التلغراف تحاور محسن الغمري الروائي والقاص المصري

 يحى الجعفري

اجري الحوار: يحي الجعفري

يسود الساحة الثقافية في مصرالجدل حول الرواية التاريخية وأسباب ندرة انتشارها، إضافة الي الأزمة التي يواجهها النقد في زمننا هذا ، ويتسال المتابع لما يدور في الساحة الثقافية لماذا لاتهتم الدولة ممثلة في وزارة الثقافة بالحث على وضع هذا النوع من الكتابات موضع الأهتمام وتشجيع الكتاب على الخوض فيه ، وغير ذلك من الموضوعات نستعرضها في حوار لـ”التلغراف” مع الكاتب محسن الغمري ، وهو روائي وقاص صدر له مجموعتين قصصيتين هما: القفز فوق السحاب، فاطمة وبلانش، وروايات: ربما ذات يوم، حكاية قبل الموت، وثبات طويلة عالية، وأفندينا التي نسلط عليها الضوء في هذا الحوار .

بدأ محسن الغمري قاصا من خلال مجموعتين قصصيتين أولاهما “القفز فوق السحاب” وثانيتهما “فاطمة وبلانش”، ومع انطلاق ثورة يناير 2011 كانت أولى رواياته “ربما ذات يوم” التي كتبها عام 2010 مؤكدا فيها حتمية إسقاط النظام، وكتب العديد من المقالات ب”التلغراف” وكان له عمود خاص بها إضافة الي نشر قصصه بها.

ثم انطلاقا من معايشته لمجال الطيران المدني بدءا من العمل كمضيف وانتهاء بتولي منصب مدير عام بقطاع الضيافة كانت روايته “حكاية قبل الموت” التي ربما الرواية الوحيدة التي تناولت قصة إسقاط طائرة مصر للطيران في الأطلنطي، والتي أشيع عنها انتحار طيارها بالطائرة ومن عليها، ثم كانت رواية “وثبات طويلة عالية” ورواية “أفندينا” الصادرتان عن مؤسسة أروقة.

ــ نتحاور اليوم عن اَخر مولفاتك “أفندينا” كيف ولماذا اتخذت من شخصية “عباس حلمي الأول” محورا وبطلا لروايتك ؟

انتبهت في أثناء قراءاتي عن  حكام مصر من سلالة الوالي محمد علي باشا، أن اسم حفيده عباس  حلمي الأول تحديدا، على الرغم من كونه ثاني من تولى حكم مصر بعده، يكاد يكون غائبا عن المشهد، بل نكاد لا نعرف اسمه، وإن ذكر نجد أننا لا نعرف عنه شيئا، وكثيرا ما يحدث خلط بينه وبين حفيده عباس حلمي الثاني، الذي حكم مصر بعد قرابة أربعين عاما من مقتل جده.

بدأت البحث عما كتب عن عباس الأول، واكتشفت أن ما كتب عنه قليل وجاء في غالب الأمر من مصدر واحد، هو ترجمات لما كتب عن شخصه وأفعاله بأقلام الفرنسيين، الذين رفض تغول نفوذهم إلى حد رآه بغيض ومرفوض، فكانت أولى قراراته هو إبعادهم إلى خارج البلاد، وعليه فكل من كتب منهم عنه تعمد الإساءة إليه، والانتقاص من قدراته، ثم جاء المعاصرون ليستقوا معرفتهم بهذا الحاكم وفترة حكمه، مما كتبه هؤلاء.

ولهذا فالمتاح من سيرة هذا الوالي، مشوّه بفعل فاعل، وحينئذ قررت البحث والتحري عن مصادر أخرى، كتبت عنه خارج إطار ما هو معروف، ثم بدأت الكتابة، التي لم تجيء بصورة انحياز إلى جانبه دون موضوعية، بل كتبت وهدفي هو أجلاء ما غم على الكثيرين من سيرة هذا الوالي، الذي قتل نتيجة صراع عائلي طامع في ثروة كانت بعد رحيل محمد علي، منعها هو عنهم لإيمانه بأنها ثروة  ومال البلاد، لا ثروة وأموال الجد.   

ــ ما الجديد الذي اكتشفته عن عباس حلمي الأول وقد أشرت إلى ندرة المصادر والمراجع قبل كتابة الرواية ؟

اتُهم عباس الأول ممن كتبوا عن فترة حكمه بالنكوص عن مسيرة جده “محمد علي” في التعليم وافتتاح المدارس، ودائما ما يتحدثون عن غلقه لعدد من المدراس، والحقيقة أن عباس وبنظرة اقتصادية لتوفير المنصرف حتى يتمكن من تعظيم العائد، أمر بفرز وتجميع الطلبة النابهين في تلك المدارس في مدرسة واحدة أطلق عليها اسم “المفروزة”.

