رضا عبد السلام يكتب : كلمة السر…العدل!!

يعرف المقربون مني أن قضية العدل والعدالة تحتل المكانة الأولى في تفكيري واهتمامي…ربما بسبب ما تعرضت له من ظلم في مراحل كثيرة من رحلتي…رغم ان المولى عز وجل لم يخذلني، بل عوضني ووهبني أكثر ما استحق.

وربما يكون إيماني بقضية العدل وأهميته نابع مما درست وتعلمت على مدار رحلتي البحثية، أو بحكم تخصصي كرجل قانون واقتصاد سياسي!!…فقد درست التجارب العالمية المختلفة ومن قبلها تجربة رسول الله وخلفائه الراشدون…فالعدل هو أساس الملك والحضارة والتقدم.

ما كان لدولة الإسلام أن تسود في مناخ من الظلم…ولهذا لا يمكن أن ننسى رسول الله عندما هب في وجه من يشفع في حد من حدود الله، وقال صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها”..!!

سار الخلفاء على ذات الدرب، والنماذج كثيرة ومبهرة في التاريخ الإسلامي…نذكر منها (للتذكرة) الفاروق عمر بن الخطاب عندما اعتدى نجل عمرو بن العاص (ابن الامير) على أحد أقباط مصر، وعيره قائلا للمصري بأنه ابن الأكرمين…فلما قدم المصري إلى أمير المؤمنين بالمدينة شاكيا، ما كان من الفاروق إلا أن طلب عمرو بن العاص نفسه، وأمره بتعرية جسده لقيتص منه المصري القبطي.. وقال قولته المشهورة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.

لم ينشغل الفاروق، الذي دانت له الدنيا من أقصاها إلى أقصاها، بتكوين حاشية أو تأمين نفسه، ولهذا أنبهر رسول الروم عندما وصل المدينة، وسأل عن أمير المؤمنين ليسلمه الرسالة، فقيل له هو النائم تحت الشجرة هناك…عندما وصل الرجل وجد شخصا مرقع الثياب، يضع حذاءه تحت رأسه، وغارق في النوم…قال قولته المشهورة “حكمت فعدلت…فأمنت..فنمت قرير العين ياعمر…أشهد أن لا إلاه إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله”.

لم يسدل الستار عن هذه الأمة، ولم تدخل في غياهب ظلمات الجهل والتخلف والفقر والفساد والانحطاط إلا عندما مات العدل…وساد الظلم…عندما انشغل الحكام بكراسيهم، عندما انعزلوا عن شعوبهم بفعل حاشيتهم وبطانتهم الفاسدة…سقطت غرناطة وهزم المسلمون شر هزيمة.

وفي المقابل، بعد مئات السنين من الظلام في أوروبا، ولدت الدولة المدنية الحديثة في القرن السادس عشر، أقيم أساس هذه الدولة في فرنسا وبريطانيا على العدل والصرامة ودولة القانون، والثواب والعقاب.

لماذا العدل إذا؟!…ولما هو قيمة عظيمة وحاسمة في تحديد مصائر الأمم؟!

* بالعدل يغرس الأمل والحلم والانتماء…لا انتماء في غياب العدل…عندما تشعر فئة بأن هناك فئة أخرى تقتنص كل شيء دون أساس من القانون أو العلم…فلا تحدثني عن انتماء حقيقي…وأتذكر هنا مقولة لأحد مشايخ الفتنة بعد ثورة 25 يناير، عندما تحدث عن أشقائنا الأقباط بقوله متهكما (لو مش عاجبهم مصر يروحوا يعيشوا في كندا….فاكرين؟!).

* بالعدل تتفجر الطاقات والهمم وبالتالي تتقدم الأمم…تقدم الغرب من خلال العدل الذي أعطى الحق والأولوية للمجتهد والمتفوق…ساد التنافس الشريف نحو القمة للذات وللوطن….فالمجتهد والمتفوق هو سر تقدمهم وليس الفاشل المتسلق..ولولا العدل لما أبدع وواصل…ولما تقدم تلك الأمم التي وصفها الامام محمد عبده بأنه وجد فيها الإسلام من غير المسلمين…نعم.

وفي المقابل تخلفت دول أخرى، بسبب سيادة الواسطة والمحسوبية…فالفاشل بمكالمة تليفون من شخص مهم أو متملق، تقلد أرقى المناصب، في حين ألقي بالكفاءات والموهوبين في صناديق القمامة….وبعد هذا تنتظر تقدم تلك المجتمعات؟!…هل فقدنا العقول؟! كيف يأتي الإصلاح على يد فاشل او فاسد أو جاهل، دخل للمنصب من الباب الخلفي….كيف؟! ألا نكرر دائما أن فاقد الشيء لا يعطيه؟!!

* بالعدل تستريح وتهدأ النفوس…فالشعور بالظلم شعور قاتل لكل شيء…ولا يستشعر تأثير الظلم إلا من تجرع مرارته…أما العدل ووجود قواعد موضوعية للاختيار والتمييز والاستبعاد…في هذه الحالة تهدأ النفوس ويسود الوئام ويكون العطاء والبناء….

لي تجربة مؤثرة في هذا الشأن، عندما كنت في جولة بإحدى قرى مركز بلبيس، توقفت فجأة في ذات صباح أمام مواطن يبني في أرض زراعية…انقلبت الدنيا وساد الصراخ والعويل والدعاء علينا وعلى الظالمين…وجميعنا نتخيل المشهد.

اقترب مني صاحب المبني وقال لي “ياباشا انتوا مابتجوش إلا على الغلابة…قدام حضرتك المبنى الفخم ده لواحد قريب رئيس الوحدة المحلية لم يقترب منه أحد؟!”…

على الفور قلت له، والله يا حاج لن ابدأ الهدم لك قبل أن أهدم مبنى هذا العزيز، قريب رئيس الوحدة المحلية.. فجأة ساد السكون في المكان، وجلس الرجل على جنب وأشعل سيجارة، وقال لمن معه بسرعة لموا أي حاجة علشان دورنا في الإزالة…..إنه العدل.

إذا….باختصار واعتذر عن الإطالة. ..العدل هي كلمة السر…ما نحتاجه هو العدل ونظام صارم للثواب والعقاب…يكافئ المجد ويعاقب المقصر…وهذا الأمر ليس مستحيلا تطبيقه.

فالعدل ليس فقط في حكم قاضي داخل المحكمة….ولكنه أساس عام، ينبغي أن يسود في تعاملاتنا وفي تعييناتنا واختياراتنا…لابد وأن يكون منهاج حياة.

حلمنا للوطن مصر هو أن يسودها العدل ويستظل به الشرفاء والمجتهدين…وجميعنا مسؤولون عن تحقيق هذا الحلم…حكاما ومحكومين…كل منا عليه دور وهي منظومة لن تعمل إلا بتكاتف الجميع.

تحت مظلة العدل ودولة القانون، يسود التنافس الشريف، ويولد ويترعرع الحلم والأمل…أمة بلا امل هي أمة بلا مستقبل…مع العدل والامل والحلم يتقدم الصف والمشهد الأكفاء، ويسود الوئام ويتعزز الانتماء، ويعم الخير وتكون البركة..فيسعد الناس….والحصاد الطيب هو “تقدم الأمة بأثرها”…دمتم بألف خير.

بقلم ا . د : رضا عبد السلام محافظ الشرقيه السابق

اقرأ للكاتب :

رضا عبد السلام يكتب : علشان طلعت حرب يرجع!!

شكرا للتعليق على الموضوع