ننشر نص خطاب البشير أمام البرلمان

الشرق الأوسط – التلغراف

ننشر لكم نص خطاب الرئيس السوداني، المشير عمر البشير، اليوم الإثنين، أمام أمام الهيئة التشريعية القومية في دورة الانعقاد التاسعة مارس 2019.

وجاءت نص الخطاب وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء السودانية كالآتي:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وقائد الغر المحجلين ، وعلى آله واصحابه ومن سار على نهجه الى يوم الدين

وبعد

يقول الله سبحانه وتعالى:

إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً.

ويقول الله سبحانه وتعالى:

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.

الاخ/ رئيس الهيئة التشريعية القومية

الاخوة والاخوات الكرام أعضاء الهيئة التشريعية القومية

الحضور الكريم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

يسعدني أن أخاطب جمعكم الكريم اليوم ،في مفتتح دورة الانعقاد التاسعة لمجلسكم الموقر ،والتي تأتي استكمالاً لدوراتٍ سابقات، كنتم فيها خيرَ رقيبٍ على الجهاز التنفيذي للدولة ،إتسم فيها مجلسكم الموقر، بروحٍ وطنيةٍ عالية ، ومسؤوليةٍ رفيعةٍ ، في مناخٍ سادته قيم الحريةِ والشورى والالتزام الوطني،وتمخضت عن تلك الدورات إنجازات متعددة في شتّى المجالات.

الاخ الرئيس

الاخوة والاخوات الكرام

إنني إذ أثمِّن الدور الوطني الكبير، الذي ظل يضطلع به مجلسكم الموقر،فإن انعقاد دورتكم الراهنة يكتسب أهمية خاصة ،إذ يأتي في ظروفٍ إستثنائية،مليئة بالتحديات والتطلعات ، وتحتشد بالقضايا التي سيقوم مجلسكم الموقر بدورٍ كبيرفيها ، في إطارمسؤوليتكم التشريعية والرقابية ، واستكمالاً لحلقات البناء الوطني ودعم الوحدة والسلام والاستقرار.

الاخوة والاخوات الكرام

لاشك أنكم تذكرون حديثي أمامكم في اكتوبر الماضي ، الذي تناولت فيه التحديات الإقتصادية التي تواجه بلادنا ، والتي أثَّرت على قطاعات من شعبنا، مما دفعها لاحقاً للخروج للتعبير عن ذلك ، تَحمِل مطالبَ مشروعة في العيش الكريم ، ومعالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة ، الا ان بعضها لم تلتزم بالضوابط القانونية في التجمع والتظاهر وأحدثت خللاً في النظام العام واتلفت بعض الممتلكات ، وما استتبع ذلك من محاولة البعض القفز على تلك الاحتجاجات والعمل على استغلالها ، لتحقيق أجندة تتبنى خياراتٍ إقصائية، وتَبثُّ سمومَ الكراهيةِ، وتتجاهل إنجازات أمتِنا ، لدفع البلاد إلى مصيرٍ مجهول ، فكان أن احتسبنا نفراً عزيزاً من أبنائنا ، رحمهم الله وأحسن عزاء أسرهم أجمعين.. ولكن وعْيَ شعبنا تنبَّهَ لتلك المحاولات ، واعتصم بحماية أمنهِ ومكتسباتهِ ،ولم ينجر لدعوات الكراهيةِ والإقصاء ، كما أن تلك الإشارات القوية من شعبنا ،حتمت علينا الدعوة لخارطة طريق لانتقالٍ سياسي ، يرتكز على حوارٍ واسع ملتزم بالدستور، واتخاذ قرارات وتدابير عاجلة، تمثلت في حل الجهاز التنفيذي ، وتشكيل حكومة المهام الجديدة، وإعلان حالة الطوارئ ،إنطلاقاً من واقع مسؤوليتنا الوطنية ومهامنا الدستورية، وتحقيقاً لتطلعات ومطالب شعبنا الصامد ، الذي استعصم بوعيه وإدراكه … وستشهد الأيام المقبلة المزيد من القرارات والتدابير التي تعزز مسار الحوار وتهيئ الساحة الوطنية لإنجاز التحول الوطني المنشود والذي نأمل أن يخلق بيئة صالحة تتحد فيها جهود الجميع لتعبئة المجتمع وتوجيه طاقاته نحو الإنتاج وخاصة في الزراعة والتعدين والصناعات التحويلية.

