عبد العظيم المغربي في ذمة الله

قد يؤبن المرء أخاً أو صديقاً أو عزيزاً أو رفيق درب، لكن من الصعب عليه أن يؤبن نفسه. لذا، فقد كان صعباً علي أن أؤبن شخصاً اسمه عبد العظيم المغربي. لكن، والمصاب جلل، والفراق قاس، والخسارة في حجم الكارثة، كان لابد من قبول قدر الله، خاصة في حق شخص كان إيمانه بالله فوق كل اعتبار.

من أين أبدأ؟ هل أعود الى سنة 1980 التي جمعتني يعبد العظيم في مؤتمر اتحاد المحامين العرب بالرباط والذي كان عبد العظيم أحد المشرفين عليه، حيث كان أميناً عاماً مساعداً لدولة المقر، وأعطى دفعة قوية لالتئام اللجنة التحضيرية للمحامين الشباب العرب، التي كان بعض شيوخ المهنة لا يطيقون سماع اسمها؟ أم أبدأ وأنتهي بأربعين سنة، تلت ذلك، تعلمت خلالها من عبد العظيم الشيء الكثير؟ أربعون سنة كنت خلالها كلما بحثت عن الطهر والإخلاص والوفاء والتشبث بالثوابت والإيمان بحتمية النصر والعمل المتواصل من أجل قضايا الأمة وبالدفاع عن حاملي مشعل الحرية والمؤمنين بحتمية التغيير وقطع دابر الفساد والاستبداد والرافضين للتبعية والمقتنعين بثقافة المقاومة سبيلاً للتحرير والوحدة، وكلما أحسست بالضيق وبتقلص فسحة الأمل إلا ولجأت إلى عبد العظيم لأجد كل ذلك وغيره، مما يعطيني شحنة إضافية تساعدني على الاستمرار.

هل أتحدث عن عبد العظيم القائد الناصري المسلم المؤمن المقتنع الجامع، الذي يفرض نقاؤه الاحترام على الأصدقاء ورفاق الدرب والخصوم على السواء؟

هل أتحدث عن عبد العظيم الذي يصول ويجول في المؤتمرات بحنكة وحكمة وثبات وسعة أفق، مما جعله يصبح رمزاً من رموز النضال القومي، داخل مصر وخارجها؟ في المؤتمرات والملتقيات العربية والدولية، وهو من لم يتخلف عن مؤتمر أو ملتقى مهما كانت ظروفه الصحية على الخصوص، حتى وقد أصبح ملزماً بغسل الكلي ثلاث مرات في الأسبوع؟ ولعل آخرها الندوة العربية التي نظمتها مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة منذ نحو السنة في موضوع ” في الحاجة إلى الكتلة التاريخية” حيث اتصلت به لأخبره بالأمر، ولأقول له بأنه “غير مدعو نظراً لحالته الصحية وسيبلغ بتفاصيل الندوة أولأً بأول، فإذا به يهاتفني بعد ذلك ليخبرني بموعد سفره إلى المغرب للمشاركة في الندوة، وليقول لي ” كيف تريدني أن أغيب عن هكذا ندوة يا خالد؟” وعندما أتى خاطبني أمام المشاركين قائلاً وهو يضحك: أنت سفاح يا خالد! كيف تسمح لي برحلة العذاب هذه؟ فقلت له: كنت سأكون سعيداً لو لم تأت ولكنني أسعد بكثير لأنك أتيت.

وهل أتحدث عن عبد العظيم ولقاءاتنا الساخنة داخل قاعات المحاكم في المحاكمات السياسية، وما كان يتعرض له من مضايقات بسببها وبسبب جرأته وحصافته وقدرته على تحويل محاكمات السياسيين إلى محاكمة لمن يحاكمهم؟ واللائحة طويلة. أكتفي بالإشارة منها إلى حضوره سنة 1992 إلى محاكمة القائد النقابي نوبير الأموي حيث وصل إلى المغرب ليلة عقد الجلسة وعزمناه على العشاء، ثم أخذته إلى الفندق. وعندما ذهبت إليه صباحاً ليصحبني ألى المحكمة لم أجد له أثراً في الفندق، وقيل لي بأنه غادر الفندق مع ثلاثة أشخاص”أصدقاء”، ثم علمنا أنه قد تم ترحيله في منتصف الليل إلى القاهرة؟

أم أتحدث عنه وهو يسهر على تنظيم محاكمات شعبية للإرهابيين الصهاينة والأميركيين والتي كانت أهمها محاكمة بوش وبلير وشارون في القاهرة  والتي ترأسها مهاتير محمد والتي تعتبر من أهم المحاكمات الشعبية، إذا لم تكن أهمها؟ أو وهو يسهر على تأسيس هيئة التعبئة الشعبية العربية التي ضمت كافة المؤتمرات والاتحادات المهنية القومية في الوطن العربي؟  أو وهو يتابع ويساهم في تأسيس  الإئتلاف الدولي  لملاحقة مجرمي الحرب ؟ أو وهو يساهم بفعالية في تأسيس اللجنة القانونية الدولية لنصرة فلسطين، بل ويؤسس مركز توثيق الجرائم الصهيونية والأميركية؟

هل أتحدث عن عبد العظيم المغربي الفلسطيني الذي لم يتخل أبداً عن اعتبار فلسطين هي البوصلة، والذي حضر ونظم العديد من المؤتمرات والمنتديات والملتقيات حولها؟ أم عن عبد العظيم العربي الذي لم يتخلف عن أية قضية عربية، والذي كان دائماً عنصراً جامعاً فيها مؤمناً بدور الحوار بين مكونات الأمة الأساس ، وبالفلسفة التي قام عليها المؤتمر القومي – الإسلامي والتي ساهم في بلورتها، وأصبح من الأقطاب الأساسيين لهذا المؤتمر وعضو لجنة المتابعة فيه؟ أم عن عبد العظيم الإنسان الذي أحب زوجته شيرين، رحمها الله، حب المراهق، وحضن عائلته وأبناءه دون أي إهمال، رغم التزاماته الوطنية والقومية والمهنية؟

ماذا أقول أيها الحبيب الكبير، أيها الغالي على عائلتك وعلى وطنك وأمتك، وعلى كل من عرفوك؟ لولا أصول التأبين، والتي أعلم أنني خرقتها، لكان الحديث عنك يتطلب كتابة مجلدات، وليس بعض الصفحات.

عبد العظيم… أيها القائد المعلم، أيها النموذج، أيها المخلص الأبي الكريم، أيها المعتز بوطنك وبأمتك وبثوابتك.

 أيها العزيز الغالي سأكتفي بهذا الجزء اليسير عنك، وأقول لك، باسمي وباسم كافة مكونات وأعضاء المؤتمر القومي – الإسلامي… سلاماً … سلاماً… ستبقى معنا دائماً، وستبقى حاضراً فينا.

يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.

إنا لله وإنا إليه راجعون

المنسق العام للمؤتمر القومي-الاسلامي

 خالد السفياني

اقرأ ايضآ

عبد المجيد هلال فى ذمة الله

شكرا للتعليق على الموضوع