وليد صلاح يكتب : أسماء الله الأبراهيمية
رغم التشابه الشديد الذي يجمع ما بين الديانات الإبراهيمية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، فيما يخص التفسير المشترك لأصل الوجود وخلق الكون والكثير من المعتقدات والأفكار المرتبطة بهما، فإن تلك الديانات توجد فيها أيضاً العديد من أوجه الاختلاف والتمايز، وفي الصدارة منها يأتي الاختلاف حول اسم الرب.
اسم الرّب في اليهودية
يهوه وإلوهيم وأدوناي في اليهودية عُرف الرب بعدد كبير من الأسماء والتوصيفات التي وردت في التناخ وهو الكتاب المقدس عند اليهود، وكذلك في التلمود والقصص الدينية.
ففي بعض المواضع يأتي اسم إله اليهود بشكل مبهم أو غامض.
ومن ذلك ما يخبرنا به سفر الخروج، أن النبي موسى عندما شاهد نار العليقة فوق جبل سيناء، صعد ليستقصي الأمر، فسمع صوت الله الذي أمره بالذهاب لبني إسرائيل في مصر ليخرجهم منها إلى الأرض الموعودة، وعندما سأل موسى عما يقوله لقومه إن سألوه عن اسم الذي كلمه، أخبره الله أن يقول لهم (أهيه أشير أهيه) وهي جملة عبرية تعني “أكون الذي أكون”.
أما أشهر أسماء الرب عند اليهود، فهو يهوه، وهي كلمة عبرية مختلف على أصلها، وقد وردت في مئات المواضع في كتب اليهود المقدسة، منها ما ورد في سفر الخروج عندما قال الله لموسى (هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه إله أباءكم إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم، هذا اسمي للأبد).
وفي نفس الوقت فإنه وفي الكثير من الأحيان، يتم تسمية الرب في اليهودية بـ(إلوهيم)، ويرى الكثير من الباحثين أنها مقتبسة من اسم الإله إيل الذي ورد اسمه في منقوشات عدة على ألواح أوغاريت التي ترجع للقرن الثالث عشر أو الرابع عشر قبل الميلاد على أرجح تقدير، وقد كان إيل معروفاً عند الكنعانيين وكان من أهم المعبودات عندهم في سوريا وفلسطين فيما قبل دخول العبرانيين إليها.
ويرى أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة جورجيا الأمريكية، ريتشارد إليوت فريدمان في كتابه المهم بعنوان: من كتب التوراة؟ أن الاختلاف في اسم إله اليهود ما بين يهوه وإلوهيم، ليس مجرد اختلاف في المسمّى وحسب، بل أن الكلمتين لهما معنيين ودلالتين مختلفتين تماماً، فاسم إلوهيم كان يتم استخدامه في مرحلة تعدد الألهة عند العبرانيين، أما يهوه فتم استعماله للإشارة للإله الواحد الأحد.
ويستخدم اليهود أيضاً كلمة أدوناي للإشارة إلى إلههم، أدوناي والتي تعني السيد في اللغة العبرية، يتم نطقها بواسطة قارئ التناخ عندما يأتي موضع فيه ذكر ليهوه، والسبب في ذلك هو التخوف من نطق اسم الرب المقدس بشكل خاطئ، فقد ورد في سفر الخروج (لا تنطق باسم يهوه إلهك باطلاً، لأن يهوه لا يترك الذي ينطق باسمه باطلاً دون عقاب).
ولما كان النطق الصحيح لاسم يهوه قد ضاع مع مرور الزمن وتعاقب القرون، فقد صار من الأسلم ألا يتم نطقه خشية الخطأ، ويستثنى من ذلك حالة وحيدة، وهي أنه من المسموح به لرئيس الكهنة في صلوات وأدعية عيد الغفران أن يذكر اسم يهوه بشكل مباشر وصريح.
اسم الربّ في المسيحية
أسماء الأقانيم الثلاثة يؤمن المسيحيون بالإله الواحد يهوه، ولكن من خلال ثلاثة أقانيم مختلفة، وهي الآب والابن والروح القدس.
بالنسبة لاسم الأقنوم الأول الآب (بمد الألف) فهو لا يعني الأب أو الوالد كما قد يتبادر إلى ذهن السامع، بل هي كلمة ذات أصل سرياني، دخلت اللغة العربية بمعنى الأصل أو الأساس، واختصت بالأقنوم الأول من الثالوث. أما الأقنوم الثالث، الروح القدس، فقد ذكر عدة مرات بصيغ مختلفة في الكتاب المقدس، منها روح القداسة، روح الله، روح الله القدس، روح الحق، روح المسيح، وروح الرب، الباراقليط.
أما أكثر الأقانيم الثلاثة إثارة للجدل فيما يخص أسمائه فهو الاقنوم الثاني، الابن، فهناك الكثير من الأسماء والألقاب التي عُرف بها السيد المسيح. وأشهر تلك الأسماء هو اسم المسيح أو الماشيح أو المسيا، وهو اسم يهودي عبراني الأصل، وكان يشير إلى ملك او كاهن أُدخل إلى هذا المركز رسمياً عن طريق مسح رأسه بالزيت المقدس، ويؤكد الحاخام اليهودي (روبن فايرستون) في كتابه (ذرية إبراهيم) أن اليهود كانوا يعتقدون أن أحد أبناء داود الملك، سوف يظهر ويحررهم من الظلم والجور الواقعين تحته، وأنه سوف يقيم ملكاً عظيماً، وأنه قد تم تخليد تلك الفكرة في كل من التلمود والمدراش.