الإخوة والأخوات الكرام

إن بلادنا تشهد اليوم مرحلة جديدة في مسارِها السياسي ، التزمنا فيها مع أنفسنا وشعبنا، أن نكون على مسافةٍ واحدةٍ من جميع أبناء الوطن ، بكافة رؤاهم السياسية، وأن نعمل وفق رؤية وطنية إصلاحية ، ترتكز على العدل والشفافية، وتتسم بالمرونة وسعة الصدر، توحيداً للصف والكلمة، من أجل دعم استقرار البلاد، متخذين من وثيقة الحوار الوطني مرجعيةً أساسية، وقاعدةً معرفية، لموجهات العمل السياسي في المرحلة المقبلة، تلك الوثيقة التي أتفق عليها طيف واسع من القوى السياسية والمجتمعية بالبلاد، واودع فيها جماع ما اتفقنا عليه، وتراضينا حوله، والتي قطعنا شوطاً كبيراً في تنفيذ مخرجاتها، ومن هنا نجدد الدعو ة لكافة القوى السياسية والإجتماعية للانضمام لركب الحوار… وفقاً لتدابير وإجراءات يتم الإتفاق عليها مع كل الفاعلين في الساحة السياسية والإجتماعية بالوطن، لتشكيل وتأسيس حاضنة قومية جامعة تسعهم جميعاً .

الأخ الرئيس

الإخوة والأخوات الكرام

إن التحولات التي شهدتها بلادنا في المسارات السياسية والبنيات الهيكلية للدولة، تشكل قاعدةً صالحةً للبناء، ومظلةً واسعة فيها من الرحابة والسعة، ما يمكننا جميعاً من الجلوس من أجل الوطن، وأخص هنا شريحة الشباب، الذين أثبتوا أنهم المتغير الاجتماعي والسياسي المتجدد والواعد في هذه الأمة، وأدعو من هنا كافة القوى السياسية لاستيعاب طاقاتهم ورؤاهم وأفكارهم الحديثة، واستحداث آليات تتيح لهم الإسهام الفاعل في عملية البناء الوطني،  فنحن حينما اخترنا بناء الجامعات لتوفير العلم لشبابنا ، كنا نعلم أن سوق العمل الحكومي لن يستوعب مائة وخمسين ألفاً كل عام ، ولكنّا كنا على يقين من أن شبابنا سينحت طريقه بسلاح العلم ، في أسواق الانتاج والعمل الخاص،في الداخل والخارج ، وغيره من الطرق المبدعة التي تدفع إقتصاد بلادنا بحرارة دماء الشباب ،ومن هنا أوجه الحكومة القومية والولاة بالآتي :

توفير التمويل لمشروعات الشباب المتعلقة بالإنتاج الزراعي والحيواني والصناعات الصغيرة  والبرمجيات وغيرها ، للأفراد والمجموعات ، عبر المصارف ومؤسسات التمويل الاصغر برؤى جديدة تمكن من جعل المشاريع حقيقة واقعة . بناء المدن السكنية لتوفير المساكن اللائقة للشباب عبر التمويل الميسر . إحياء وتأهيل الدور والمؤسسات والاندية الشبابية المعنية بالنشاط الثقافي والرياضي والاجتماعي ووضعها في صلب برامج الدولة وميزانياتها. رعاية مبادرات الابداع الشبابي في المجالات الرياضية والثقافية والعلمية . إستيعاب الروح الوطنية العالية التي أبداها شبابنا ، بما يقود لتحقيق الفخر الوطني من خلال إشراكهم في القضايا الوطنية وابراز مقدرات البلاد المادية والمعنوية. زيادة عدد وحجم استيعاب حواضن ومشروعات أعمال الشباب ، التي اثبتت أن شبابنا قادر على المنافسة بمشاريعه الحديثة والمبتدعة.

الإخوة والأخوات الأفاضل

إن المبادئ والقيم التي ارتضيناها منهاجاً لحياتنا ، وهاديةً لمساراتنا في الدولة والمجتمع ، لن تنتكس أبداً، وسنظل أوفياء وحراساً لها ، حماية لبلادنا من التشرذم والتمزق والضياع، ومن هنا أُوجِّهُ حكومة المهام الجديدة ، بضرورة اتخاذ تدابير صارمة ، لاستكمال حلقات هيكلة الدولة ،وإصلاح الخدمة المدنية لتحقيق الكفاءة والفاعلية في أجهزة الدولة، وفرض هيبة الدولة والقانون، والارتقاء بحقوق الإنسان وصون الحريات..كما أنني أجدد التزام الدولة الثابت والجاد ،بمحاربة الفساد والمفسدين، بتدابير قانونية تتسم بالفاعلية والنزاهة وسيادة حكم القانون، ولكن القوانين لا تكتسب فاعليتها إلا برقابة المواطن ، وبرلمانه وأجهزته الرقابية، وهو الأمر الذي يجب أن ننهض إليه جميعنا.

