رجل العلم والإيمان يدفن الحب في “تابوت”!

أشهر قصص الحب بين المشاهير..يرويها محمد رفعت

من كتاب : اقاصيص العشق

«لم يخضع قلبى لعملية إجهاض لفشلى فى الزيجة الأولى.. ولم يكن مصيرى الاختباء داخل غرفتى أو منزلى لمرورى بتجربة زوجية كان مقدرا لها النجاح ولكنها فشلت، مثلما يفعل الضعفاء من الرجال فى مثل هذه المواقف.. بل كنت أقوى بكثير مما تتوقعون، واجهت الانفصال الأول فى حياتى بدبلوماسية وهدوء لاننى كنت قد توصلت إلى القرار بعد تفكير عميق.. بعد أن أصبحت الحياة الزوجية مستحيلة لتبنيها للغيرة القاتلة»..

كانت هذه كلمات المفكر الكبير مصطفى محمود عن تجربة الزواج الثانية فى حياته، فقد كانت أكثر أمانيه أن يتمتع بحياة أسرية وزوجية مستقرة.. فى هذه الفتره من عمره.. بعدما اكمل عامه الستين..

ولأن الحب الأول فى حياتى قد ذهب ضحية الغيرة- والكلام على لسان مصطفى محمود- فقد ظللت اكثر من ثمانى سنوات صائما عن الزواج لدرجة ان اصدقائى المقربين اطلقوا على جملة اصبحت بعد ذلك على لسان القريب والبعيد وهى «درش عنده عقدة الحريمات» ولكننى بعد تفكير عميق وطويل تطلب منى عزلة استمرت لعدة أشهر أفكر فى الأمر وأقرأ كل الكتب السماوية والتفاسير والأحاديث النبوية لأتوصل إلى حقيقة المرأة وكيف يمكن السيطرة عليها.. إلا أننى أوقفت التفكير فى كيفية السيطرة عليها عندما قابلت زينب..

وزينب قابلتها عام ١٩٨١، تعرفت عليها داخل مجلة صباح الخير أثناء نقاش دار بينها وبين مفيد فوزى وإيهاب وبعض الأصدقاء حول لغز الحياة والموت ، وظللت أستمع لها دون تدخل ثم استأذنت منهم جميعا وناقشتها بعد ذلك بنفسى واقتنعت بها وأعجبت بشخصيتها القوية.. كان لها أفكار غير الأفكار التى أقابلها كل يوم.. وقمت بدعوتها بعد ذلك لزيارة الجمعية والمسجد لترى الانشاءات الجديدة.

وعندما حضرت اعطيتها مجموعة كتب وكتبت لها إهدائى عليها وكانت هى فى ذلك الوقت تعمل مأمورة ضرائب ولكنها كانت مثقفة دينيا وكانت محجبة.. ولديها موهبة الخطابة.. وحساسة وجلست كثيرا أفكر بالارتباط بها وكانت تحادثنى نفسى أحيانا: هل تريد تكرار المأساة فهذه هى المرأة التى أخرجت آدم من الجنة؟

ولكن إعجابى بها كان اعجابا أكثر من إعجابى بأنثى فهو إعجاب بأنثى وفكرة.. واستطاعت هى أن تبعد عنى عقدى تجاه النساء وعلى الفور صارحتها بما يحوى قلبى من مشاعر حب تجاهها ولكنى لم أبلغها بأنى أعد لها مفاجأة وهى أننى قررت التقدم لطلب يديها من أسرتها.. دعوت نفسى على العشاء فى بيتها فى ليلة ما..وللمصادفة كان اليوم الموافق يوم المولد النبوى.

وبعد العشاء وبينما أحتسى الشاى مع أخيها أحمد ووالدتها طلبت يدها بمنتهى الرقى والبساطة والهدوء ، وكانت مفاجأة بالنسبة لها فلم أخبرها كما ذكرت ولكنها قبلت على الفور وكانت سعيدة جدا ورحبت أسرتها بطلبى وكان وقتها فارق السن بيننا كبيرا فقد كانت هى فى الخامسة والثلاثين من عمرها بينما أنا فى الستين من عمرى، ولكنى لم أكن خاضعا للشيخوخة التى تهاجم من هم فى مثل عمرى ولم تكن هذ ه السن حاجزا بيننا..

زينب حسين حمدى
زينب حسين حمدى

ومن هنا أيقنت أنها تريد تحقيق الهدف الذى اجتمعنا عليه وهو العطاء بلا حدود وبلا انتظار مقابل، وكان يتمثل هذا الهدف فى «جمعية محمود الخيرية الإسلامية» التى كنت اتخذت قرار انشائها منذ زمن بعيد ولكنه لم يترجم بشكل صحيح إلا حينما ارتبطنا سويا فأصبح هناك اتحاد بيننا، وبالفعل ورغم كل الصعاب الأمنية التى واجهتها من تجسس على التليفونات من الأجهزة الأمنية ومراقبة بشكل دائم إلا أننا انتصرنا على كل هذه الصعاب وقمنا بافتتاح الجمعية فى عام ١٩٨٢.

