إلهام مانع تكتب: يجب أن نتضامن مع ماكرون
ينبغي أن نعبّر عن تضامننا مع ماكرون ومع فرنسا في الجدل الذي اندلع حول الإسلاموية بين الغرب ودول عربية”.
هذا ما كتبته إلهام مانع، أستاذة العلوم السياسية بسويسرا والناشطة في مجال حقوق الإنسان.
في الثاني من أكتوبر الماضي ألقى الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون خطابًا حول كفاحه ضد النزعة الانفصالية، مما أثار ردود فعلٍ كثيرة.
قال ماكرون بأن المشكلة هي “الانفصالية الإسلامية” التي تضع دينها فوق قوانين فرنسا ومبادئها، كالمساواة بين الجنسين مثلاً، وأعلن عن سلسلة إجراءات لوقف الانعزالية. على سبيل المثال، لم يعد مسموحًا تلقّي الدراسة في المنازل، إلا لأسبابٍ صحيّة.
ولكن بدلاً من التركيز على القضايا المثارة، فقد وُجِّه اللوم إلى ماكرون بأنه “يُحقّر المسلمين” ودعت دولٌ إسلامية إلى مقاطعة فرنسا.
ما الذي يجري هناك؟
يتعلق الأمر باستراتيجية غالبًا ما تُستخدم من قبل دول ومنظمات إسلامية، وتهدف إلى صرف الانتباه عن الموضوع الفعلي، وهو الإسلاموية، وإلى الخلط بين هذه وبين المسلمين والإسلام، وتلجأ إلى خطاب الضحية الذي يتّبع دائمًا الأسلوب نفسه: “الإسلام يُهاجَم، المسلمون يُحقَّرون، والعالم يتفرّج”.
أنا كأكاديمية سويسرية من أصل يمني، ذات معتقد إسلامي، ومن بين ما تُدرِّس وتُجري البحوث فيه، الأيديولوجية والسياق الفكري وعواقب الإسلاموية في أشكالها المختلفة، أدعم إجراءات الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، فهو قد سمّى المشكلة باسمها، والقيام بهذا يحتاج إلى شجاعة.
أدعم ما كرون لأن المشكلة موثقة بشكلٍ جيّد: بالنسبة لمثال المدارس الفرنسية، ففي العام 2004 برهن المفتش العام لشؤون التعليم آنذاك جان بيار أوبين في تقرير له على وجود رؤية انفصالية. استناداً إلى عمل ميداني شمل 60 مدرسةً أشار التقرير، من بين عدة قضايا، إلى مراحيض بمغاسلَ للمسلمين منفصلةٍ عن مغاسل الفرنسيين، وأماكنَ منفصلة في قاعات الرياضة لتبديل الملابس. أحد الموظفين المحليين أوضح سبب أماكن تبديل الملابس المنفصلة على النحو التالي: “الشباب المختونون يجب ألّا يجالسوا الشباب غير الطاهرين”، نعم، هذا ما قاله بالضبط.
يوثق التقرير أيضًا كيف تُجبَر الفتيات على الزواج بين سنَّي 14 و15، ويشير إلى الاستراتيجية السياسية في الاختراق والتسلل التي يشجعها الدعاة المسلمون للانخراط في وظائف مدرسية معينة بهدف الدعوة الإسلامية.
إهمال الدولة الفرنسية
بالطبع يمكننا أن نجعل توقيت خطاب ماكرون موضع تساؤل، فقريبًا هنالك انتخابات، وما يصح أيضًا هو أن الدولة الفرنسية كانت سببًا في جزءٍ من المشكلة ذاتها، وذلك من خلال إهمالها للضواحي. على وجه الخصوص، نشأت في ضواحي العمال في المدن الكبيرة مجتمعات إسلامية مغلقة أصبحت في النهاية مناطق تجنيد خصبة للجماعات الإسلامية، فالشباب هناك تُركوا للبطالة والفقر والشعور بعداوة الأجانب، وكذلك لقواعد السلوك الذكوري.
غياب الدولة ترك فراغًا ملأته هياكل إسلامية مدعومةً بسخاء من حكومات ومنظمات إسلامية عابرة للحدود الوطنية.
سويسرا ليست جزيرة
هذه الأنماط والهياكل يمكن ملاحظتها ليست في فرنسا فقط، فهي موجودة أيضًا في دول أوروبية أخرى.
لكن عندما يتعلق الأمر بسويسرا لا يمكن مقارنة الوضع بفرنسا، فمن جهة لا يوجد في سويسرا هذا النوع من المجتمعات المنعزلة المغلقة، ولكن هنالك توجهات في بعض المدن التي فيها حضور قوي جدّاً لبعض الإثنيات والطبقات، مثال ذلك في كانتونات بازل المدينة وزيورخ وجنيف وفو وفريبورغ، إلّا أن سويسرا ليست جزيرة ولن تبقى مصانةً من التطورات التي تحدث حولها. الحادث الإرهابي الأخير في النمسا وارتباطه بسويسرا مؤشر على ذلك.
لكنني لا أتحدث عن التوجهات الجهادية فقط، بل عن الأيديولوجية الإسلاموية (الإسلام السياسي) ونظرتها للعالم، وهذه منتشرة بشكل خاص في كانتونات غرب سويسرا.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت دراسةٌ لجامعة لوتسيرن مبدئيًّا وجود قناعات دينية سياسية معادية للديمقراطية لدى جزء من الشباب المسلم (21%) في سويسرا. كيف تنشأ هذه القناعات وكيف يتم الدفع إليها، بالدروس الدينية مثلاً أم بالتربية الأبوية المتسلطة؟ هذا ما لم يُعالَج في الدراسة.
لذلك فإن الوقت قد حان لفحص هياكل التعليم الديني في جوامع سويسرا التي ترتبط بحركات إسلامية بدقة أكثر، كذلك الهياكل الدينية التابعة لدول تشجع الإسلام السياسي. أنا أدرك حساسية الموضوع، ولكن فقط بالدراسة والبحث الدقيقين نستطيع مواجهة المشكلة دون وصم جماعة دينية بأكملها.
بالإجراءات الفرنسية يُفترض أن تُعالَج مشكلة جديّة بقيت وقتًا طويلاً دون مسّ. ينبغي أن نعبر عن تضامننا مع ماكرون وفرنسا. ماكرون يتخذ بشجاعة موقفًا ضد أيديولوجية الانفصال، أقترح أن نستمع لرسالته بدلاً من أن نُغرقه بالنقد بسببها، فالأمر يتعلق بنا، بنا جميعًا.
اقرأ ايضاً
ألكسندر أفونسو يكتب: لماذا يتجاهل الناس دائماً هويتي السويسرية