شمسو يقاوم بريشته عمالقة الطباعة الإلكترونية … و هوليوود تكرمه
تقارير – التلغراف : كثيرون يعتبرون أنّ الفيلم السينمائي يقوم على ركائز محددة هي: منتج ومخرج وكاتب وفريق عمل، ولكن قلّة من الناس تُدرك أهمية “الأفيش” الذي يعدّ النافذة التي يدخل من خلالها المشاهد إلى عمق الفيلم.
إنّه يختزل روحية العمل عبر صورةٍ تُساهم في جذب الجمهور أو إعراضه، وبالتالي فإنّه عنصر من عناصر النجاح أو الإخفاق.
ياترى كم مرّة شاهدنا فيلماً سينمائياً بعدما أعجبنا ملصقه الإعلاني؟
إلى أي حدّ كانت تجذبنا وجوه النجوم في تلك الصور؟
كم “أفيش” ألصقناه على جدران غرفنا؟
ولكن هل فكّرنا يوماً بالفنان الذي جعل من ملصق الفيلم صورةً مرادفة للعمل السينمائي نفسه؟
منذ بداية سينما الأبيض والأسود حتى مطلع الألفية الجديدة، كان الملصق السينمائي هو الوسيلة الدعائية الأهم في الترويج لهذا الفيلم أو ذاك.
وكان المنتج يلجأ الى رسامين محترفين بغية تصميم ملصقات سينمائية تتناسب وجوّ الفيلم، بعد إعطائه السيناريو للغوص في تفاصيل العمل.
وفي كثيرٍ من الأحيان، كان مصمّم الملصقات الإعلانية يتابع تصوير الأفلام لكي يتعرّف عن كثب الى الممثلين من خلال الشخصيات التي يجسدونها. وهذا ما كان متعارفاً في هوليوود، كما في مصر وسائر أنحاء العالم العربي.
ولكن عقب التطوّر التكنولوجي الهائل، بدأت هذه المهنة، مثل غيرها من المهن، بالأفول، فاستُبدل الرسم الطبيعي للملصقات بتصميم مطبوع تُنجزه شركات الإعلانات الكبرى بدلاً من الفنانين المتخصصين.
أمّا الملصقات السينمائية الطبيعية فلم يعد لها وجود سوى في المعارض والمتاحف فنية.
ومع ذلك، قليلون جداً من الأوفياء لهذا الفنّ ظلّوا متمسكين به لاقتناعهم بأنّ الصورة المطبوعة لا يمكن أن تسيطر على قوّة البورتريه وأنّ اللون الإصطناعي لا يسرق وهج اللون الطبيعي. الرسام الجزائري شمس الدين بلعربي، المعروف ب “شمسو”، هو واحد من أولئك الفنانين الملتزمين بالطريقة التقليدية في تصميم “البوستر” ورسمه.
سالناه عن هويته ، اجاب : إسمي شمس الدين بلعربي فنان تشكيلي متخصص في تصميم ملصقات الأفلام العالمية بالطريقة التقليدية أي عن طريق الرسم ، من مواليد 14 فبراير 1987 ببلدة عين تادلس ولاية مستغانم .
في البداية كانت اعيش في قرية صغيرة كنت ارعي الغنم مع خالي رحمه الله و بينما كنت امارس مهنة رعي الغنم في سن الخامسة كانت تمر بجانبي صفحات الجرائد و كانت تجذبني الصور البراقة لنجوم السينما فالتقط هذه الجرائد من علي الارض و اتمعن فيها و ارسمها بالعود في الرمال ، وعندما بلغت سن السادسة انتقلت الي المدينة لكي ادخل الي المدرسة و في المدرسة بدأ المعلمون يكتشفون موهبتي و بدات اعطي الأهمية لمادة الرسم اكثر من باقي المواد مثل الرياضيات والفيزياء .
و لكن انا من عائلة جد فقيرة و اضطريت الي التوقف عن الدراسة و الخروج الي الشارع لامتهان الرسم كحرفة مثل تزيين المحلات التجارية و الديكور لكن الشارع قاسي جدا .
تعرضت للاستغلال من قبل عديمي الضمير الذين امتصوا طاقتي الفنية و في بعض الأحيان كنت اعمل عند أشخاص و عندما اطلب اجر مقابل عملي كنت اتعرض التهديد و كنت صغير انذاك ، وعندما كنت اريد ان اخبر الشرطة يهددونني .
وعندما كنت امر بجانب قاعات السينما اشاهد الافيشات والصور الضخمة لنجوم السينما عند ابواب القاعة ، وعندما اعود الي البيت ارسم كل ما شاهدته علي اوراق الرسم ، والمشكلة اننا كنا نعيش في بيت مكسور السقف جزئيا و كنا نعاني في فصل الشتاء ، وأتلفت الكثير من رسوماتي بسبب المطر .
وكيف حافظت على موهبتك رغم تلك الظروف ؟ ، أجاب : بدأت أفكر ارسال أعمالي الفنية الي الخارج ، وفعلاً ارسلت كل الرسومات الي شركات الانتاج السينمائية عن طريق البريد
و بدأ الناس ينعتونني بالمجنون ، ولكن اتكلت علي الله لانه هو من اعطاني هذه الموهبة و واصلت المثابرة و العمل و لكن مرت السنوات و لم اتلقي اي رد ، وواصلت العمل في الشارع لكن بسبب المشاكل تأثرت صحتي ، ودخلت في مرحلة صعبة جدا و بدات اعمل في المعامل و تاثرت صحتي و دخلت المستشفي مدة ثلاثة أشهر وبعدها بدأت حالتي في التحسن.
