غريغوار باربي يكتب : الفقر ليس مسألة مال فقط … بل شعور بالإقصاء أيضاً

نشر موقع swissinfo.ch تقرير حول الفقر فى سويسرا ، ومن وجهة نظر اليوم، يَرُدُ الصحفي والمدوِّن غريغوار باربي على التقرير ، ويتحدث عن تجاربه الشخصية ومشاعره بهذا الشأن. وبرأيه، لم يكن التقرير نَهجنا في مُعالَجة هذا الموضوع موفقاً، لإن الفقر ليس حالة “يُمكن التظاهر بها”.

نادراً ما يكون الفقر حالة يمكننا التنبؤ بموعد انتهائها، بل على العكس تماماً. إنه تراجع بطيء في السلم الاجتماعي، يؤدي حتماً إلى المزيد من خيبات الأمل، ويقود إلى إحباط يتنامى يوماً تلو الآخر. انه عبارة عن مُعاناة يومية.

في تقريرها حول هذا الموضوع ، لم تستطع الكاتبة للأسف أن تنقل مُجمل البُعد الإنساني لهذا الوضع: كل حالات القلق، والخجل، الشعور بالذنب، والحُزن التي تصبح القَدَر اليومي للأشخاص الذين لم تَتَبَقّ لديهم سوى فرصة وحيدة تتمثل بتلقي المساعدات الإجتماعية.

ومثلما لا يكفي التظاهر بالفقر لكي يكون الشخص قادراً على تقديم تقرير عن ذلك، لا يكفي أيضاً الاتصال بمكتب المساعدات الإجتماعية للاستفسار عن الاستحقاقات الشهرية للمستفيدين، لِفَهم ما يمرون به حقاً.

الافتقار إلى أي موارد أو ثروة

خلافاً للاعتقاد الشائع، فإن الحصول على الإعانة الاجتماعية نادراً ما يكون سهلاً. فلكي يكون المرءُ مؤهلاً لتلقي هذه المساعدة، لا بد أن يكون قد استَنفَدَ جميع سُبُل كَسب العيش الأخرى قبل ذلك. إنها آخر شبكة حماية في نظام الضمان الاجتماعي لبلدنا. والشخص المُتلقي للمساعدة الاجتماعية لا يملك أي موارد أو ثروة.

متى ما أصبح الشخص مُعتمداً على المساعدة الاجتماعية، سيبلغ ما يحصل عليه شهريا لتغطية تكاليف المعيشة 977 فرنكاً. ومن الناحية النظرية، يجب أن يُغطي هذا المبلغ تكاليف المواد الغذائية، والملابس، والترفيه، وفواتير الكهرباء، والهاتف، والإنترنت، ورسوم الإذاعة والتلفزيون، والمصاريف الطبية التي لا يغطيها التأمين الصحي الأساسي، والمدفوعات السنوية المُحتملة لضمان الإيجار الخاصة بشركة تأمين SwissCaution مثلاً، وغير ذلك.

أما أقساط الإيجار والتأمين الصحي فيتم تغطيتها وفقاً لمقاييس دقيقة. لكن مُتلقي الإعانات يتحمل أي تكاليف إضافية تزيد عن ذلك.

مع بَدَل إعالة قدره 977 فرنك شهرياً، والذي تدفعه معظم الكانتونات في العادة، يعيش المستفيدون بشكل مختلف حسب مناطق إقامتهم. ومع اختلاف تكلفة المعيشة من مكان إلى آخر يصبح التعميم صعباً. مع ذلك، يمكن أن نقول بيقين بأن هذا المدخول لا يوفر حياة رغيدة في سويسرا.

للحصول على دَعْم الرعاية الاجتماعية، يُلزَمُ الشخصُ أيضاً بتقديم مُستندات مُختلفة كل شهر، بما في ذلك كَشْف الحساب المصرفي. وسوف يقوم مكتب المساعدة الاجتماعية بِخَصْم أقل مبلغ إضافي يتلقاه المُستفيد – كأن يكون أحد الأصدقاء الذين يعيشون بعيداً قد بعث له مبلغ 200 فرنك بمناسبة عيد ميلاده – في الشهر التالي.

على المستفيد من الإعانات تَبرير جميع الإيرادات، والاحتفاظ بمستندات معينة، فموظفي الخدمات الاجتماعية لديهم تفسيراتهم الخاصة أحياناً. لذلك يتعين على الشخص أن يكون مُستعداً لجميع الاحتمالات.