وكان لشقيقى مختار الذى تولى منصب محافظ الدقهلية دور كبير فى تأسيس الجمعية فى بدايتها.. ومثلما تقدمت إليها يوم المولد النبوى كنت أريد أن أتزوجها فى أقدس بقاع الأرض.. وتحققت رغبتى فتزوجتها فى المدينة داخل المسجد النبوى رغم أننى كنت أريد زواجها فى مكة داخل الكعبة إلا أن هذا كان القدر. وقد احتوى نص وثيقة الزواج على الآتى:

«بسم الله الرحمن الرحيم.. المملكة العربية السعودية وزارة العدل.. الصكوك الصادرة من المحاكم الشرعية.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين وبعد، فبالجلسة الشرعية التى عقدت لدى أنا عبدالله محمد إبراهيم الرئيس المساعد لمحاكم منطقة المدينة المنورة والتحية لرئيسها فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن آل صباع بناء على الطلب المقدم من زينب بنت حسين حمدى المصرية الجنسية بجواز رقم (١٧٤٦ فى ٢٦/٤/١٩٧٧م والمصرح لها بالإقامة برقم ١٠٤٣/٣ فى ١٨/١/١٤٠٢هـ) وبناء على إقرار الدكتور مصطفى كمال محمود حسين المصرى الجنسية بالجواز رقم (٢٢٣٠١ فى ٩/٧/١٩٨١م والمصرح له بالإقامة برقم ١٠٤١/٣ فى ١٨/١/١٤٠٢هـ) وعلى صك الطلاق الصادر من محكمة الزيتون فى بركة المسبح القاهرة برقم ٤٧٥ فى ٧/٤/١٩٧٩م وعلى شهادة كل من مروان عمر قصاص ومحمد هاشم رشيد المعدلين وفى الأصول الشرعية ثبت لديه أن زينب بنت حسين حمدى لم تتزوج بعد أن طلقها زوجها فتحى حسين حسن…

وأن الخاطب الدكتور مصطفى المذكور كفء لها وأن الصداق مبلغ أربعة آلاف ريال سعودى هى صداق مثلها وأنه لا ولىّ لها بالمملكة العربية السعودية وبناء على طلبها تم إجراء عقد زواجها من الخاطب الدكتور مصطفى كمال وصداقه الراتب المذكور وبناء على توفر الشروط وانتفاء الموانع فقد جرى عقد نكاح الدكتور مصطفى كمال محمود المذكور على زينب بنت حسين حمدى على الصداق المذكور بواسطة المأذون الشرعى أمين مرشد بتاريخ ٤/٢/١٤٠٢هـ بشهادة كل من السيد محمد هاشم رشيد وجمال محمد هاشم رشيد وما هو الواقع حرر من الضبط السادس لسنة ١٤٠١هـ وصحيفة رقم ٩٨ فى اليوم الخامس من شهر صفر الأخير من أيام ألف وأربعمائة واثنين من هجرة من له كمال العز ونهاية الشرف سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم».

ثم واصل الحديث قائلا: كنت أنا ثالث زوج لها وكانت هى ثانى زوجة لى وتذكرت فى هذه اللحظة أن والدى أيضا كان ثالث زوج لأمى وعاش معها فى حياة مستقرة وجميلة، وحدثت نفسى بأنى سأنعم بنفس ما وصل إليه أبى رحمه الله من استقرار أسرى، فقد كنت أعتقد أنى شديد الشبه له فى ملامحى الشكلية وفى حظى، وما شجعنى للارتباط بها سريعا مسألة الدين ورغبتها فى أن تفكر فى نفس الهدف وتريد أن تكون معى شريكة هدف نصل إليه معا فقد كنت فى أشد الاحتياج لمن يقف بجانبى ويشجعنى على ما أقوم به فى وقت كان ينتقدنى الجميع فى تصرفاتى، معتقدين أننى عندما أهب حياتى وأنفق أموالى فى سبيل الله فإننى قد أصبت باضطراب عقلى.

ووجدت أن هذه الإنسانة ستقف بجانبى وعرفت أنه لابد من إنسانة تشاركنى فى رحلة الحياة التى ستكون جافة دون امرأة وهذا الزواج استمر أربع سنوات فقط وكان الطلاق لأنها لم تستطع أن تثبت ما قالته واتفقنا عليه بأن نهب حياتنا لله، واكتشفت أنها إنسانة مثلها مثل باقى بنات حواء، كانت امرأة تريد أن تخرجنى من الجنة.. تريد أن تعيش الحياة بما تحويه من نعم وفسح ورحلات للخارج قد اتفقنا أنها من المحذوفات من قاموسنا، وكانت حياتى قاسية جدا عليها فكيف تعيش معى فى حجرة فوق سطح جامع.

29_2

وهنا يغرق المفكر الراحل الدكتور مصطفى محمود فى موجة من الضحك وهو يقول: لقد كنت أعلق على باب هذه الحجرة لافتة مكتوبا عليها «التابوت» يعنى نعيش فى مقبرة ولهذا لم تتحمل حياتى الميتة.. فالحياة أصبح لا معنى لها فى نظرها، مع أنها كانت تعلم ذلك من الأول بل بالعكس قالت إنها تحب بشدة هذه الحياة الدينية وحياة الزهد ولكنها فى النهاية امرأة عادية تريد أن تعيش زوجة لكاتب كبير.

كانت تعتقد أنها متزوجة من أحد الكتاب المعروفين وتحلم بأن تقضى رحلاتها فى باريس ولندن وأوروبا وتعيش حياة مرفهة وليس فى حجرة على سطح جامع مكتوب عليها «التابوت»، وطبعا كان لها أولادها من زوجيها السابقين ثلاثة أولاد كنت أعاملهم مثل أبنائى تماما وأحسست بعد مرور عام على زواجنا أن كلا منا يدور فى فلك مختلف تماما عن الآخر وأيقنت أن «زينب» نسيت الهدف الذى جمعنا سويا ولم تعد تفكر فيه وتم الانفصال فى عام ١٩٨٤ وجاء قرار انفصالنا بعد فترة من التفكير من الطرفين وعن اتفاق، فقد كان انفصالنا مهذبا ومحترما كما كان زواجنا.

الكاتب الصحفى محمد رفعت
الكاتب الصحفى محمد رفعت

اقرأ للكاتب

يوسف السباعي ودولت.. الخوف حباً

شكرا للتعليق على الموضوع