حتي جاء يوم تلقيت فيه رسالة من منتج ارجنتيني يعمل بالشراكة مع هوليوود و عرف بأعمالي في الأوساط السينمائية و بدأت اتلقي الطلبات من المخرجين و المنتجين و عملت الكثير من ملصقات الأفلام العالمية.
وفي سؤالنا له عن سبب تمسكّه بمهنة شبه منقرضة في عالم صناعة السينما، أجاب قائلا: “يتمثّل عملي الفني في رسم ملصقات الافلام وتصميمها، وهو فن قديم تأسس مع اليونانيين ومن ثمّ تطوّر في أوروبا وبلغ ذروته في هوليوود. وكانت مصر من أهم الدول التي احتضنته عربياً وطورته.
وأنا كنت من عشاق السينما واستطعت أن أمزج بين موهبتي في الرسم وبين شغفي بالسينما من خلال رسم ملصقات سينمائية راسخة في ذهني.
وقد تمسكت بذا العمل تقديراً مني له، وإيمانا بأنّ الفنانين الحقيقيين يحترمون هذه المهنة.
لا أنكر أبداً أنّ هذا الفن، في خضم التكنولوجيا الرقمية، لم يعد رائجاً وأصبح حضوره مقتصراً على المتاحف وعلى هواة جمع الملصقات القديمة.
لكنني عمدت الى تطوير فكرة رسم الملصق وعصرنتها بما ينسجم مع العصر، عبر إضافة تقنيات جديدة وعصرية تجعله يقترب من الإبداع الذي نجده في الملصقات الحديثة في هوليوود”.
فن مهدد
وعن الدوافع التي تجعله قوياً أمام تحديات هذه المهنة وأزماتها يقول: “مادام الفنان متمسكاً بعمله، فإنّ مهنته لن تنقرض، مهما اختلفت ظروفها أو تراجعت نسبة الإقبال عليها. وهذا الفنّ الذي بات غريباً في مجتمعاتنا كان مثارا للسخرية في بداية طريقي، وتحديدا من أشخاص يحيطون بي، لكنه في مرحلة لاحقة سمح لي بأن أتواصل مع العالم من خلال معارض كثيرة وأن أصل إلى بعض نجوم هوليوود عبر رسم محطات في حياتهم أو إعادة رسم ملصقات أفلامهم الشهيرة بأسلوب جديد حصد إعجابهم، ومنهم رسمة للملاكم العالمي محمد علي كلاي وزوجته الأميركية خليلة علي، وملصق من فيلم لجان كلود فان دام الذي عبّر لي عن سعادته بالعمل من خلال نشره صورة له وهو يحمل اللوحة”.
هذا الجواب قادنا نحو سؤال عن كيفية وصول أعمال شمسو إلى مشاهير عالميين نشروا صورهم بجانب أعماله، فأجاب قائلاً: “وصولي إلى مشاهير السينما العالمية كان في شكل تدريجي.
أولاً، اعتمدت على الرسائل البريدية التي كنت أرسلها لهم أو للمسؤولين عن إدارة أعمالهم. وعلى رغم كثرة الإيميلات التي تصلهم، استطاعت هذه الأعمال أن تجذب اهتمام بعضهم ممن ردّ على رسائلي بالإعجاب.
وكان أول رد تلقيته من المنتج الهولندي سالار زرزا، وهو رئيس شركة انتاج يعمل بالشراكة مع استوديوهات هوليوود، فأعجب بأعمالي و قدمها الي المنتج و الممثل السينمائي الكبير محمد قيسي الذي يعتبر من عمالقة السينما الهوليودية في ثمانينيات القرن الماضي.
بعدها تلقيت رسالة من عائلة الملاكم محمد علي كلاي ومن ثمّ وصلتني رسالة من الممثل الهوليودي الشهير بريس ديفسن، قبل أن التقي في إحدى المناسبات بوفد سينمائي يرأسه الممثل الكوميدي وبطل الملاكمة السابق جيمي غوراد.
بعدها، تطورت العلاقة معهم وتحولت إلى علاقة عمل وتلقيت طلبات لإنجاز ملصقات الافلام الهوليودية، منها فيلم Garra Mortal وBucks of America وIslamophobia وغيرها. وثمة فيديو تكريمي نشرته على صفحتي على الفايسبوك يجمع عدداً من المشاهير والمنتجين ممن يدعمون عملي لكونهم اعتبروني من الفنانين القلائل المتمسكين برسم الأفيش السينمائي وتصميمه بأدوات تقليدية، على رغم كلّ التحولات والتحديات”.
لا ينكر شمس الدين بلعربي أن عمله يشبه النحت في الحجر، لكنه سعيد جداً بما وصل اليه، فهو رسم ملصقات لأفلام عالمية أهمها “خارج الإنتقام”، والذي فتح أمامه أبواباً كثيرة. ومع ذلك، يُفضّل شمسو ألا يترك بلاده وأن يلقى الدعم الداخلي حتى يكمل ما بدأه. ويختم قائلا: “أطمح إلى فتح مدرسة عربية تعلّم هذا الفن لجميع الراغبين والموهوبين حفاظاً عليه من الإندثار، كما سبق أن اندثرت فنون أخرى جميلة ومهمة. أحب أن أساهم في تطوير مهارات الشباب وفي تعزيز مساحة الفنّ في حياتنا المثقلة بالهموم والأزمات.
الرسام الجزائري شمس الدين بلعربي
الفنّ هو في الأساس تربية ورسالة وجمال، وأظنّه خلاصنا من شرور هذا العالم”.