فؤاد الصباغ يكتب : العالم السيبراني “إبتكارات علمية أم حرب قرصنة؟”
إن العالم يشهد اليوم طفرة نوعية من المتغيرات الصاعدة و الواعدة علي مستوي تكنولوجيات المعلومات و الإتصالات الرقمية. إذ لا مجال في عالمنا هذا لرسم الحدود بين الدول بحيث أصبح الجميع في عالم معولم إلكترونيا مندمج في شبكة إتصالات تشمل الجميع من خلال التواصل المباشر مع الجميع في ثواني معدودة و كأنهم في غرفة صغيرة واحدة.
فمع بداية التسعينات بدأت ملامح أولي هذه العمليات الإتصالاتية الرقمية و ذلك بإستغلال الإنترنت كشبكة معلوماتية عالمية إلي أن بلغت هذه التقنيات ذروة إبداعاتها و إبتكاراتها العلمية لتخلق لنفسها عالم جديد شبيه بفضاء خيالي.
إن هذه التطورات في الإقتصاد الرقمي أصبحت تشمل مؤخرا العديد من المجالات العلمية و القطاعات الحيوية في الإقتصاديات الوطنية لدول العالم لتشكل بذلك العمود الفقري للإقتصاد العصري. فهذه المتغيرات سمحت للعلماء و الباحثين بتطوير أساليب عملهم و معاملاتهم اليومية بحيث شمل العالم الإفتراضي قطاع الصحة فأحدث بالنتيجة آخر صيحة و هي العمليات الجراحية الإلكترونية عن بعد و التي تدار في قاعات جراحة تضم أطباء من مختلف دول العالم و ذلك عبر إتصالات بالأقمار الصناعية و بشبكة الإنترنت.
أما قطاع التعليم فهو يعد من أبرز القطاعات الحيوية التي إستفادت بشكل كبير من العالم السيبراني خاصة في مجال البحوث العلمية و تطوير نمط التدريس عبر إستعمال القاعات الإفتراضية عن عبد. بالإضافة لذلك إستعمال الشبكات الإلكترونية التي تضم جميع القواعد العلمية و المكتبات الرقمية. أما قطاع التجارة فهو أيضا كان من أكبر المستفيدين من تطور التقنيات المعلوماتية الحديثة بحيث تحولت المبادلات التجارية في العالم من التجارة التقليدية إلي التجارة الإلكترونية. فأبرز دليل علي ذلك هو بروز العديد من مواقع البيع بالجملة و لعل أشهرها موقع علي بابا الصيني و موقع أمازون الأمريكي بحيث أصبح المستورد اليوم ليس في حاجة للسفر قصد شراء أو جلب منتجات بطريقة معقدة.
إذ أصبحت عمليات المبادلات التجارية العصرية تدار مباشرة عبر الإنترنت و بإتصالات عن بعد من أجل الشراء بالجملة و الإستخلاص و الشحن. كذلك مجال التسويق الإلكتروني أصبح يستغل الإنترنت كمنصات للإعلانات الإشهارية للترويج و عرض المنتجات قصد جلب أقصي عدد ممكن من الحرفاء المستهدفين.
كما كانت أيضا لوسائل التواصل الإجتماعي أهمية كبري في التسويق و الترويج نظرا لتزايد عدد المستخدمين لهذه المنصات الإفتراضية و التي أصبحت تضم الملايين من المتصفحين يوميا من مختلف دول العالم. أما علي الصعيد السياسي فقد ساهمت وسائل التواصل الإجتماعي و التقنيات المعلوماتية الحديثة علي بعض المنصات الإلكترونية مثل الفيديوهات و الفيسبوك و التويتر في الإطاحة بأغلب رؤساء الدول العربية في فترة ما يسمي بالربيع العربي.
بالإضافة إلي ذلك مثلت القاعدة الأساسية لإدارة الحركات الإحتجاجية في معظم الدول العالمية علي غرار الحراك الجزائري و السوداني و إحتجاجات أصحاب السترات الصفراء.