 الفشل في بلدنا من المحرمات

في كل مرّة يتصل فيها مكتب الرعاية الاجتماعية بالمستفيد عبر البريد، أو يُلزمه باتخاذ إجراء ما، يتم تذكيره بالقانون الذي يوضح الوضع الخاص به. ومما يؤسف له اليوم في بلادنا، هو وجود افتراض مُسبَق بالذَنب تجاه الاشخاص المُحتاجين. وبسبب أقلية من الغشاشين الذين يسيئون استخدام النظام، يُعامل أغلبية المستفيدين من هذه المساعدات بوصفهم مُستَغِلّين هدفهم الوحيد هو خداع المجتمع والعيش متكلين على الآخرين.

 وعلى عكس صور البطاقات البريدية المُعتادة حول ثروة سويسرا ونجاحها الإقتصادي، يعيش شخصان من بين كل عشرة في البلاد في ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة. وبالنسبة للبعض من هؤلاء، يُعتبر طلب المساعدات الإجتماعية أمراً مستحيلاً بسبب الشعور بالخجل. ولكي يَتَجَنَّب هؤلاء الاشخاص النظرة المُشينة لمجتمعٍ لا يرحم، فإنهم يغرقون في المزيد من عدم اليقين، رغم توفرهم على حق الحصول على هذه المعونات.

 إنها حلقة مفرغة، لأن الديون تتراكم. وفي بلد يُحتفظ فيه بالمعلومات حول الملاحقات القضائية الخاصة بالفواتير غير المسددة لمدة خمسة أعوام  في سجل وطني أشبه ما يكون بجدار العار (حتى لو تمت تسويتها في الاثناء)، يصبح الخروج من هذا المأزق صعباً للغاية. فالفشل في بلدنا هو من المُحرمات.

 لا يمكن اختبار الفقر من خلال “تحقيق صحفي

الفقر في الأساس وضع مُجهد ومُرهِق عاطفياً ويتطلب الكثير من التضحيات، فالعيش بالحد الأدنى يعني الاستغناء عن جزءٍ كبيرٍ من الحياة الإجتماعية. ففي هذه الحياة، حيث كل شيء مرهون بالمال، كثيراً ما يجد المرءُ نفسه مُلزماً بإخراج محفظته لكي يكون قادراً على مرافقة أصدقائه إلى مكان ما، أو قبول دعوة أحدهم، الأمر الذي يُنَمّي الشعور غير المريح لدى الشخص بكونه من مُتلقي المساعدات وتشكيله عبئاً على المجتمع.

كل هذه المخاوف لا يمكن أن تُعاش في “تجربة” لا تتعدى الاسبوعين. هذه عملية طويلة الأجل. فالفقر ليس هاتفاً ذكياً أو مكنسة كهربائية يمكننا تجربتها لإطلاع القرّاء عنها.

ان الإقصاء والشعور بالوحدة الناجِمَين عن الفقر غالباً ما يؤديان إلى الاكتئاب. وهذا بدوره يُصعِّب الخروج من حالة الفقر يوماً ما. وللأسف، فإن الفقر في سويسرا أشبه ما يكون بالمَرض الذي يلتصق ببشرتك، ويُغَيِّر نظرة الناس إليك، والأسوأ من ذلك كله، نظرة النظام إليك.

لكن أيَّ شخص منا يمكن أن يقع في براثن الفقر، سواء كان مَريضاً أو بصحة جيدة، مواطناً أو أجنبياً… وفي أغلب الأحيان، تكفي مجرد زَلّة، أو حَدَث ما لكي ينزلق المرء إلى أسفل السلّم المعيشي دون حماية.

ان أفضل طريقة لإنجاز تقرير حول الفَقْر هي سؤال الناس الذين يعيشون هذه الحالة يومياً منذ سنوات. فَمَنْ غير هؤلاء يمكن أن يَعكس هذا الواقع المَرير بالطريقة المُثلى؟ لكن، ولسوء الحظ، لا يُمنَح هؤلاء الأشخاص غالباً فرصة التعبيرعن أنفسهم. أمّا القضايا المعروضة على المحاكم، والمُتعلقة بالمُحتالين الذين يسيؤون استغلال نظام الرعاية الاجتماعية، فيتم نشرها بشكل منهجي.

شكرا للتعليق على الموضوع