ولما كان المسيحيون يعتقدون بأن (ابن مريم) هو نفسه ذلك الموعود الذي بشرت به كتب اليهود المقدسة، فأنهم خلعوا عليه لقب المسيح. الاسم الثاني لأقنوم الابن، هو يسوع الناصري، وهي تسمية معروفة ومستخدمة عند كل من اليهود والمسيحيين بينما لا يتقبلها المسلمين. وقد وردت تسمية المسيح بيسوع في الكثير من المقاطع في العهد الجديد، ومن ذلك ما ورد في إنجيل لوقا (وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى).
وكلمة يسوع مشتقة أصلاً من كلمة يشوع، والتي تسمى بها عدد من شخصيات العهد القديم مثل يشوع بن نون خليفة موسى في قيادة بني إسرائيل. ويشوع هي الكلمة الناتجة من إضافة مقطعين، وهما (يهوه) والتي تشير إلى اسم إله بني إسرائيل، و(شع) وهو فعل يعني يخلص، معنى ذلك أن كلمة يشوع أو يسوع هي (الله المخلص).
ومن يسوع جاءت كلمة (إيسوس) في اللغة اليونانية، والتي انتقلت بعد ذلك إلى العديد من اللغات الأوروبية الحديثة عبر اللغة اللاتينية. أما الناصري، فهي نسبة مكانية إلى مدينة الناصرة التي ولد فيها المسيح، والناصرة هي إحدى المدن التاريخية في فلسطين، تقع في منطقة الجليل وتبعد عن القدس ما يقرب من 105 كيلومتر.
أما التسمية الثالثة للابن، فهي (عمانوئيل)، وهي كلمة عبرية تعني (الله معنا)، وقد وردت في العهد القديم في سفر أشعياء في سياق جدال ما بين النبي أشعياء وأحاز ملك يهوذا، حيث بشر أشعياء بأنه سوف يأتي اليوم الذي تلد فيه العذراء طفلاً يُعرف بعمانوئيل، وبعد وقوع تلك الحادثة بما يقترب من 750 عاماً، ولد السيد المسيح، فأعتبر المسيحيون أنه هو المقصود من تلك البشارة، وأنه هو نفسه عمانوئيل المذكور في سفر أشعياء.
اسم الله في الإسلام
ما بين اسم الله الأعظم والأسماء الحسنى يُعرف المسلمون إلههم باسم الله، وهناك الكثير من الأقوال والنظريات التي تحاول أن تفسر أصل ذلك الاسم، منها ما أورده الدكتور كمال صليبا في كتابه المثير للجدل خفايا التوراة، من وجود علاقة ما بين اسم الله، والمعبود الكنعاني القديم إيل، وأن كلمة إيل قد تطورت لتتحول إلى الله.
وبالطبع يرفض بعض المسلمون ذلك الرأي، ويرون أنه وبفرض وجود أصل مشترك للكلمتين، فإن هذا لا يعني اشتراكهما في المعنى أيضاً، ذلك أن إيل كان إله وثني يُعبد في مناخ جاهلي تعددي، بينما كان الله ومنذ اللحظة الأولى في الإسلام هو إله واحد أحد لا شريك له.
وبحسب ما أورده العديد من العلماء المسلمين في كتاباتهم، ومنهم ابن القيم الجوزية وعبد الرحمن السعدي، فإن كلمة الله تعود في أصولها لكلمة إله، والتي تعني المعبود، وأنه قد تمت اضافة ألف ولام التعريف إليها، فأصبحت الإله، ثم حُذفت بعد ذلك الهمزة تخفيفاً، وحور اللفظ، حتى انتهى إلى كلمة الله.
على أن الله ليس هو الاسم الوحيد للرب عند المسلمين، فقد جاءت العديد من الآيات في القرآن الكريم، لتؤكد على أن لله مجموعة من الأسماء وصفت بالحسنى، ومن ذلك ما ورد في سورة الأعراف، آية 180، في قوله تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه).
ولم يرد في القرآن تفصيل لتلك الأسماء، بل نجد أن بعض كتب الحديث المعتبرة، ومنها سنن الترمذي وسنن ابن ماجة، قد أوردت بعض الروايات التي تسرد تسعة وتسعين اسماً لله عزّ وجل، وعُرفت تلك الاسماء بأسماء الله الحسنى.
وعلى الرغم من شهرة تلك الأسماء عند المسلمين، إلا أن الكثير من العلماء المعتبرين اعتبروا الروايات والأحاديث النبوية التي وردت فيها “ضعيفة”، فعلى سبيل المثال يقول شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية في مجموع فتاويه “وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كل منها من كلام بعض السلف”.
وفي الوقت نفسه، فقد وردت العديد من الأحاديث النبوية التي يشير فيها الرسول الكريم، إلى أن للّله اسم أعظم، وأنه إذا دعي به أجاب.
وبحسب ما يؤكد الإمام ناصر الدين الألباني، في كتابه سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فإن العلماء قد اختلفوا في تحديد ذلك الاسم للكثير من الآراء المختلفة، منها الرب والحي القيوم.
ولكن يذهب أكثر علماء الإسلام، إلى أن الاسم الأعظم المقصود في الأحاديث النبوية، هو الله، وذلك لأنه اسم يدل على جميع أسمائه وصفاته تعالى، وهو اسم لم يُطلق على أحد غيره عز وجل.
اقرأ للكاتب