محمد عمارة يكتب: الصهيونية المسيحية والمشروع الصهيوني
“إن التاريخ العالمي يمكن تلخيصه في جملة واحدة : الأمم التي تساند إسرائيل يباركها الله، والأمم التي تعادي إسرائيل يلعنها الله”، هكذا يؤطِّر القس جون هاجي أحد رواد تيار الصهيونية المسيحية الموقف الحقيقي لهذا التيار من إسرائيل، حيث المساندة المطلقة لها والعداء المطلق مع أعدائها.
وهو الموقف المُتأسِس على قناعات دينية عميقة، لكنها في حقيقة الأمر قناعات خاطئة ومنحرفة، إذ تبلورت في ظل قراءة حرفية ومجتزأة ومؤدلجة للنصوص الدينية المسيحية.
لذا، فالتيارات والمذاهب المسيحية الأخرى ترفضها رفضاً شديداً، مؤكدة أنها لا تمثل المسيحية الحقة في شيء والتي جوهرها التراحم والتسامح الديني والإنساني.
ففي بيان مجلس كنائس الشرق الأوسط الصادر في عام 1986م، تم وصف الصهيونية المسيحية بأنها تعبر عن:”سوء توظيف للكتاب المقدس، وتلاعبًا بمشاعر المسيحيين في محاولة لتقديس إنشاء دولة من الدول وتسويغ سياسات حكوماتها”، كما أن الأب عطا الله حنا ممثل الكنيسة الأرثوذكسية في القدس كان قد أعلن أن الجماعات المسيحية الصهيونية لا تمت للمسيحية بصلة، فيما أكد القس إكرام لمعي ممثل الكنيسة الإنجيلية بمصر أن الكنائس الكبرى ضد هذه الحركة، إذ ترفضها شكلًا وموضوعًا، ويضيف الأب جورج عطية:”إن المسيحية لم تعرف لا بشرقها ولا بغربها وعلى مدى قرونها كلها أي ميل لقبول أي فكرة صهيونية؛ وذلك بسبب التصادم الجذري بين المفهومين، بل يمكن القول أن المسيح رُفض وصُلب من اليهود، لأنه لم يرد أن يكون صهيونيًا، فقد حاولوا هم أن يجعلوه ملكًا أرضيًا بمفهومهم الصهيوني”.
وتُمثَّل الصهيونية المسيحية في الوقت الحالي واحدة من مُحدِّدات صنع القرار السياسي الإسرائيلي، ودفعه نحو التشدد وتبني أقصى أطروحات العنف ضد الفلسطينيين، بل هي الأهم على الإطلاق، والأكثر تأثيرًا، بما تُقدِّمه من دعم مادي يفوق دعم المنظمات والجماعات اليهودية حول العالم لإسرائيل، وكغطاء سياسي يُمثل عقبة كأداء أمام المجتمع الدولي تحول دون اتخاذه ردود أفعال حقيقية ضد جرائم الكيان الصهيوني، وبخاصة المتعلقة بالاستيطان في الأراضي المحتلة، والذي تدفع به الصهيونية المسيحية إلى حده الأقصى تعجيلًا بالخلاص الديني.
كما أن هناك علاقة وثيقة بين الصهيونية المسيحية واليمين اليهودي الصهيوني داخل إسرائيل، فالاثنان يدفعان القرار السياسي الإسرائيلي نحو مزيد من التشدد فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، إذ ينطلقان من ذات الإستراتيجية، وهي إستراتيجية تقوم على محورين: مزيد من الاستيطان، ومزيد من القتل والإبادة للعرب.
كما يشتركان في ذات الرؤى الخلاصية، وإن كانت بصيغ مختلفة بعض الشيء، إذ أن نهاية العالم وفقًا للاثنين سيسبقها مذابح ودمار، وهو أمر من شأنه أن يبرر عمليات القتل ضد الفلسطينيين، كما أن على المؤمنين(الأنا المسيحي الصهيوني أو اليهودي الصهيوني) تطهير الأرض المُقدَّسة من الأغيار(العرب) طردًا أو إبادة.
كما يشتركان في السعي لهدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل مكانه ليتسنى المجيء الثاني للمسيح، فوفق معتقداتهم، يُعد بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى شرطًا أساسيًا من دونه لن يأتي المسيح المُخلِّص.
