ضريح ولي الله” قصة قصيرة “
اخذ يعدو بطريقة تُمكنه من الفرار في ظلمات ليلة خلت سمائها من اي شيء فارا من مطاردة شرطي ظل يلاحقه بشكل لا يخلو من عدوانية ، و بأنفاس منتظمة و خطوات واسعة و بأصرار فرس في سباق محتدم تمكن اخيرا بعد مراوغات كثيرة لاغفال و تشتيت انتباه مُلاحقُهُ و الاختباء داخل فجوة واسعة تمتد لمسافة ليست صغيرة في عمق مجمع صخور شاهق الارتفاع ملتحماً بالهضبة القابعة علي طرف المدينة ، يتلوها ممرا يجتازه مريدين الليل و تصل نهايته الي المقابر.
و علي بُعد مسافة غير قصيرة من الممر وقف يلهس من طول المسافة المقطوعة في محاولة لألتقاط انفاسه بصعوبة بالغة كأنه يستنفذ اخر ماله من قوة ، مال بجسده الي شجرة تتشعب اغصانها بعيدا مُشكلة ظلالٍ واضحة اثر انعكاس ضوء القمر الذي بدا بدراً ساطعاً بعد اختفاء السحب المتراكمة من السماء ، الكلاب تعوي متناثرة في اماكن متفرقة يستحيل عواءها من وقتا لاخر الي عواء ذئاب تناجي قمرها فيُثير ذلك خوف صامت بداخله ، و الليل كعادته مُزين بالسواد يقطع سواده ضوء المصباح العاتم الراقد في السماء ، و في الهدوء التام المنتشر في الارض شكلت السماء مرة اخري بعد زحف بطيء للسحب المثقلة بالمطر غيوما تنذر بظلام مخيف توراي من ورائها القمر و اختفت النجوم كأن وميضها قد بات مطفيا للابد ، بتلاحم الغيوم و تضاربها ارسلت السماء بشير عاصفة رعدية دوى عاليا اهتزت من شدته قلوب البشر السارحين في الارض ، و بطبيعة الشتاء الممطرة بدأت قطرات المياه تتساقط سريعا ما اشتدت الي درجة السيول اجبرته علي ترك مجلسه تحت ظلال الشجرة باحثا عن مأوي قد ينجيه من مهالك السيول التي تحولت الارض معها الي برك من الماء و الطين المعيق للسير .
سار بصعوبة بالغة متعسرة قدماه من اثار تجمع المياه في موطأها ، و وصل الي الطريق المؤدي للمقابر المنعزلة في هدوء مخيف ، فظهرت من علي بعد شواهد القبور المنثورة بصمت مطبق يعيق الناظر اليها عن التفكير فيما يدور بداخلها ، توغل بحذر لا يحيد ببصره عن ما يقع امامه حتي لا يتأثر بالاجواء التي تحيط به الموحية جميعها بالرعب و التي تنضح بما هو غير مألوف ، بعد اجتيازه لعدة احواش راقدة علي جوانب الطريق الموحل الملئ بصنيع المطر ، اهتدي الي ضريح قائم منفرداً تعلوه قبة عالية و تتوسطه مظلة بارزة من الجير تعلو بوابة مصنوعة من خشب عتيق لم يهلكه الزمان بعد ، وقف يستظل بها و بقلبه وجل شديد و في نفسه رهبة من المكان نظر الي اعلي البوابة فتبين له بصعوبة ما كُتب علي الشاهد فعلم انه لولي من اولياء الله ، فطفق فمه يردد آيات و ادعية غير مسموعة ، و بطريقة ما هدأت نفسه و اطمأنت و اختفي رعبه و سكنت مخاوفه .
جلس حتي يهدأ المطر لدقائق احسها لا نهائية بسبب العوامل المؤثرة من اصوات مريبة تأتيه من حوله لاشخاص غير موجودين علي وقع بصره فأرتد خوفه بغتتةً و علت الاصوات مجلجة معها ضحكات استحالت الي مرعبة بوقع الخواء الغارق بالمكان .
