ياسين المصري يكتب : قانون الموت الإكلينيكي

تتعدد أشكال الإرهاب. ويظل أكثرها خطراً الإرهاب الفكري. إرهاب لا يقتل فرد ولا جماعة بل يقتل أمة، يجعلها بلا فكر وبلا أبداع  يجعلك تخشى أن تفكر، أن تعارض، أن تبدع، أن تحارب التخلف والعجز والمرض والفساد.

إنه طريق السقوط الذي جربناه سابقاً، جربناه حين كنا نقول من تمنطق تزندق، كما سقطت الأندلس حين حرمت الاشتغال بالفلسفة.

أسقطها أن أوقفت ما صعدت به أوربا، التي انفتحت علينا ولم تنغلق على نفسها وتعيش في أمجاد أجدادها من الرومان.

 إنه طريق الموت الإكلينيكي أو العيش بلا أمل، بلا حلم، بلا إنسانية. كيف بالإنسان أن يظل أنسانا لو حرم حق أن يفكر. وكيف لنا أن نحارب إرهاباً يقتل الأبدان لفرد أو جماعة بإرهاب يقتل النفوس لأمة بل يقدر أن يقتل أمم بأسرها، فتصبح الأمم بلا روح، بلا عقل.

كيف يصدر قانوناً يرى الرأي أثارة للبلبلة وتكدير للسلم في دولة دستورها ينص على حرية الرأي والحق في التعبير عنه بكافة الوسائل، فهل أنا حر في رأيي ما لم ينطق به لساني، أي حرية تلك.

أنها حرية من يقول لولا عجزي عن حكم ما يفكر فيه عقلك لأصدرت قانونا يعاقبك على ما تفكر فيه.

حرية تقول ما دمت لن تنطق فمع الوقت سيقف عقلك عن التفكير. سأقتل فيك روح الإنسان وأترك لك جسده، ولكنه جسد بلا روح، وحياة هي والموت سواء بسواء.

لقد أتى التطبيق الأول لمعاقبة من طالب بالتحقيق في شبهة فساد حول استيراد عقار طبي؟

قد تصح أو لا.

فلم أتى مدافعا عن من طالب بالتحقيق، ولا جلادا لمن طالب بالتحقيق معهم.

ولكن هل أصبحت المطالبة بالتحقيق سبة؟ وأصبح من يطالب بها متهم؟

لقد أتى هذا التطبيق الأول ليثبت أنه قانون أتى ليحمي الفساد، أتى ليحمي من على كرسي العرش يجلسون، لا من في الشوارع يتجولون. أتى ليقول إن هناك رجال فوق القانون، رجال التحقيق معهم جناية والمطالبة به تهمة.

لو توجه المرتبطون بتلك العملية يطالبون بالتحقيق في كلمات تسيء إليهم دون تحقيق في صحة تلك الكلمات لكان أهون من أن يكون ذلك توجه الدولة.

أخطأتم في تطبيقكم الأول، وكشفتم بها عيوب قانونكم.

لن يصبح قانونا لمنع الإرهاب أو منع التحريض عليه بل سيصبح قانونا ينادي بعودة المعارضة الورقية ولا أستطيع أن أصل بها حتى لدرجة الكرتونية

فلتعارض ولكن أعلم أن لمعارضتك حدود، بعدها تصبح تكدر السلم العام وتهدد المصلحة العامة للدولة.

ماذا تقولون لنا؟ أن المطالبة بالتحقيق عمل يعاقب عليه قانون الإرهاب.

فلنعيد قراءة الكلمات لقد أصبح التحقيق عمل إرهابي، وأصبح المحققون إرهابيون.

أم أن الجريمة كانت في المطالبة بتحقيق يجري مع ولاة الأمور . هل أضحوا فوق القانون؟!

أتعجب حقا حين أستمع للبعض يؤيد هذا ويتحجج بأننا لم نوجد بديلا

إن كنتم حقاً تؤمنون بذلك فأخرجوا من استوردوا المبيدات المسرطنة فهم لم يجدوا لها بديل

ما لكم كيف تحكمون!

أنه كاذب من أدعى أنه قانون لحقن الدماء والحفاظ على حياة المواطنين، فما لم تعالج تلك العيوب التي به.

فتلك الحياة هي الموت الإكلينيكي!!!

شكرا للتعليق على الموضوع