رجائي الشطلي يكتب : هل مازال الشباب الفلسطيني يؤمن بالأحزاب ؟

فلننطق معاً نحو مشاركة سياسية فاعلة للشباب

في فلسطين ربما نختلف عن باقي دول العالم التي تعيش حالة من الاستقرار السياسي والمجتمعي والاقتصادي ، فما زلنا نعيش تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي وممارساته العنصرية بحق شعبنا ، فكان من غير المعقول أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الممارسات ، فتمردنا على الواقع ومارسنا حقنا التي كفلته الشرائع الدولية في مقاومة هذا الاحتلال بكافة الوسائل ، ومن اجل هذا الهدف نشأت الأحزاب الفلسطينية ، فهي الإطار الذي يجمع الشباب ويوجه الجماهير باتجاهات محددة بغض النظر عن الاختلاف الإيديولوجي والفكري لكل منها ، وبناءً علي ذلك اعتقد بأـن الشباب الفلسطيني مازالوا يؤمنون بالأحزاب السياسية الفلسطينية علي الرغم من إبدائهم لبعض الملاحظات علي أدائها وهذا يأتي في السياق الطبيعي لتقييم وتقويم أي حزب من قبل المنتمين له ومناصريه أيضا ، ولكن لا يمكن أن نغفل أن الامتعاض اليوم من أداء الأحزاب أكثر من ذي قبل ، والسبب في ذلك هو الانقسام الفلسطيني وتداعياته علي القضية الفلسطينية وانعدام الأفق وضبابية مستقبل الشباب جراء هذا الانقسام ، ما أدي الي تراجع إيمان الشباب بالأحزاب السياسية ومعهم كل الحق في ذلك .

فالسياسة بالنسبة لشعبنا ، كحليب الأطفال نرضعها يومياً ، ويكتسبها الأطفال قبل الشباب بالفطرة ، بل ويمارسونها منذ نعومة إظفارهم يومياً ، إما بشكل جماعي أو حتى بشكل شخصي بطرح آرائهم وأفكارهم وأحلامهم تجاه مستقبلهم ووطنهم ، عبر المجتمع الشبكي والذي أصبح الملاذ والمتنفس الوحيد لهم ، نتيجة محاولات التهميش والإقصاء من الأحزاب لهم ، معتبرين ما يقومون به هو ربما يؤسس لحالة إصلاحية قد يسترشد بها صناع القرار والنخب السياسية فيما لو وصل صوتهم ، ولكن المتتبع للحالة الشبابية الفلسطينية نجدها تجاوزت فكرت القول وطرح الآراء الي الممارسة الفعلية علي الأرض في محاولة لإيصال رسالة مفادها أننا موجودون فلا تتجاهلونا ، فلو عدنا للوراء قليلا نجد أن الشباب قد خرجوا للشوارع في حراك 15 آذار للمطالبة بإنهاء الانقسام ، في محاولة منهم لتغيير الواقع المعاش ، ونجاح خروجهم للشارع رغم إفشال الحراك من بعض الأحزاب السياسية ، كان بمثابة دافع قوي لهم شكلوا من خلالها أجسام وأطر شبابية خاصة بهم وان اختلفت مسمياتها وأهدافها ، إلا أنها كانت مرحلة هامة وفارقة في العمل الشبابي الفلسطيني والتأسيس لحراك شبابي مطلبي ، ناهيك عن انتماء الكثير منهم للأحزاب السياسية ومحاولة الوصول الي مراكز متقدمة فيها ، كل ذلك يؤكد عدم خوفهم من الخوض الحياة السياسية ، ولكنني لا اختلف بان هناك ثمة تراجع كان السبب الرئيسي فيه هو الانقسام والذي يمثل من وجهة نظر الشباب فكرة غير وطنية صدرت من أحزاب هدفها المعلن فلسطين ، فالتناقض بين الهدف المعلن للحزب والممارسة علي الأرض حول فكرة وطنية خالصة ، شكل صدمة للشباب أدت الي ذلك التراجع ، ولكن هذا التراجع لا يعني تراجع عن الفكرة الوطنية الأم ألا وهي فلسطين الأرض والهوية بل تراجع عن تلك الأحزاب المتسببة بالانقسام وليس بفكرة المشاركة في الحياة السياسية .