تناول حجرا ملقيا بجواره في محاولة منه للألتفاف حول الضريح لأيجاد حل لظاهرة الاصوات و بشيء من الحيطة دار حول الضريح مرتعش الاقدام متقدما بخطوات غير ثابتة غير مكترثا للامطار المتساقطة بغزارة من حوله و انارت السنة من البرق السماء و تلاها انفجار رعدي جعله مضطربا للدرجة التي علي اثرها اسقط الحجر من يده فألتقطه من فوره و اكمل دورة كاملة حول الضريح الساكن الغير مبالي لكل الاحداث و الظواهر المتتالية في الحدوث .
خارت قدماه فالقي بقوة جسده تحت المظلة مرة اخري مرتطما بالبوابة الخشبية التي اصدرت ازيزا يدل علي وهن السنين الطويلة .
لبسه خوف اسود لعدم تبرير الاصوات و تملكت منه الافكار المثيرة للرعب و تناقلت بداخله الخيالات التي طالما وصفها بأنها خزعبلات لا حقيقة فيها ولا صحة لوجودها و ما لبس حتي صعد متمسكا باحدي نوافذ الضريح النحاسية متوسطة الصلابة حتي يقطع دابر الشكوك و مكامن الخوف من منابعها بداخله ، وصل الي اعلي الضريح مثبتا قدميه باحدي زوايا السقف المحيط بالقبة ، و شرع في مد بصره بحثا عن الاصوات و تقدم بحذر خوفا من السقوط متشبثا بالقبة التي تهالكت طبقة الجير التي تكسوها في يده بمجرد الاستناد اليها ، و في الجانب الغربي للضريح و علي بعد مسافة تعد بعيدة رأي حوشاً منفردا يقع علي بعد ثلاث احواش غربي الضريح وكان الوحيد وسط الاحواش المرصوصة الذي رُفع له سقف علي اربع اعمدة كركائز تحول دون سقوطه فوجد بداخله شخصان يجلسان تشتعل من امامهم نارا يستعينوا بها للتدفئة فعلم مصدر الصوت ، و نزل تاركا الضريح الي سكونه و سلك الممر المؤدي الي الحوش بدافع الفضول فقطع المسافة متثاقلة قدماه بعامل الخوف المنتشر في ثنايا قلبه ، متخذا الحذر رفيقا حتي لا تداهمه اي مفاجأة في ظلمة ما حوله .
وقف امام الحوش فلم يجد اثر لشيء مما رأه من اعلي الضريح فلا اشخاص هنالك ولا وجود للنار التي كانت مشتعلة منذ ثواني مرت عليه و لا وجود لشيء سوي الصمت المخيف ، فشعر بجرعة عالية من الأدرينالين تباغت جسده من اثر الصدمة وللحظات فقد تركيزه و لم تعد له المقدرة علي اتخاذ قرار صائب للخروج من ظلمات الحدث .
استكانت السماء عن اعمالها و صفت ، و ارسل القمر نوره للارض مرة اخري و انتشر الهدوء يتخلله عواء يتكرر برتابة فشعر في الهدوء التام بهمسات تتردد الي مسمعه تناجيه مسيطرة علي جسده كاملا فأصبح مضطربا غير قادر علي المعارضة ، و رأي جسده واقفا في منتصف خيالان ساقطان علي الارض فشرع في الركض فلم يجد استجابة من جسده لأشارات العقل الذي يسعي بدوره للنجاة من تلك الظلمات المسيطرة ، فكافح بكل جهوده في محاولة بائسة للتحرر من قيود الظلام و لم تفلح مساعيه فاستسلم تماما لما يحدث .
وعلي بعد امتار منه رأي الشرطي الذي ساقه الي الازمة بصورة مخيفة يقترب بنظرات ليست لبشر لكنه راوضه شعور بالامان سريعا ما تلاشي بسؤال طرحه عقله هل جاء للسبب الاول للمطاردة ام انه الروح المسيطرة علي الاحداث الجارية من البداية ؟؟!
اقرأ للكاتب :