أما الأخطر في هذا السياق هو إستغلال هذه البرمجيات التكنولوجية و المعلومات الإتصالية في أساليب القرصنة و الهاكرز و التي تعد في مجملها عمليات إجرامية إلكترونية. فملامح هذه الحرب الملعونة من قبل قراصنة إلكترونيين من الدول المتقدمة بحيث إنطلقت أول هذه العمليات عبر قرصنة الإنتخابات الأمريكية من قبل الهاكرز الروسي تحت إشراف و مباركة الهاكرز بوتين الذي قام بدوره السلبي عبر تزوير الإنتخابات الأمريكية و إختراق آلات الفرز الإلكتروني لأصوات الناخبين.
كذلك شملت هذه الحرب العديد من الصحافيين العالميين و الإعلاميين المشهورين و رجال الأعمال الأمريكيين و لعل أبرزهم الإعلامي بقناة الجزيرة القطرية و صاحب برنامج الإتجاه المعاكس الدكتور فيصل القاسم و أيضا رجل الأعمال الأمريكي جيف بيزوس صاحب سوق أمازون للتجارة الإلكترونية و الرئيس المدير العالم لجريدة واشنطن بوست الأمريكية. فتحولت بالنتيجة تلك العناصر المتكونة من أفراد من وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية السي.أي.إي و بعض الأفراد من الوكالات الإستخباراتية العبرية و العربية المشبوهة في المنطقة و التي تمتلك أخطر برامج التجسس نذكر منها برنامج “كارما” الإسرائيلي إلي أكبر قاعدة تجسس إلكترونية متواجدة بأبوظبي و الرياض.
إن تكنولوجيات المعلومات و الإتصال لم تعد في مجملها نعمة بل تحولت إلي نقمة نظرا لإنتهاكها للمعطيات الشخصية للأفراد و التنصت عليهم في بيوتهم.
فعلي سبيل المثال ماذا يملك د. فيصل القاسم غير القلم و القرطاس و اللسان الحر ليعبر عن رأي يطرحه للنقاش مع ضيوفه في برنامجه الإتجاه المعاكس, فهل هذه العناصر تريد من القلم الحر أن يكون “ذيل كاتب كلب” و طرطور و بوق دعاية فقط يروج لأفكارهم و لسياساتهم. فهذه العناصر حولت الدكتور فيصل إلي مجرم إعلامي عالمي مراقب ليلا و نهارا من قبل الإستخبارات الإماراتية و السعودية و تحت إشراف تقني أمريكي و إسرائيلي بحيث أحترق هاتفه الجوال و بريده الإلكتروني و نكلت بحرمة حياته الشخصية و أصبح مؤخرا محل متابعة و لربما لا قدر الله تصفية جسدية. فهل هذا الإعلامي الحر يشكل خطرا قوميا وإقليميا علي هذه الدول العرجاء و الجوفاء التي تعاني من الخوف و الرعب من أي صوت و قلم حر لأن وكرها فارغ و يحتوي فقط علي قمع الحريات و الدكتاتورية الفكرية. كذلك الصحافي الأمريكي جيف بيزوس تحول هو أيضا بدوره إلي أخطر مجرم في العالم نظرا لتلك الأشباح التي تلاحق تلك العناصر بسبب تورطها في قتل الصحافي بجريدة واشنطن بوست المرحوم جمال خاشقجي.
عموما عالمنا هذا أصبح فيه الهاتف الجوال و جهاز الحاسوب و التلفاز الذكي نقمة في بيوت الإعلاميين و الصحافيين التي تحولت كلها إلي أداة و وسائل مراقبة و تنصت حتي في غرفة نومهم بحيث تنتهك أبسط حقوقهم و حرمتهم الفردية و هم لا يملكون إلا الفكر و الرأي الحر و قلم الحبر.
فؤاد الصباغ – كاتب تونسي و باحث اقتصادي
اقرأ للكاتب
فؤاد الصباغ يكتب :الإقتصاد الأخضر”مستقبل التنمية الواعدة بدول المغرب العربي الكبير”