ورغم كل ما سبق لا يمكن القول بعدم قناعة الشباب الفلسطيني ببرامج الأحزاب السياسية ، رغم قناعتي بأنه لم يطلع يوماً علي تلك البرامج ، ولكن قناعتهم مبنية علي فكرة واحدة أساسية ، وهي العنوان الرئيسي لأي حزب سياسي فلسطيني ألا وهي ” فلسطين ” فهي حلم كل فلسطيني وكل شاب يعيش علي أرضها ويتمني تحريرها وإقامة دولته عليها كباقي شباب وشعوب العالم ، بغض النظر عن سبل وطرق الوصول لهذا الهدف والعنوان ، فإذا ما تحقق هذا الحلم ، سنشهد تغيرات دراماتيكية في النظام السياسي الفلسطيني ولن نجد إلا القليل من الشباب الفلسطيني الذي يبحث عن السياسة والخوض في الحياة السياسية ، لان اهتماماتهم بالتأكيد ستكون مختلفة تماماً آنذاك .

ولا شك بأن الأحزاب السياسية تحاول دوماً الوصول للشباب بكل الوسائل عبر عملية تنشئة سياسية وحزبية تهدف لتعبئتهم تنظيمياً ووطنياً ، ولكنها مصلحة للحزب أكثر منها للشباب ، ففكرة الأحزاب السياسية بالأصل قائمة علي الاستقطاب والحشد والتحشيد لها ، في مواجهة الخصوم السياسية الأخرى وهي مقدمة للنجاح في أي انتخابات محلية ، فهي مصلحة للحزب أكثر منها مصلحة للشباب وبالتالي من مصلحة الحزب تسويق أفكاره وأيديولوجياته بمختلف الطرق والوسائل ليحوز علي دعم وقوة جماهيرية ، وهذا لا يأتي من فراغ وإنما عبر عملية تعبئة فكرية وتنظيمية منظمة أو عشوائية وإلا فلن يكون للحزب مكان ومكانة بين الأحزاب الأخرى فهي لا تكتفي بالتأطير والتنظير والتعبئة لعناصرها وإنما للتأثير علي الآخرين لتكسبهم مناصرين لها وان لا يكونوا في موقع الخصومة معها ، لذلك هي مصلحة للحزب .

وبالتالي فإن معظم الأحزاب السياسية لا تعتبر الشباب شريكا في صنع القرار ، لعدة أسباب أهمها ، أننا كفلسطينيين عرب نتميز بأننا مجتمعات شرقية ” أبوية “، تقدس الأب وبالتالي تتعامل مع القائد وكأنه أب يصدر القرارات وعلينا التنفيذ دون أي مشاركة ، وحتى وان أعطينا رأينا في تلك القرارات تبقي مجرد آراء يستمع لها الأب ولكنه ينفذ رؤيته ، وهذا ينسحب تماما علي الأحزاب السياسية ، وان كانت تستمع لآراء الشباب ، فهي تستمع لهم من باب معرفة ما يريدون ومن باب تفريغ كبت الشباب وإشعارهم بأهميتهم قبل أن يصلوا لمرحلة الانفجار في وجه الحزب والقائد أو من باب كبح جماح طموحهم وتطلعاتهم عبر إقناعهم بفكرة ورؤية القائد والحزب أو غسيل أدمغتهم والتسليم تحت فكرة ومفهوم نظرية المؤامرة ، أو من باب أن ما يعرفه ويدركه القائد والحزب لا يمكن البوح به وأننا كحزب سياسي وقائد ندرك ونعي مصلحتكم أيها الشباب المندفع والمنفعل ، أو من باب خصوصية القضية الفلسطينية وأننا لا زلنا نرزح تحت وطأة الاحتلال ، وهنا تكمن المشكلة .