ولك أن تعلم أن دعمها المادي للكيان الصهيوني يفوق دعم الصهاينة اليهود أنفسهم، بل إنه في حين يزداد الأول (دعم المسيحية الصهيونية لإسرائيل) بمرور الوقت، يتقلص الثاني (دعم المنظمات والجماعات اليهودية حول العالم لإسرائيل)، وهي ظاهرة في حاجة لمزيد من البحث والدراسة لمعرفة مآلاتها وانعكاساتها على مجريات الصراع العربي الإسرائيلي، بل ومن دون مبالغة على مصير البشرية كلها، وإلى أين تتجه في ظل تنامي هذا التيار وحشده لمعركة نهاية العالم، وحتمية فناء غالبية بني الإنسان في تلك المعركة، بحسب زعمهم.
بدايةً يتم تعريف المسيحية الصهيونية باعتبارها تيار ديني انبثق من داخل المسيحية، يرى أن هناك خطة إلهية مرسومة سلفًا، تضع جدولاً زمنياً لتاريخ العالم، وصولًا لمعارك آخر الزمان التي سيتم حسمها لصالح المسيحيين الصهاينة، والتي ستكون فلسطين مسرح أحداثها، تلك المعارك التي سيقودها المسيح بنفسه.
فهي تؤمن بمجموعة من المعتقدات الدينية التي تدور في مجملها حول تأييد قيام دولة يهودية في فلسطين ودعمها بكل السبل، باعتبار أن عودة اليهود إلى الأرض الموعودة، وفرض سيطرتهم على القدس، وتشييد الهيكل مكان المسجد الأقصى، هو ضرورة حتمية لكي يبدأ عصر الخلاص الديني المسيحي.
لقد أحدثت المسيحية الصهيونية تحريفًا فجًا للعقيدة المسيحية، ففرَّغتها من أبعادها الروحية، ومن ثم أضحت لديهم لا تعدو كونها برنامجًا إلهياً للقتل والدمار.
وعلى هذا الأساس، فهناك من يحلو له أن يدرجها ضمن نظرية المؤامرة، بأنَّ من وضعوا الأساس التنظيري للمسيحية الصهيونية في بداية الأمر هم من اليهود الذين ادَّعوا اعتناقهم المسيحية، ومن ثم عمدوا إلى إفساد العقيدة المسيحية من الداخل عبر العبث بمعتقداتها، بل وتسخير تلك المعتقدات لخدمة المشروع الصهيوني.
وقد جاءت النشأة الأولى للمسيحية الصهيونية كجماعة دينية في إنجلترا، في القرن السابع عشر، ثم انتشرت في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكثير من دول العالم، وبمرور الوقت أخذت تلك الحركة أبعادًا سياسية، تمثلت في مساعدة اليهود بكل الوسائل المتاحة: مادياً وسياسياً، من أجل توطينهم في فلسطين، وإقامة دولة لهم.
ويعتبر القس الأيرلندي جون نيلسون داربي (1800- 1882م) بمثابة المُنظِّر الأكبر للمسيحيين الصهاينة والمؤسس لدعائم فكرهم، فلقد تمركزت أطروحات داربي حول وجود مملكتين: الأولى مملكة أرضية مادية وعد الله بها اليهود، والثانية وهي المملكة الروحية التي وعد الله بها المؤمنين من المسيحيين الصهاينة.
كما يُعد القس جيري فالويل (1933-2007م) أحد أعمدة المسيحيين الصهاينة في أمريكا في العقود الماضية، إذ لعب فالويل دورًا كبيرًا في توجيه القرار السياسي الأمريكي نحو مساندة الكيان الصهيوني، وكان يزور الأراضي المحتلة باستمرار، حيث كان يحرص دائمًا على تفقُّد المواقع العسكرية الإسرائيلية، لمباركة ودعم العسكريين الصهاينة، وحثهم على احتلال المزيد من الأراضي ومن ثم استيطانها.
وتعبيرًا عن قناعاته بأهمية قيام إسرائيل قال فالويل:”إن اليوم الذي تم فيه إعلان قيام إسرائيل هو أهم الأيام على الإطلاق منذ صعود المسيح للسماء” .
