يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

“جئت يا يوم مولدى”

تخطر ببالى تلك العبارة من أغنية العبقرى فريد الأطرش ، كلما عاد يوم ميلادى ليخطرنى ان عاماً اخر من عمرى قد انقضى ورحل مودعاً بلا رجعة …

ولان اليوم هو يوم مولدى ، فقد عادت لتداعبنى مرة اخرى تلك العبارة منذ بدء النهار …

وكل عام وفى مثل هذا اليوم ، اشعر بفرحة تغمرنى وسعادة تملأ اركانى ، على الرغم من حقيقة كونى امرأة قد تقدمت فى العمر ، وأدركها الشيب ولم تعد تتمتع بالشباب والحيوية كما كانت تفعل منذ أعوام طويلة

ولكن هذه المشاعر غابت عنى اليوم … غابت تماما

لم اشعر بأية فرحة …. بل بالعكس كانت مشاعرى متخبطة يغلبها الحزن والضيق و الاضطراب …

ليس لانى صرت فى الخامسة والأربعين وأوشكت ان اكمل العقد الخامس من العمر عما قريب ، بل لان يوم مولدى تزامن مع وفاة زميل وصديق لى فى احد أماكن عملى السابقة …..

فكان التضارب واضحاً بين فرحتى بيوم مولدى وبين حزنى على خبر وفاته المفاجئ ….

وربما كان عنصر المفاجأة هو اكثر ما صدمنى وتركنى مذهولة …فقد كان بالأمس على الفيسبوك ينشر “بوستاته”وأعلق عليها وانشر “بوستاتى” ويعلق عليها !!! نتبادل أطراف الحديث بين الحين والآخر …. وفى صباح اليوم التالى خرج من منزله ولم يعد اليه ، لم يعد لزوجته ، لم يعد لأطفاله ، لم يعد للحياة الدنيا …. بل عاد الى بارئه!!

فجأة وفى لحظة خاطفة ، انتهت حياته ، توقفت ساعته عن الدوران ، تجمدت المشاهد من حوله ، اغلق كتابه ورفع الى الخالق ….

تلك الخاطرة اثارت فى داخلى الرعب !!!!

كيف ان كل شئ ينتهى فجأة ونحن لا نعلم متى ….

نعيش نرسم الخطط كاننا مخلدون …. لعام لعامين لعشرة لعشرون وربما اكثر … فى حين ان النهاية قد تكون الان …. الان !!!

وقد يكون ما نقوم به فى لحظة ما ، هو اخر ما نقوم به فى الحياة ولا ندرك تلك الحقيقة المخيفة …

ولذا فقد امضيت تقريباً معظم يومى فى التفكير والتأمل …. حاولت ان اخرج من شعورى بالاكتئاب بالرد على المعايدات والتظاهر بالابتهاج …

ولكن كان فكرى شارداً ، سابحاً فى اعماق المنطق والتحليل …. اذا كانت تلك سنة الحياة والموت آت لا محالة دون استئذان ، فماذا نحن فاعلون

مممممم … سؤال وجيه ووجدت ان التعامل مع لحظات الحياة بمبدأ انها لحظاتنا الأخيرة والتعامل مع اعمالنا بفرض انها اخر اعمالنا ، هو مفتاح الإجابة

فصلاتك تلك قد تكون الأخيرة ، فلا تتركها مهما كلفك الامر ، وسجدتك هذه قد تكون الأخيرة فلا تنسى ان تدعو فيها بكل ما أوتيت من احلام …

ووجبتك تلك قد تكون الأخيرة ، فتناولها بتروى واستمتع بنكهتها …. لا تستعجل …

وكوب عصريك اًو شايك المفضل اًو حتى قهوتك ، ارتشفهم رشفة رشفة ، اتركهم داخل فمك ، لتستمتع بمذاقهم قدر المستطاع …

قد يكون حديثك مع شخص ما اًو لقاءك به ، اخر حديث او لقاء يجمعكما سوياً …

فليخلو من الغضب والزعل والخصام … ربما لا تأتيكما الفرصة للعتاب والتصالح

قد تكون تلك اللحظة السعيدة التى تمر عليك ،

هى اخر لحظات السعادة ، فاجعل ضحكتك تجلجل الجدران

وقد تكون لحظة حزن عابرة ، هى اخر لحظاتك ، فانفضها عنك سريعاً ، حتى لا تترك الدنيا وانت عابث الوجه …

ولا تنسى ان تملى عينيك بكل ما يحيطك من جمال اى كان ….. الأشجار الخضراء المثمرة ، الورود الزاهية، السماء الزرقاء الصافية ، الشمس الدافئة ، ضحكات الأطفال ،

ولا تنسى ان تكن آذان صاغية لصوت البحر وأمواجه المداعبة، اذا ما جلست على شاطئه

وانتبه للحن جميل تردد فى الخلفية عبثاً واتركه يجذبك اليه …

لا تترك يوماً واحداً ، يمر عليك دون ان تحدث كل من هم قريبون الى قلبك ، أهلاً كانوا اًو أصدقاء …

بادر بالتودد اليهم ، بالسؤال عنهم ، بالاطمئنان عليهم ، فقد لا تأتيك الفرصة لذلك غدا ….

فربما لم يكتب لك غد !!!!

افعل كل ذلك …. حتى اذا وافتك المنية رحلت عن الدنيا لا ينقصك شئ … فتهمس وقتها مبتسماً

“جئت يا يوم رحيلى”

دينا ابو الوفا
دينا ابو الوفا

اقرأ للكاتبة

 يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

شكرا للتعليق على الموضوع