وقد وجدت دراسات علمية ورسائل للدكتوراة والماجستير تبحث في الصراع بين أفراد الأسرة العلوية، بعض منها صدر في جامعات المملكة السعودية، تتحدث عن تلك الحقبة التي أمضاها عباس هناك وعلاقته بالقبائل العربية، ومثل تلك الرسائل أضافت أبعاد نفسية غير معروفة عن هذا الوالي، كما أن العودة لمذكرات ومخطوطات مجايلي عباس، أفادت كثيرا في إظهار ملامح لشخصية عباس لم تكن معروفة عنه، كما أن تأويل بعض من تصرفات عباس بشكل منطقي يخلو من نية التحامل عليه، أظهرت أمورا وشخصية مغايرة لما هو معروف ومتداول. 

ــ خلال العقد الأخير انتشرت ظاهرة كتابة الرواية التاريخية، بماذا تفسر هذا الأنتشار ؟

كتابة الرواية التاريخية وسيلة جيدة لربط الماضي بالحاضر، فالرواية سردية كانت أو محولة إلى دراما مرئية، تنقل القارئ لعصر دارت فيه أحداثها، وهذا يعني انتقال القارئ من عصره الحديث إلى أزمنة قديمة ماضية، ما يتيح له الفرصة للتعرف على الحياة الاجتماعية لتلك الفترة، وفي ذلك تثقيف وتعريف للأجيال المعاصرة، على تاريخ بلادهم وأجدادهم، كما أن الرواية التاريخية تفيد في تعليم النشء الجديد بشكل إبداعي سلس تاريخ البلاد، وربما يعود سر انتشارها لإشباعها حاجة القارئ لمثل هذا النوع من الأعمال السردية، ولا نغفل خصوبة تاريخنا وغزارة أحداثه على مدى قرون طويلة، ما يجعله منهل لفن السرد.

ــ العديد من الروايات التاريخية تحولت إلى أعمال درامية، هل كنت تكتب “أفندينا” وعينك على تحويلها إلى مسلسل أو فيلم سينمائي؟.. وهل يختلف التناول الدرامي للشخصيات التاريخية عن التناول الأدبي؟

لا أظن أحد ممن يكتبون الرواية أو حتى القصة لا تراوده فكرة تحويل عمله إلى دراما مرئية، وهو طموح مشروع لكل كاتب، ففي ذلك دلالة ما على نجاح عمله، لكن عدم وقوع الاختيار على أي من أعماله، لتحويله إلى دراما مسموعة أو مرئية، ليس بديل ولا حكم بالفشل، فهناك أعمال روائية عديدة لم تحول إلى عمل درامي، كما أظن إن تعمد الروائي أو القاص مغازلة السينما عند الكتابة، أمر محفوف بالمخاطر فقد يأتي اهتمامه بالمشهدية بشكل مبالغ فيه، يعود بنتيجة سلبية على مضمون وعمق كتابته السردية، لذا أظن أنه من الأفضل الإخلاص للكتابة والعمل السردي، فربما يكون ذلك هو المدخل إلى اختيار ما كتبه لتحويله إلى دراما مرئية. 

من مهارات الكاتب أن ينقل القارئ إلى طبيعة الزمن الذي يكتب في أجوائه

ــ هل تسد الرواية التاريخية الثغرات الطفيفة في التأريخ بصفة عامة؟

لا أظن أن الرواية حتى وإن صنفت باسم رواية تاريخية، ستقوم مقام التأريخ ولن يحل الراوي محل المؤرخ، لكن يمكننا القول بأن الرواية ترصد المسكوت عنه، وتحاول مستعينة بالتأريخ الرسمي كشف هذا المسكوت عنه، علَ يكون في ذلك إفادة من أجل تنوير مساحات معتمة في تاريخنا القديم أو الحديث، أو عله يلقي الضوء على شخصيات تاريخية مغيبة بشكل أو آخر.

الرواية عندما تدور أحداثها في فترات زمنية سابقة، فهي لا تكتب التاريخ لكنها تكتب عنه، وهي إما أنها تتعامل معه كركائز لبنيانها الدرامي، وتنسج إبداعيا ما بينها، وأما أنها تتخذ من التاريخ خلفية زمكانية لأحداثها. 

ـ كيف ترى دور الثقافة في مكافحة الإرهاب؟

الثقافة قوة ناعمة لا يستهان بها، فالثقافة هي كل ما يرتقي ويسمو بفكر وسلوك الإنسان، أيا  كانت صورتها الإبداعية، والإبداع داعم لقدرة الإنسان على استيعاب تقلبات الزمان، ثقافة الفرد تعمل على تحفيزه نحو اتخاذ سلوك وفكر أكثر رقي عما هو سائد، لكن يجب أن ننتبه أن الثقافة كالزراعة عندما تغرس نبتة طيبة اليوم وتحسن رعايتها، فمن المؤكد أنك في الغد ستجني منها كل ما هو نافع مفيد، فمردود الثقافة على الإنسان لا يكون فوري، بل هو تراكمي آجِل، لا يظهر إلا بعد مضي عقود زمنية، لذا فهي عنصر هام ومؤثر في بناء وتشكيل روح وسلوك جيل المستقبل، لإكسابه قدرة على رؤية جمال الحياة  لهذا فالاهتمام بها الآن والعمل على تحسينها يعد تجويد للغد وأبنائه، وعندما نتمكن من تقديم إنسان للمجتمع متصالح مع نفسه ومع الآخر، نكون قد نجحنا في القضاء على الأرهاب بكل أشكاله.

