وفاء شهاب الدين وحوار خاص ل”التلغراف”: الكاتب مرآة المجتمع
لن يغير المجتمع كاتب وحيد
الدعاة الجدد رعاة التضييق على المرأة
حاورها: خالد بيومي
عالم الأشياء البسيطة هو المنطقة الساحرة فى معظم كتابات الكاتبة المصرية وفاء شهاب الدين ، وعلى الرغم من ان هذه المنطقة تبدو مراوغة ـ أحيانا ـ على السطح، إلا أنها تظل مشحونة فى الأعماق بدلالات ورؤى متنوعة، تحتفى بالإنسان فى كينونته واسطورته التلقائية، وسعيه الدائب الى الحرية فى ماضيه وحاضره ومستقبله.. صدر لها العديد من الأعمال منها: «مهرة بلا فارس» ورواية «نصف خائنة» و«سيدة القمر» و«تاج الجنيات» والمجموعة القصصية «رجال للحب فقط» ورواية «طوفان اللوتس» ثم رواية «تذكر دوما أننى أحبك» ومجموعة «سندريللا حافية» والتى حصلت بها على المركز الثانى فى إحدى جوائز اتحاد الكتاب وأخيرا «غواي» عن رحلتها مع الكتابة، هذا حوار معها:
فى رواياتك هناك اهتمام وتعاطف مع أفراد المجتمع البسطاء .. ما سر هذا الاهتمام؟
إن من أهم أهدافى ككاتبة هى رعاية وتحسين أحوال البسطاء وجعلهم يستشعرون الحياة بصورة أفضل من خلال توفير حياة كريمة تتوفر فيها كل مسببات الراحة والرفاهية فالفجوة الكبيرة التى نعيشها حالياً ــ والتى انتبهت إليها الدولة أخيراــ كانت ستتسبب فى كوارث مجتمعية لا نتمناها لوطننا.. السر هو أننى عشت بين البسطاء فأنا رغم أننى أنتمى لأسرة متوسطة ميسورة الحال إلا اننى لمست منذ طفولتى اهتمام أسرتى بالناس ومساعدتهم فزرعت بداخلى نواة الاهتمام بهم وبمشاكلهم وهذا هو الدور الحقيقى للفن والأدب.. تغيير المجتمع إلى الأفضل..
تركزين أيضا على ما يشبه تبعية المرأة وخضوعها لسلطة الرجل.. كيف يمكن معالجة هذا التضييق الاجتماعى؟
لقد خلق الله عز وجل المرأة كائن حر مستقل مكلف مسئول أمامه عن أفعاله وتصرفاته له ذمته المالية المنفصلة عن الرجال وساءنى أننى عشت فى حقبة فقدت المرأة فيها كل حقوقها لصالح الرجل وللأسف استخدموا التراث الدينى لتحقيق ذلك فعوملنا كشخص قاصر فاقد الأهلية محاصر من كل الاتجاهات مشكوك فى نواياه وسلوكه وتم التدخل حتى فى طريقه ارتداؤه لثيابه والتعبير عن طموحاته وأحلامه فأصبحت أحلام الفتيات مختصرة فى بيت وأسرة وخدمة زوج وأولاد وحينما اضطرتنا الحاجة للعمل وإعالة أطفالنا تم اتهامنا بأننا مسترجلات فيمنستات وتم شحن العامة ضد المرأة المكافحة التى خرجت لسوق العمل بحثاً عن الاكتفاء المادى لأسرتها.. لا أجد بوادر علاج لهذا التضييق فهو يتم برعاية بعض الدعاة الجدد والذين يصفقون لمن يهين المرأة محاولاً السيطرة عليها ولعلاج تلك الكارثة يجب أن تتخذ الدولة إجراءات مهمة كمنع التعرض للمرأة وإيذائها جسديا وتفعيل قوانين التحرش والاعتداء وإعادة تربية أغلبية المجتمع من أول وجديد على قيم المساواة والعدل والاحترام المتبادل بين الرجال والنساء.
هل شخوص رواياتاك انعكاس للمجتمع؟
بالطبع لا بد أن تعبر الرواية عن الواقع بصدق واحترافية فالروائى كالطبيب الذى يضع مبضعه حول الخلايا الشريرة ويستأصلها.
رواياتك تتسم بالقصر النسبى.. فهل انتهى زمن الروايات الطويلة؟
مجموعاتى القصصية هى ما اتصفت بالقصر انما الروايات وعلى عكس طبيعتى الخاصة اتصفت بالطول ففى الروايات يميزنى النفس الطويل والرغبة فى السيطرة على الأحداث وإبراز التفاصيل المختلفة لذا جاءت طوفان اللوتس مثلا فى 320 صفحة وغواى نشرت فى 292 صفحة.
