايات المتحدة الأمريكية”.

وأردفت: “لكن سايمون فضل التوسع في الهند، وأثرى مجموعته بالتصميمات واللمسات التي تعكس الثقافة الهندية، وهي محاولة ذكية لكسب ولاء الزبائن الذين يقدرون تصميماته وأفكار الشركة”.

ويقول كارتر إنه بنى شركته تدريجيا بمجهوده الذاتي، معتمدا فقط على زيادة الإنتاج والمبيعات، رغم أنه توسع في أسواق جديدة.

ويضيف: “لم نحصل على أي استثمارات من خارج الشركة، وربما لهذا السبب لم يصبح اسمي من الأسماء اللامعة في مجال الأزياء، أو لعلي لهذا ما زلت هنا. وأنا أحب هذا القدر من الحرية في اتخاذ القرارات الذي حصلت عليه بفضل الاعتماد على القدرات والموارد الذاتية”.

ولا ينكر كارتر أنه واجه في طريقة بعض العثرات، لا سيما في خضم الأزمة المالية العالمية لعام 2008، لكنه يقول إن شركته حققت نموا على مدار السنوات الخمس الماضية.

وقد أسهمت طليقة كارتر إسهاما كبيرا في نجاح الشركة، ولا تزال تتولى منصب المدير المالي لها.

وبعد أن أفصح كارتر عن ميوله المثلية منذ بضع سنوات، يعيش الآن مع زوجه ديريك في لندن.

ويقول كارتر: “سهلت لي زوجتي السابقة هذه النقلة في حياتي، وتربطني بها حتى الآن علاقة صداقة قوية، وكان هذا في مصلحة العمل، لأننا اتخذنا معا الكثير من القرارات المهمة بشأن نشاط الشركة”.

وبعيدا عن العمل، ينظر كارتر بإعجاب لشخصيتين عامتين بسبب اختيارهما الموفق لأزيائهم، وهما بول سميث مصمم الأزياء البريطاني، والأمير تشارلز.

ويقول كارتر: “لا تكمن جاذبية الأمير تشارلز في اختياره لأزيائه فحسب، بل أيضا في ذوقه وأسلوبه، فهو يحافظ دائما على أسلوبه الفريد، سواء في مجال الموضة أو غيره. وهذا هو سبب إعجابي به”.

شكرا للتعليق على الموضوع