ندى معوّض تكتب: الأنا “سلبياتها مشكلة المشاكل وإيجابيّاتها حلّ الحلول”
“ما أعنفهُ صراعًا، وما أقساها حربًا تلك التي يشنّها الإنسان على نفسه، ضدّ سلبيات نفسه…” هكذا استهلَّ بطلُ كتاب الإيزوتيريك “رحلة في خفايا الذات الانسانية” سرد تجربته “صراع النفس” في الصفحة 42.
صراع النفس الذي كان يخوضه بطل الكتاب المذكور هو حرب بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى: حرب النور ضدّ الظلمة، حرب الإيجابيات ضدّ السلبيات، حرب الوعي ضدّ اللاوعي وغيرها من الحروب التي يشنّها الشخص الواعي في “ساحة” نفسه… تلك النفس التي ما هبطت من مجدها يومًا إلا بسبب الإغراءات التي استساغتها وتمادت بها الأنا البشرية (أو ما يُعرف بالإنكليزية بالـ ego)، مشكلة المشاكل…!
تبدأ الأنا بالظهور أولًا من خلال السماح لللاوعي بالتّسلل عبر “الفراغات” في أجهزة الوعي في كيان المرء. المقصود بالفراغات هنا هو الفراغ الفكري، الفراغ العاطفي، فراغ الوقت، وحتى الفراغ المادي. ولعل أكبر فراغ جاذب لللاوعي هو ذلك الذي تُحدثه كلّ تجربة منتقصة أو غير مكتملة، أي عندما لا يتعلّم الإنسان من تجاربه ولا يعمل على فهم مغزاها، بل يلوم كلّ شيء أو أي شيء إلّا نفسه.
معلومٌ أيضًا أنّ الأنا تحبّ الظهور وتتعشّق استعراض مواهبها أمام الآخرين، وهي غالبًا ما تختارُ أشخاصًا ضعفاء لتعزّز سُلطتها وتُغذّي تسلّطها، فتغدو كمرضٍ خبيثٍ ينمو ويكبر وهو يتفشّى بسرعة وقد يدمّر في نموّه ما حقّقه الإنسان من صفات الرقّة والتفهّم والتواضع إلخ! والخطير في عمل الأنا أنّها تولّد سلبيات أخرى كالكذب والخيانة وتلفيق القصص واختلاق الأعذار والمبرّرات لأعمالها السلبية… هذا ناهيكم عن الفوضى التي ستعم حياة المرء نتيجة عدم التنظيم وتأجيل الأعمال وإرجاء الأمور… باختصار، الأنا البشرية تولّد تلك السلبيات التي تعزّز وجودها وطغيانها على أبعاد النفس لتعتلي عرش ظلمتها على رأس جيش عرمرم من السلبيات التي تمضي بالإنسان تقهقرًا في أودية سحيقة لا قعر لها…
تلك كانت الأنا، كمشكلة المشاكل… ولكن متى هي أيضًا حلَّ الحلول؟؟؟
حين تعشق الأنا البشرية أناها الإلهية وتتوق إليها… حين تعمل النفس الدنيا (النفس البشرية) بموجب منطق الذات العليا (الذات الإنسانية)… بصدق وشفافية والتزام، كما يشرح منهج الحياة التطبيقي العملي لعلوم باطن الإنسان – الإيزوتيريك. والأهم حين يحافظ المرء على كرامة نفسه وعزّتها… فبالمحافظة على كرامته، يحافظ الإنسان على استدامة المبدأ كركيزة يبني عليها حياته وأهدافه وبالتالي مسلكه وتصرفاته وقراراته ومواقفه… والعكس صحيح. فعندما تُنتهك الكرامة، يُنتهك المبدأ، ما قد يؤدي إلى سقوط المرء في ظلمة قاتمة.
من ناحية أخرى، إنّ ما يُثير الأنا قطبان، إمّا عدم الثقة بالنفس وإمّا المبالغة بها. فكيف السبيل إلى تقوية الثقة بالنفس من دون “نفخ” الأنا؟
والجواب الذي يقدّمه الإيزوتيريك هو: بإتقان الأعمال. فعوضًا عن السعي إلى المنافسة والبروز وحبّ الظهور، على المرء أن يسعى إلى إتقان عمله فحسب. لأن درجة الإتقان هي ما تقيّم العمل، وهي اللّسان الذي يتكلم به العمل عن مُنْجزِه… وهذا لا يُبقي مكانًا للغرور والتشاوف فقط، بل يعزّز الإتّكال على النفس أيضًا.
أما لتعزيز الثقة بالنفس فعلى المرء الإيمان بالهدف (المعرفي) الذي وضعه لنفسه… عليه أيضًا الاعتصام بالمبدأ، وتحويل الانتشاء، لا سيّما الانتشاء بالانجازات المعرفية والمديح والتعظيم، إلى نشوة النبض الذي يسري امتنانًا للدرب، غبطة بالمعرفة ومحبّة لها، وبقدر ما تشتدّ المحبّة تتروّض الأنا البشرية… عندها، وعندها فقط يُبدع العقل في إنجازات إنسانية تستأهل أن يُخلّدها التاريخ.
اقرأ للكاتبة
ندى شحادة معوّض تكتب : حس الجمال … كيف نصقله؟