صدى جنون الحب”قصة قصيرة”

يَذهَب الي احدى اكبر محلات بيع  العطور الشهيرة يَتَذرع بأنه يرغب في شراء عطر لخطيبته فيسأل البائع بطريقة يتظاهر فيها بالامعرفة  علي نوعية عطر ينطق اسمه عمدا بطريقة خاطئة  فيُصحح له الاخير  اسمه و يتناول  من علي رف المعروضات القائمة من خلفه احدي الزجاجات المغطاه داخل عبوة فاخرة فَيَرُش له منها بَخّات حلم يطول مَعَهُ حتي ترحل رائحتها عنه .

يفعل ذلك علي فترات متباعدة في حال ما اذا اشتد عليه الم الحنين الي حبيبته ، يظل عطرها معلقا بكفه و اطراف ملابسه و يظل هو في حلمه ما دام شذها يخالطه و  يستمتع بذلك لدرجة تبدو جنونية .

Image result for Love

 يشتم بِنَفَس عميق كأنه الاخير رَّيِّحُها الطيب المُثير لزوابع  الماضي و مخلفاته المترسبة في نفسه الجَزِعَة و المُلطف لحنين الحاضر  فيذوب الي اقصي مدي في احلامه الفائتة حاملا في قلبه خوف من مستقبل يفتقد فيه الشغف  لأي شيء في غيابها .

يقاوم بصعوبة بالغة رغباته المُلَحّة للقاء تُكسر فيه نفسه بعد أحداث مُهِينة للكرامه  قد مرت علي نفسه ثقيلة لا يجوز بعدها وصلٍ ولا قربٍ  ، يقاوم  بأستهجان تام  لقلبه ما يريد فعله و يعلم بوضوح كامل مدي تأثير الشوق علي نفسه و مدي سوء النظرة التي ينظر بها القلب تجاه من يشتاقه ،  نظرة دائما ما  ينقصها  الصحة و التَفكُر  .

 فمهما كانت الاسباب التي يثور  العقل لأجلها حفاظا علي الاشياء المُعَدة من الثوابت لأستمرارية  اي رابطة مشتركة   تجمع بين شخصين في علاقة ، يقف القلب علي الجانب الاخر  متخاذل بِلين تدبره للحقيقة  لا يستأخر في ان يكون اداة الم مزدوجة لصاحبه  ، تارة يحارب العقل علي سيادة اتخاذ القرار دون سماع صوته فلا يتيح له قيادة المسيرة   ، و تارة يستمتع بأكاذيب مضلة من ساحرته الاثيرة   سريعا ما تستحيل الي صدمات لا  يسهُل النجاة منها .

 و يُعد ذلك نتفاً من معاناته الحقيقة التي يتعايش بها  علي ارض واقعه  ، فالحقيقة اكثر بزوغاً  لا تزوغ الي احتمال اخر لديه ، انه لا يوجد امامه من هو جدير  علي  تملك مكانها  او من هو قادر علي إحداث المفعول العائد الي قلبه كمثلها ، فتصبح الابواب جميعها مغلقة  امام محاولات عقله المستميت في اقناعه بفكرة الاستبدال  .

و يعيش علي استبداد قلبه السائد لا يوجد متسع لافكار سوى افكاره الراسخة ، و تسير به الحياة في تنقلات سريعة مستمرة تُطيح به علي مشارف مجد قريب لذاته المجتهدة الباسلة التي لا تتهاون في  تطلعها  الدائم الي ما هو اعلي و ابرز شأناً  ؛ و تبقي محبوبته   كقاعدة اساسية في قلبه  لا يوجد لها استثناءات كمسلمات اقليدس  البدائية في الهندسة ،  لا يغيرها الزمان .

 و يُغلب  في نهاية الامر  و يزداد استصعابه لتحمل  ما يضغط عليه ، فتقوده قدماه الي البيت الكامن بِهِ قلبه ليُعزي نفسه بنظرات يختلسها للاستمرارية ، و يقف لساعات طويلة منتظرا فرصة للنجاه ،   فتخونه الصُدف فلا يجد لها اثرا و يعود معتلاً بثقل الاحباط و اليأس ؛ و يزداد جنونه و يستوحش  فيذهب غير مكترثا الي اماكن ترددها لعله يلقاها  متقبلاً اي ردود افعال للصدفة فتذهب مساعيه كلها الي اللاجدوي منها .

و يتقبل حالته كما هي بيأس لا نهائي  و يتقبل  وجودها بنفسه و عدم و جودها الفعلي في حياته  غير متحمس لأي شيء مهما كان مبهجاً  .

 و عن طريق معلومات  في  صدفة نزلت عليه كصاعقة مدمرة  في لقاء عمل  علم  من احدي اصدقائها بهجرتها الدائمة الي احدي الدول الغير مجاورة فصُدم كمن لم يُصدم من قبل و انقطع عن الكلام لمدة طويلة متحدثا فقط  في اضيق الحدود و اخذ سهمه في العمل يتراجع و تتضح عليه أَمَارَات البؤس عن طريق  الشرود الدائم و علت نظرته كأبة كسحابة سوداء لا تكُف عن البقاء  ،   و تحول الامر الي هاجس غالبا ما يتطارده  لا يتواني في السيطرة عليه فتقدم بطلب هجرة سريعاً ما تم قبوله ، فلم يجد بدا من الاسراع في جمع متاعه  حتي يتسني له الاجتماع بقلبه المهاجر مرة اخري ، و اتخذ سبيله الي وجهة لا يعلم صداها المُرد لقلبه السارح بجنون الحب ..

يوسف صلاح الدين - القاهرة
يوسف صلاح الدين – القاهرة

اقرأ للكاتب : 

خاطرة يوسف صلاح الدين “ازلية العشق و الغياب”

شكرا للتعليق على الموضوع