وحول تبريره الديني دعمه المطلق لإسرائيل، يقول جيري فالويل:”إن الذين يباركون إسرائيل يباركهم الله، والذين يلعنون إسرائيل يلعنهم الله” .
ونتيجة لجهود فالويل الكبيرة في خدمة الكيان الصهيوني، فقد منحه مناحم بيجن وسام جابوتنسكي، وكان أول غير يهودي يحصل على هذا التكريم.
وتتحرك المسيحية الصهيونية في ثلاثة محاور رئيسية، وهي:
المحور الأول : قراءة النصوص الدينية المسيحية قراءة مؤدلجة، من شأنها تعضيد المشروع الصهيوني، وإضفاء المشروعية الدينية عليه.
المحور الثاني: مساندة إسرائيل بشكل مطلق، ودعمها بكل السبل: سياسيًا وماديًا حتى اكتمال خطط الاستيطان وهدم المسجد الأقصى، لبناء الهيكل المزعوم مكانه.
المحور الثالث: تأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، للإسراع والتعجيل بمعارك نهاية الزمان.
هكذا يؤكد المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي حقيقة دور تيار المسيحية الصهيونية في مساندة المشروع الصهيوني منذ بداياته الأولى.
وتؤكد الكثير من المراجع التاريحية حقيقة دور تيار المسيحية الصهيونية في مساندة المشروع الصهيوني منذ بداياته الأولى، بشكل سبق دور الصهاينة اليهود أنفسهم، يقول المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي حيال هذا الأمر: ” كانت المسيحية الصهيونية من الدوافع الرئيسية وراء صدور وعد بلفور، وهي قوة كبيرة جدًا، كما أنها تسبق ظهور الصهيونية اليهودية بفترة طويلة” .
لقد وظَّفت المسيحية الصهيونية النصوص الدينية توظيفًا فجًا لخدمة إسرائيل وممارساتها العدوانية، فالنص الوارد في سفر التكوين والذي يقول:”أبارك مباركيك وألعن لاعنيك”، يتم ترجمته لمساندة سياسية مباشرة لإسرائيل وموقف عدائي من خصومها، فالرب الإله وفقًا لطرحهم قد أخذ على نفسه عهدًا بأنه سيبارك إسرائيل والشعب اليهودي، ويلعن من يلعنهم، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله الكثيفة على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، إذ تساند الولايات المتحدة إسرائيل مساندة سياسية واقتصادية مطلقة مدفوعة بهذا التيار داخلها.
يكفي أن نعلم أن إسرائيل وحدها تحصل على أكثر من ثلث المساعدات المالية الأمريكية، وهي بالقطع مساندة من شأنها أن تقود لمزيد من الغطرسة الإسرائيلية، ومن ثم تفاقم أزمة وصراع الشرق الأوسط، وكما يقول المفكر اليهودي المعارض للسياسات الإسرائيلية إسرائيل شاحاك:”إن تقديم أمريكا مليارات الدولارات لإسرائيل هو مثل تقديم مزيد من المخدرات للمدمن”.
لقد تحولت المسيحية الصهيونية- وكما يذهب البعض- إلى تيار سياسي قوي في العقود الأخيرة، وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أصبحوا يلعبون دورًا كبيرًا ومفصلياً في السياسة الأمريكية، ففيما يتعلق بالموقف من إسرائيل، فاق دورهم دور اللوبي اليهودي، فاليهود الأمريكيون يصوت أكثرهم للحزب الديمقراطي الأقل تشددًا، في المقابل يصوت أتباع المسيحية الصهيونية للحزب الجمهوري الأكثر تشددًا ودعمًا لإسرائيل.
ومن هنا كانوا أحد العوامل الرئيسية وراء فوز بوش بالانتخابات الأمريكية، وكذلك الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب ودفعه للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017م، ومن ثم يذهب البعض إلى أن هذا التيار باستطاعته إنهاء الحياة السياسية لأي سياسي أمريكي لا يتفق معه.
ترى المسيحية الصهيونية أن من علامات نهاية الأيام التي تحققت بالفعل معجزة عودة اليهود للأراضي المقدسة، وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948م، ثم حرب67 حيث انتصار الكيان الصهيوني انتصاراً ساحقا.