الأخ الرئيس

الأخوة والأخوات الأفاضل

لقد كان السلام ومايزال هدفاً استراتيجياً يتصدر أولوياتنا في برامج الدولة والمجتمع ، ولم نترك منفذاً إلا وطرقناهُ بحثاً عن السلام والاستقرار لبلادنا ، التي عانت سنين عدداً، من نزاعاتٍ وصراعاتٍ، لم نحصد منها إلا الدمار والخراب، وإهدار الموارد المادية والبشرية ، وتعطيل عجلة التنمية والتطور.وبحمد الله وتوفيقه ، ومن بعد، بجهود قواتنا المسلحة وقواتنا النظامية بكل مكوناتها وتشكيلاتها، إنحسرت الآن مساحات الحرب وعم السلام معظم أرجاء البلاد، وتوجه الناس الى التنمية والإعمار ، حتى أنّ البعثة الأممية بدأت في الإنسحاب من ولايات دارفور ، بعد أن أيقنت إنتفاء مبررات وجودها بالبلاد.

وفي ذات المنحى ، ستمضي خطانا سراعاً ، نحو إتمام حلقات السلام بالبلاد بكل الوسائل المتاحة حتى يكون العام 2019م هو عام السلام ، لذا ولتنسيق وتكثيف الجهود لهذا المسعى النبيل ، فإنني أؤكد قومية قضية السلام بإعتباره أمراً يستحق أن تتوافق وتتسق فيه جهود جميع أبناء الوطن أياً كانت مواقفهم بداخل الحكومة أو خارجها ، ومن هنا أدعو كل القوى السياسية بالبلاد بالمشاركة في هذه القضية الوطنية لنتحرك معاً لإنجاز هدف السلام بالوسائل والموضوعات التي يتم الإتفاق عليها ، مع التأكيد على التزامنا بكافة المرجعيات في كل قضية ، أمام شركاء التفاوض ، والمجتمع الاقليمي والدولي..كما إننا إذ نجدد التزامنا بوقف إطلاق النار الدائم ، فإننا نؤكد استعدادنا التام والصادق للحوار من أجل السلام، مهما كان الثمن ، وهنا أجدد الدعوة لقوى المعارضة التي لاتزال خارج مسار الوفاق الوطني ووثيقتة، بقبول الحوار باعتباره الخيار الأول والأخير، والمعبر الآمن نحو بناء وطن يسع الجميع.

الإخوة والأخوات الكرام

إن النجاحات التي حققتها جهودنا الدبلوماسية ، في مجال التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة ، يعتبر انعكاساً طبيعياً وتجسيداً لمبادئ سياساتنا الخارجية ، القائمة على الاحترام المتبادل والتعاطي الايجابي مع المجتمع الدولي، وتشارك المنافع مع كافة الدول التي لديها رغبة صادقة في التعاون مع بلادنا ، فقد ظللنا نقود سياسية خارجية متزنة ، ترتكز على المواثيق الدولية  والأعراف الدبلوماسية  وملتزمة بالشراكات الرافعة للمصالح المشتركة  والمعززة لدعائم الأمن والسلم الدوليين ،دون انخراط في محورٍ ، أو تنازل عن مصالحنا الوطنية.. فضلاً عن جهودنا في تعزيز السلم الاقليمي في جوارنا ، في جنوب السودان ، ومؤخراً في الجارة أفريقيا الوسطى ، التي لبت واستجابت أطرافها لجهود الوساطة السودانية ، إضافة لمبادرتنا في بناء المنظومة الاقتصادية لدول القرن الافريقي ، بما ينسق جهود هذه الدول ، في دعم التبادل التجاري وتحقيق التنمية الاقتصادية ، وقد وجدت جهود السودان في القارة، الثناء والتقدير من المجتمع الدولي ، والامم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة و هو ذات التقدير الذي وجده عمل بلادنا الجاد مع المجتمع الدولي في مكافحة الارهاب  والإتجار بالبشر وكافة الجرائم العابرة للحدود .

الأخ الرئيس

الإخوة والأخوات الكرام

إننا إذ نتمنى لكم النجاح والتوفيق في هذه الدورة ، التي تأتي في ظل رغبة وطنية عارمة في الإصلاح ، فإننا نثق في قيامكم بأمانةِ الرقابةِ والتوجيه للجهاز التنفيذي ، وبذات القدر فإن مجلس وزراء حكومة المهام مطالب باثبات أن بلادنا تزخر بالكفاءات ، القادرة على عبور التحديات الاقتصادية، بعون الله تعالى ، وعزم ودعم شعبنا النبيل ، وإِن تَنصرُوا اللَّه يَنصُركُم ويُثبِّت أَقدَامكم، إنه نِعْم المولى ونعم النصير ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا للتعليق على الموضوع