وليد صلاح يكتب : الهجرة

سعى الكثير من السنين للهجرة، فبذل كل أنواع و أصناف و أشكال المجهود للسفر و الهجرة من البلد، للعيش فى بلدٍ جديد أفضل و أجمل و أسهل فى المعيشة بعمل جديد و الجيران جدد و متمنياً أسرة جديدة، فبذل كل الجهد للعيش وسط أناسٍ جُدد لا يعلم لُغاتهم و لا طِباعِهم و لا حتى أعرافهم، سعى للعيش معهم و الأنخراط وسطهم فقط هرباً من البلد لصعوبة الحياه فيها و غلو أسعار مواصلاتها و بنزينها و أكلها و شربها و سكنها و حتى الزواج الذى من سنن الحياه و من وصايا الله تعالى لم يكن فقط صعباً بل تعدى بكثير مرحلة الصعوبة و أصبح أستحالة، هرب من سعر الشقة التى تعدت المليون و البنت اللطيفة المتعاونة المتنازلة عن شبكتها و مهرها و لكن أهلها يفرضوا عشرات الآلاف عليه ثمن زواجها، هرب و هرب و هرب و أخيراً أقتنص الفرصة الملائمة و الصائبة للسفر بلا عودة لبلاد بعيد لحد قارات بعيد فى آخر الأرض و سكانها من أولاد العم سام بمعنى أنهم مختلفون كل الأختلاف عنه، و أخيراً أسرع فى لملمة نفسه و أحواله و هرول فى أستخلاص أوراقة.

ففى سكك أوراقه بدأ قلبه ينبض بسرعة متزايدة يوماً فيوماً و رجله بدأت ترتجف و نومه بدأ يقل يوماً فيوماً حتى أصبح يتعاطى المنومات و المهدئات و أيضاً لا ينام، و الخوف حاوطه، فتبدلت السعادة و الفرحة بالسفر و الهجرة و العيش مع أولاد سام تتبدل بترقب و ريبة و مشاعر متفارقة متلخبطة لا يعلم سببها، حتى أنتبه لفكرة الموت ام الهجرة أفضل!! .

 و بدأ يتذكر أيام تمنيه للموت من صعوبة حياته و قيودها و متطلباتها ثم يتذكر حلم السفر و الهجرة أيماناً بسهولة الحياه فيها و تنفيذه لكل أمنياته بعدها، و أنتبه فجأة لعدة دقائق و بدأ يلقى الأسئلة على نفسه .. أين الأخ و الأم و الأب و الأهل! .. أين أصدقاء المدرسة و الجامعة! أين أصدقاء العمل و الكفاح! أين أصحاب الدرب و القضية! حتى أين الخصوم و الأعداء! .

ترنح تفكيره بين الذى ورثهم و زاد عليهم منذ لحظة ميلاده و بين أهل و أصدقاء المستقبل من أولاد العم سام، و تذكر كلِمات أمه و هو يحدثها عن حلمه فى السفر و الهجرة حينذاك و هى ترد بدموعها قائلة أتريد أن تحرمنى منك و انت حى يا أبنى؟.

 فأنتظر حتى يموت أحد منا ، فكان رغم تأثره بردها عليه و لكنه يحبط و ينزعج، فتكمل ردها عليه ناصحة له قائلة: يا أبنى الهجرة لا تختلف عن الموت فى الفراق، بل الموت حاسم و يثبت الحزن عند عمقٍ ما موجعة بشدة حتى يبدأ التأقلم عليها و التعايش الآليم معها، و لكن السفر و الهجرة فراق بلا عودة ولا لقاء مجدد أيضاً ، لكن عمق حزنه شديد و يتمنى وفتها الأنسان تلك النقطة ما و لا يلقاها بل يزداد الحزن عند كل الأطراف.

 فالأنسان يتمنى وجود أهله معه طوال الوقت و الأم و الأهل يتمنوا وجوده طوال الوقت، و يبدأ تلك الفقد فى التزايد ولا يذوق المرء طعم الراحة، بأختصار يا أبنى الهجرة و الموت {وجهات لعمله واحدة}، فهرب من تجسد أمه لصورة المستقبل المنشود، يكمل حسبه و حسم الأمر بأختبائه بمفرده ليتساءل أين … من … لو … أفلست أجرى لأختبىء عندها أستمتاعاً بالأكل و المأوى! فأولاد سام لم يطعمونى و لا يأوينى إن أحتاجت، أين من يطمئننى و يساندنى من المطاردات إن تعرضت لها! أين من يعزمنى معزة ليا و إكراماً لوالدى! فتتوالى و تنهار التساؤلات عليه حتى أن يغضب و يفِر من كل هذا التشتت بين الحلم المستقبلى و الزعر من الآتى له فى السفر، حتى ان يحسم الأمر بأتمام القرار و العزم على السفر و الهجرة مثلما أفنى حياته فى ذلك الحلم المُمتع، و لَملَم متاعه و شُنطه و نوى السفر بلا عودة و رسم خططه و أحضر كل وسائل مساعداته ليستعد للعيش فى بلاد أولاد العم سام، و لكن عند أول خطوة تجاه هدفه و حلمه فوجىء بحقيقة الأمر من خطوات مصاحبة لنبضات قلب سريعة و نغزات متتالية مع خوف و ترقب و أرتياب داعياً الله ان لا يخيب ظنه فيما تمنى و حلم .. بالسعادة فى بلاد أولاد العم سام.

بقلم : وليد صلاح منصور

‏مسئول شئون التعليم ‏لدى ‏الإتحاد الدولي للدفاع عن حقوق الطفل‏

اقرأ للكاتب

 وليد صلاح يكتب : العزلة

شكرا للتعليق على الموضوع