هل رسائلك الأدبية إنسانية بحتة؟
طبعا.. أهم رسائل الأدب هى الدعوة للإنسانية فما الداعى للحياة إن خلت من قيم الانسانية الجميلة الحق والخير والجمال؟ نحن نعيش فى مجتمعات انفلتت غالبيتها وتحولت إلى شريعة الغاب رغم المحاولات الجادة فى السيطرة عليها إلا أن الفن هو الحل..الفن هو ما يهذب الأخلاق ويشارك فى سمو النفوس وبناء البشر ولابد على الدول أن تواجه النظرة العدائية للفنانين والكتاب والتعامل معهم كقوة ناعمة تستحق الدعم والتشجيع.
ما سر تمسكك بالإقامة خارج القاهرة؟
لست متمسكة جدا بالإقامة خارج القاهرة فقد حاولت كثيراً نقل حياتى إليها ولكننى لم أوفق لكن هناك مميزات للحياة فى الريف الشمالى حيث الهدوء والأهل والتقدير من الجميع ،الحياة فى الريف أكثر بساطة وهدوء وتساعد الأجواء الجميلة حيث أعيش على الإبداع والكتابة وتنوع مصادر الإلهام..كما أننى أقيم بصورة جزئية فى القاهرة فهى النداهة التى نادتنى منذ الطفولة وتدعونى دوما للقاء بها وبها معظم أصدقائى وجزء مهم من حياتى.
لديك براعة فى تصوير الشخصيات بصدق وواقعية.. إلى أى مدى تشبهين شخصياتك؟
أنا لا أشبه شخصيات رواياتى بل هم من يشبهوننى جميعا ولكن من الداخل فبداخلى تتصارع مئات الشخصيات وكل شخص كتب على الورق رجلا كان أو سيدة أو طفل فهو جزء خفى من مكونات شخصيتى لا يظهر إلا حين الكتابة.
هل على الروائى أن يكون مطلعا على الروايات العالمية بشكل مستمر؟ وهل يؤثر ذلك على مستوى إبداعه؟
لابد طبعا للكاتب عموما أن يطلع على الآداب العالمية بشكل مستمر فسعة الإطلاع تغذى ثقافة الكاتب وتظهر بوضوح فى كتاباته كما انها تمنحه الاستمرارية فى الكتابة فالقراءة عموما هى النهر الذى ننهل منه لنغذى مخيلتنا فنبدع.
أين أنت من الجوائز العربية؟
حصلت على جائزة واحدة من اتحاد الكتاب فى القصة القصيرة ولكننى لم أفز بأى جائزة عربية فى الحقيقة لست مهتمة جدا بالتقديم فى الجوائز فقد فعلتها عدة مرات وتوصلت إلى يقين أننى لست من الزمرة المحظوظة لذا فجائزتى هى قرائى وهى أفضل الجوائز وأكثرها ديمومة.
كيف تتعاملين مع ظاهرة الكتب الأكثر مبيعا رغم أن محتوى الكثير منها لا يرقى إلى مستوى أدبى متميز؟
أحاول قراءة بعضها وللحق البعض جيد وليس بهذا السوء الذى يوصف به ولكن البعض الآخر لا يرقى إلى درجة الطباعة والنشر ولكن كل شخص حر فى عرض إبداعه على الناس وسيأتى اليوم الذى يتحسن الكاتب ويتعلم ويصبح أفضل.
كيف تصفين الكتابة فى ظل جائحة كورونا؟
صدقنى لا أجد وصفاً مناسباً لما نعيشه فقد ركدت الحياة وركد معها معين الإبداع ..تراجعت سوق النشر جدا وتضررت دور النشر بقسوة وحاليا تحتاج تلك الدور إلى قبلة الحياة من الدولة..رغم أن البعض وجدها فرصة جيدة للقراءة والكتابة إلا أننى وجدتها سجناً خانقاً.
برأيك هل نجح الأدب فى تعرية الواقع الكارثى الذى تعيشه البشرية اليوم؟
كان الأدب دائما هو مرآة صادقة للمجتمع لكل المجتمعات وطبعا نجحت أعمال كثيرة فى رصد كل الظواهر المجتمعية السيئة والجيدة حتى الأعمال التى تتهم بالضعف فهى أيضاً قد تحمل رسالة وصرخة من داخل المجتمع إلى كل من يقرؤون ..الأدب هو الانعكاس الإنسانى للمجتمع بخيره وشره.
بماذا تحلمين؟
انا إنسانة حالمة بطبعى أحلم بحياة طيبة للجميع أحلم بمجتمع أكثر وعياً ورقياً وثقافة،أحلم بأن تتجه الدولة لبناء البشر من خلال التعليم والثقافة والاهتمام بالفن ولقد بدأنا نلمس تحركا جادا ومهما فى سبيل تحقيق ذلك ، أتمنى أن ألمح كتاباً فى يد كل من يعبر الشارع أمامى وعلى المستوى الشخصى أتمنى أن تنال أعمالى ما تستحق من تقدير وكذلك أعمال زملائى فالمجتمع لن يتغير عن طريق كاتب وحيد.
اقرأ ايضاً
“غواي” للإعلامية وفاء شهاب الدين ترصد تفاصيل المجتمع البدوي بمطروح