وأنه استكمالاً لهذا المخطط الزمني يجب أن تكون القدس تحت السيطرة اليهودية بشكل كامل، ويجب تدمير المسجد الأقصى واستبداله بالهيكل اليهودي، استعدادًا لمعركة هرمجدون وعودة المسيح، وهي المعركة التي، بحسب زعمهم، سيُباد بها غالبية بني الإنسان ثم يحكم المسيح العالم ألف سنة .
وأتباعه بالطبع هم المسيحيين الصهاينة، فكل من لا يؤمن بفكر المسيحية الصهيونية هو خارج نطاق الإيمان، ولا يستحق الخلاص، بل ستلتهمه نيران آخر الزمان مُخلداً في عذاباتها.
لقد شكّل المسيحيون الصهاينة في عام 2006م منظمة (مسيحيون من أجل إسرائيل) Christians United for Israel وهي على غرار منظمة إيباك التي أنشأها اليهود في الولايات المتحدة لمساندة إسرائيل، وقد أسسها الزعيم المسيحي الصهيوني القس جون هاجي، وهي أكبر منظمة داعمة لإسرائيل في أمريكا في الوقت الحالي إذ تدعم إسرائيل ماديًا وسياسيًا بشكل واسع، وهي منظمة كبيرة جدًا، ففي عام 2015م تخطى عدد أعضائها المليونين.
يقول القس هاجي مؤسس تلك المنظمة :”إن المسيحيين الذين يقرأون الكتاب المقدس سيجدون الأوامر الإلهية الداعية لمساندة لإسرائيل” ، ويضيف :” إذا تمسكت الإدارة الأميركية بموضوع تقسيم القدس فإن الله سوف يصب جام غضبه على الولايات المتحدة الأميركية، فإبراهيم واسحق ويعقوب يراقبون أفعال أمريكا عن كثب”.
وحول قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قال هاجي : ” لقد اتخذ الرئيس ترامب اليوم قرارًا شجاعًا، دعونا نصلي جميعًا في هذا اليوم التاريخي من أجل أمتنا وأمة إسرائيل، ندعو الله أن تظل الولايات المتحدة حازمة في التزامها ودعمها لإسرائيل، لقد صرَّح النبي زكريا أنه إذا وقفت ضد إسرائيل وشعبها فهو كما لو كنت تتحدى الله ذاته” .
وتؤكد الباحثة الإسرائيلية ليات شليزنجر أن الصهاينة المسيحيين يتحركون داخل الكيان الصهيوني بكل قوة تحت غطاء الدعم المادي والسياسي الذي يقدموه، فيمولون المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وكذلك الحركات المتطرفة الساعية لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه.
وبالقطع فحركة المسيحيين الصهاينة ترفض أي معاهدات سلام من شأنها تسليم أراضي للفلسطينيين، بل إن الحرب لديهم هي القاعدة كشرط لتحقق الخلاص.
فها هو القس المسيحي الصهيوني جيمي سواجارت يؤكد استحالة تحقق السلام فيما يتعلق بصراع الشرق الأوسط قائلًا:”يمكنهم توقيع كل معاهدات السلام التي يريدونها لكنهم لن يحققوا السلام، فهناك أيام سوداء قادمة” .
وهي ذات الأطروحات التي يدفع القس والتر ريجانز باتجاهها إذ يقول:”إن اتفاقيات السلام هي خيانة لله وللشعب اليهودي، فالسلام هو دعوى شيطانية” .
الملاحظة الجديرة بالتأمل هنا، هي أن المنظمات الصهيونية المسيحية أضحت تلعب الدور الأكبر، في السنوات الأخيرة تحديدًا، في دفع السياسة الأمريكية نحو مساندة ودعم الممارسات الإجرامية للكيان الصهيوني بشكل فاق دور اللوبي اليهودي، الذي تراجع تأثيره بشكل كبير.
إذ انقسم هذا اللوبي اليهودي حول الموقف من إسرائيل، ما بين داعم لسياساتها وما بين رافض لها بحجة أنها بعنصريتها وعنفها ضد الفلسطينيين أضرت كثيرًا بصورة اليهود في العالم وجعلتهم في وضع قلق.
