يوميات دينا ابو الوفا … عارفين
لقد اقتربت الساعة من منتصف الليل …نادراً ما تبقى مستيقظة حتى تلك الساعة المتأخرة من اليوم …. السبب الاول وراء ذلك ، انها كانت دوماً ممن يفضلون النوم مبكراً ، فلا داعى لإطالة يوم تتوق لانتهائه منذ لحظة بدايته !!!!!!
والسبب الاخر هو انها تعلم جيداً ان فى السهر خطر جسيم… ففى الليل تنفرد بقلمها … اًو بتعبير أدق ينفرد قلمها بها …. فيحاول بدهاء شديد استجوابها وانتزاع حقيقة مشاعرها من داخلها والوصول لاعتراف كامل منها …. حتى انه يطالبها احياناً بإمضاء فى نهاية ورقة الاعتراف كى لا تعود وتنكر جميع أقوالها لاحقاً ….
والليلة حدث ما كانت تخشاه وتحسب له الف حساب …
تسلل اليها قلمها بخطى رشيقة ، وسألها بصوت خافت “رأسك مزدحم عزيزتى …. ووجهك تاعس وعينيك شاردة …. هل لى ان اعرف ما بك … بم تفكرين … ما الذى ابقاكى متيقظة حتى الان !؟ اخبريني …. كلى آذان صاغية “
أشاحت بوجهها بعيداً فى محاولة ضعيفة للهروب من قلمها …. فالوقت ليس مناسباً …. تعرف نفسها جيداً …. مع اول كلمة تلفظها ستبكى … ستبكى ولن تتوقف … ستخر قواها …. ستنهار
“لا تشيحى بوجهك عنى … ما بك !؟”
“انا فى حيرة من امرى …. هناك أمر يؤرقنى بشدة ولا أستطيع ان اجد له حلاً “
“اخبرينى حبيبتى ، لعلك تجدين عندى ضالتك … يوضع سره فى أضعف خلقه ..”
لم يكن قلمها يوماً ضعيفاً … حتى هو يعلم ذلك … لكنه يداعبها ليس اكثر …. آملاً ان ترتسم على شفتيها ابتسامة حتى وان كانت واهنة…
“تضع الحياة فى طريقنا أناساً كثيرين … ولانه ليس من الطبيعي ان يحتلوا جميعهم نفس المكانة فى حياتنا والمنزلة في قلوبنا ، نلجأ الى التصنيف … اى اننا نحدد منازل ومكانات متعددة ومختلفة ، كأننا نرسم جدولاً بخانات طولية عديدة، فيسكن كل شخص فى الخانة التى تليق به وتناسبه …
وتتحدد المكانة بناء على أفعاله وتصرفاته ومواقفه معنا فى المقام الاول ….
فمنهم من نكتفى بوضعهم فى قائمة المعارف … “صباح الخير ، مساء النور” … قد لا تلحظ غيابهم وان غابوا عاماً
ومنهم من تتبادل معهم الحديث بين الحين والآخر على فترات متباعدة … لكن لا تشتاق لهم ولا يهم كثيراً ان اقتربوا اًو ابتعدوا … فتأثيرهم يكن طفيفاً … لا خطر منه …
ومنهم من يقترب شيئاً فشيئاً حتى يصل الى مكانة عالية ، فيزداد الخطر … لان الاقتراب يتناسب طردياً مع الخطر …. كلما اقترب شخص كلما زاد الخطر …
وهناك من ينجح بمرور الوقت ان يحتل لديك اعلى المراكز ، ليصل الى مكانة لم يصل اليها احد من قبل … “
“كلام منطقى … واين المشكلة فى ذلك !؟”
“المشكلة ان تلك المكانة التى وضعته فيها ، يصاحبها مشاعر جمة تتناسب مع المكانة … فيصبح شخصاً غالياً … تفعل من اجله الكثير وتمنحه الكثير …. وتخصه بمميزات لا تخص بها غيره …. ويزداد تعلقك به …فيصير عنصراً أساسياً فى حياتك اليومية”
“طبيعى وما الضرر فى ذلك ” …
“الضرر حين تكف عّن رؤية الشخص كما كنت تراه فى السابق … حين تشعر بالتغيير وقد طرأ عليه… بل ترى التغيير واضحاً وليس مجرد شعوراً …
لم يعد ذلك الشخص الذى منحته عن قناعة تلك المكانة .. بل شخصاً غريباً … تجد صعوبة بالغة فى التعرف عليه … قد تكون ملامحه كما هى ولكنك برغم ذلك تفشل فى التعرف عليها… قد يكون نفس الصوت لكنك لا تميزه …. قد يبدو وان لا شئ قد تغير فيه ، فى حين انك كل التفاصيل قد تغيرت …ماذا تفعل حينها !؟ …. “
“سؤال وجيه ….بل سؤال عويص …. لان إجابته مفتوحة ….
ولكن سأحاول ان ارتب أفكارى واختصرها قدر المستطاع ….
أولاً … عليك بالتأكد ان التغيير قد طرأ بالفعل وانه ليس من نسج الخيال اًو انه وقتى وطارئ لسبب ما … تاكدى ان له دلائل واضحة وإثباتات قاطعه … لا مجال فيها للشك …
فإذا تيقنتى من التغيير … فعليك بالآتي …. يجب ان تنفيه فوراً خارج حدود تلك الخانة وإسكانه بخانة اخرى ليعود الى المكانة التى يستحقها …
فالأمر حينها يتعلق بالكرامة ، وكرامتك فى المقام الاول … وبعدها يأتى اى شئ …
ولكن على ان ألفت انتباهك الى صعوبة تلك الخطوة … فقد يبدو تغيير الخانة أمراً هيناً الا ان الامر لا يقتصر على خانات مرسومة على ورق ….
فهناك مشاعر واحاسيس عليكى التعامل معها ايضاً وللأسف عزيزتى لا توضع المشاعر فى خانات …
فقد يكون تحريك الشخص سهلاً ولكن تحريك المشاعر من اصعب ما يكون ….
يتطلب الامر وقتاً ومجهوداً وإصراراً وعناداً والتزاماً …
ومع ذلك نسبة النجاح لا تتعدى الخمسون بالمئة … فقد تنجحين بمرور الوقت من استعاضة الاتجاه وتحويل المسار … وقد تخفقين …
وهنا ستتكبدين عذاب ما بعده عذاب ….
فالتناقض بين المكانة الجديدة التى ارتضيت وضعه فيها والمشاعر القديمة التى لا زلت تحمليها بداخلك له ، اقل ما يقال عنه …. قاتل ….
لا شك انها معضلة … لا يتحملها الا الأقوياء … فكونى قوية حبيبتى …. كان الله فى عونك….”
اقرأ للكاتبة
كان ذلك الجديد الذى تخاف الخوض فيه …. حتى ادركت اليوم ان “الأصفر يليق بها”