التساؤل الأهم هنا كيف ندعم مشاركة الشباب سياسياً ؟ باعتقادي أن العملية متكاملة والمجتمع لا يقف علي الأحزاب فقط ، فنحن بحاجة كل شاب نستطيع أن نوجهه ونصحح مساره أو ندعمه ، وإن كانت المشاركة السياسية ذات أهمية بالنسبة لنا وهي مدار حديثنا اليوم ، وعليه كلنا يدرك أن هناك مشكلة في المشاركة السياسية للشاب ولكننا جميعاً نعجز عن وضع الحلول المناسبة ، ولكن باختصار ما يجب فعله هو معرفة مشاكل وطموحات الشباب أو بمعني آخر نعرف ماذا يريد الشباب ؟ وهذا لا يأتي من الفراغ بل عبر نشاط موجه ومنظم يقوم به مراكز دراسات متخصصة وموضوعية بعيدة عن تأثير الأحزاب ، لتنتشر بين الشباب بالاستبيانات والأسئلة الشفوية ووسائل الاستقصاء المختلفة ، لنحصل علي إجابات متعددة ، يتم بعد ذلك جمع هذه المعلومات وتصنيفها ونشرها في تقرير للاستفادة منها والبناء عليها ، لذلك لا استطيع الإجابة عن هذا التساؤل ، فانا احد هؤلاء الشباب وإن كان لي من الخصوصية ما قد تميزني عنهم قليلاً ، وبالتالي قد تؤثر علي الإجابة أو قد لا تلبي احتياجاتهم أو ما يريدون ، لذلك هم الأجدر بالإجابة مني علي هذا السؤال ، ولكنني سأوضح وجهة نظري في هذا الموضوع والتي قد يثير جدلاً واسعاً ، فانا ومع تجربتي البسيطة وبحكم عملي كإعلامي قابلت الكثير من الشباب ومساند بشكل كبير لهم في الإعلام أو من خلال كتاباتي ، فأنا أعتقد انه من الخطأ أن يتقلد الشباب مواقع متقدمة في الأحزاب والمؤسسات دون ممارسة فعلية على أرض الواقع ، وهذا ليس انتقاصا من شأنهم أو مكانتهم أو قدرتهم ، فالشباب لديهم الدافعية والديناميكية والأفكار الخلاقة والتي تفوق الكثير من الساسة والمسئولين ، ولكن فلنكن موضوعيين ، ينقصهم الممارسة العملية ، فالممارسة علي الأرض ومواجهة المعطيات التي تحيط بأي عمل حتى وان كان سياسي ، تختلف تماماً عن عمليات التنظير والحديث المرسل وإطلاق الأحكام ، وهذا لا يعني أنني أكرس فكرة عدم دعم الشباب ، بالعكس تماماً ولكن لكي تنجح التجربة لابد من إتباع سبل محددة وإلا فإننا نكون قد وقعنا في خطيئة اجترار أنفسنا وتكرار التجارب السابقة ، بمعني آخر أننا سنبقي ندور في حلقة مفرغة ، إذا ما الحل ؟ الحل هو عبر عملية مركبة وتراكمية ، تبدأ من تغيير فكرة المجتمع ” الأبوي ” بدأ من الأسرة وتسلط الوالدين بفرض الآراء علي أبنائهم وعلي الأخير أن ينفذ ، كلها أفكار يتوارثها الأجيال فأصبحت عادات وتقاليد ، وصولاً الي المدرسة وإتباع المعلم نفس النهج مع التلاميذ ، وانتهاءً بالجامعات والتي تعاني من مشكلة وفجوة في التعليم ، باهتمامها بالكتاب المقرر والعلوم الجامدة ، ولا تلتفت لتعليم الشباب مهارات الحديث والخطابة دون خجل والقيادة والعمل مع الفريق وأساليب المناظرة والبحث العلمي وكيف يقدم الطالب نفسه للزملاء ، فهي جميعا مقدمات مهمة لتكوين شباب قادر على أن يحدث تغيير في المجتمع ، وكيف سيغير الشباب المجتمع وهو مقهور ومضطهد ومقموع ويتلقي الأوامر والعلوم بالتلقين دون أن يعمل عقله أو يدلي برأيه ؟ وسأكتفي بهذا التساؤل الذي يحتاج لإجابة ، منها يمكن أن ننطلق بشكل صحيح وسليم وسوي ، وبالتأكيد هي صعبة ونتائجها بعيدة المدى لأنها عملية تراكمية تحتاج لجهد جماعي من كافة المؤسسات والهيئات والأحزاب أيضا ، ويبقي على عاتق الشباب تطوير أنفسهم وصقل مهاراتهم بشكل ذاتي وأن لا ينتظروا عوناً من أحد .

بقلم: رجائي عبدالله الشطلي – إعلامي

شكرا للتعليق على الموضوع