وفي ذروة تفشي وباء كورونا في عام 2020م اعتبر هؤلاء المسيحيون الصهاينة أن الولايات الأكثر تأثراً به داخل أمريكا هي الولايات ذات الأغلبية الديمقراطية التي تكن كراهية لترامب مبعوث العناية الإلهية لإنفاذ مشيئته.
ومن كل ما سبق تتأكد المكانة المركزية لإسرائيل داخل نسق القيم المسيحي الصهيوني، لذا وبضغط منهم فقد سارع الرئيس الأميركي ويلسون بالموافقة على وعد بلفور معلقًا بالقول:”يتحتم بذل كل الجهود من أجل إعادة الأرض المُقدَّسة إلى أصحابها”، ثم وبعدها بمائة عام بالضبط، وفي عام 2017م، كان قرار الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
لقد ادعى أتباع المسيحية الصهيونية أن أمريكا قوية لأنها تقف مع إسرائيل، وأن كل معادٍ لإسرائيل ستحل عليه اللعنة، استنادًا لتفسيرهم المنحرف لما ورد في الكتاب المقدس:”أبارك مباركيك وألعن لاعنيك”، إذ يزعمون أن إسرائيل الحالية هي المقصودة بهذه الفقرة، في مخالفة جوهرية لصحيح تفسيرها.
حقيقةً أن تنامي تيار المسيحية الصهيونية في الآونة الأخيرة أصبح أمرًا مقلقًا للغاية، إذ يجري على ثلاثة مستويات:
الأول: تنامي أطروحات التطرف والتشدد لديهم فيما يتعلق بالموقف من الصراع العربي الإسرائيلي والانحياز المطلق للكيان الصهيوني.
الثاني: انتشارهم الكبير في الولايات المتحدة وتزايد أعدادهم بشكل ملحوظ وتعاظم دورهم السياسي داخلها بشكل مُبالغ فيه.
الثالث: انتشارهم في مناطق وبلدان جديدة في العالم لم يكن لهم تواجد يذكر فيها من قبل، بل وأصبحوا يلعبون دورًا سياسيًا ملحوظًا في تلك البلدان يتجسد في الدفع نحو مساندة إسرائيل والكف عن المواقف السابقة التي كانت تنظر إليها باعتبارها دولة احتلال.
وفي التحليل الأخير، يمكن القول أن المسيحية الصهيونية تمثل واحدة من محددات صنع القرار السياسي الإسرائيلي ودفعه نحو التشدد، بل هي الأهم على الإطلاق، والأكثر تأثيرًا بما توفره من دعم مادي يفوق دعم يهود العالم لإسرائيل، وكغطاء سياسي يمثل عقبة كأداء أمام المجتمع الدولي تحول دون اتخاذ ردود أفعال حقيقية ضد جرائم الكيان الصهيوني، وبخاصة المتعلقة بالاستيطان في الأراضي المحتلة، والذي تدفع به المسيحية الصهيونية إلى حده الأقصى تعجيلًا بالخلاص.
وهو أمر مقلق للغاية، في ظل التزايد الملحوظ في عدد المنتمين لتيار المسيحية الصهيونية حول العالم، وهو التزايد الذي يصاحبه تصاعد في تبني أتباعها أطروحات أكثر عنصرية وعنفًا، فالجيل الحالي هو أكثر تشددًا من الأجيال السابقة منهم، وهو أمر يمثل خطورة كبيرة على مصير البشرية، في ظل تنامي هذا التيار، وحشده لمعركة نهاية العالم وفناء غالبية بني الإنسان في مذابح بشعة ودمار عظيم، بحسب زعمهم.
وهي ظاهرة يتطلب التصدي لها جهدًا عالميًا مضادًا لتأكيد النزعة الإنسانية في كل الأديان، وأن تلك الرؤى هي نتاج تأويل مجحف ومنحرف للنصوص المُقدَّسة، وأنه ينبغي إعادة قراءتها على ضوء قيم التسامح الديني والأخوة الإنسانية والمساواة بين كل البشر.
دكتور محمد عمارة تقي الدين
(كاتب وأكاديمي مصري متخصص في الاجتماع السياسي والصراع العربي الصهيوني)
اقرأ للكاتب
محمد عمارة يكتب: نفتالي بينيت واستراتيجية التمدد والانكماش