ــ هل تعاني الساحة الثقافية من أزمة نقد؟ وكيف ترى دور الناقد؟

تعاني الساحة الثقافية عدم وفرة الناقد الفاهم المتمكن من أدواته، القادر على القراءة الفاحصة المحللة للنص مبرزًا مواطن الجمال فيه، فالناقد بمثل تلك الصفات يكاد يكون عملة نادرة، خصوصًا مع ميل شديد لدى بعض نقاد اليوم، للنقد الشفاهي والذي يعتمدون فيه على ما يعرف بالقراءة السريعة للنصوص، ومثل هؤلاء يعتمدون على مهارتهم اللغوية في ملء المساحة الزمنية المتاحة لهم بالإسهاب في التنظير والحديث عن بعض الأسماء اللامعة التي أسست لهذا العلم، وربما يكون ذلك تهربا من النقد التطبيقي الذين يعدونه عبء عليهم، لما يتستوجبه من قراءة النص كاملا، ربما أكثر من مرة لتفكيكه وتحليله، ثم إعادة صياغة ما وصل إليه في مقال نقدي مفهوم بعيد عن الاستعراض بلغة فوقية معقدة.

كما يبدو أن عدد النصوص التي تخرج من دور النشر أكثر كثيرا مما هو متاح من مساحة نقدية، وهذا يؤدي بنا إلى خلط كبير لدى المتلقي بين الغث والثمين.   

ــ هل اصاب القراءة والكتابة ما أصاب الساحة الفنية بصفة عامة في مصر حيث سادت روايات الرعب في فترة ما وفي فترة لاحقة ظهرت الروايات التاريخية؟

لا أدري سببا واضحا لذلك غير تبدل وتغير المزاج العام، واختلال معايير الجمال التي أصابت الذوق العام، ولنا فيما يحدث في ساحة الأغاني مثلا حيا على ذلك، فأحيانا ما نجد سيطرة وانتشار كتابات تأخذ توجهًا بعينه، ثم تعود وتتقهقر لحساب توجه آخر وهكذا.

أما السبب في انتشار روايات الرعب وعوالم الميتافيزيقا لفترة زمنية، فأظن هذا يعود لنجاح هذه النوعية في مغازلة غرائز جمهورها من المراهقين، فمثل هذه المرحلة السنية تكون سيطرة الجسد وغرائزه أكثر من العقل والفكر على الإنسان، ويحب المتلقي المراهق ما تحدثه مثل  هذه القراءة في جسده، نتيجة لزيادة إفراز هرمون الأدرينالين الذي يزيد مع حالة الشعور بالخوف، وهذا يؤدي لخلق حالة تحفز في الجسد و تيقظ انتباه للعقل، وهو ما يسعد هؤلاء ويجعلهم يشعرون بأثارة محببة.

أما الكتابة في التاريخ أو عنه فلا أرى في ذلك غضاضة بل أراه جديدا طالما كانت الكتابة جيدة، فمثل هذا الكتابات تخلق حالة وعي بتاريخ بلادنا ومنطقتنا، وعن نفسي أقول: أهلا بأي كتابة شريطة الجودة. 

اقرأ للكاتب | محسن الغمرى يكتب : الإسلام وأهل الكتاب

ــ هل تكتب عملا وعينك على جائزة بعينها؟

الجوائز أمر جميل وحافز أجمل للكتابة، لكني ضد مقولة “يكتب وعينه على الجائزة” فالأصل أن المبدع يخرج أفضل ما لديه، فإن صادف هذا جائزة ما، فلا بأس، لكن إن لم تصادفه جائزة فهذا ليس بحكم أن كتابته ليست جيدة، فكل جائزة وكل تحكيم تكون له ظروف خاصة متوقفة على الزمان والمكان، وعلى المشاركين أيضا، إضافة لوجود عناصر مثل المجاملة والمواءمة التي تأخذ أشكالا متعددة. 

ــ الكتاب الورقي والإلكتروني أيهما الأقرب إليك؟

أنا من جيل تعلم الكتابة بالقلم الرصاص في الكراس، والقراءة من صفحات الكتاب المدرسي أو غيره، ولا ننسى طبعا الصحف والمجلات الورقية الكثيرة والمتعددة، لذا من الطبيعي أن أفضل الورقي، لكن هذا لم يمنعني من القراءة الألكترونية عند الضرورة، بل أيضا تعلمت الكتابة الإلكترونية، وهذا وذاك من لوازم عصر نعيشه الآن، ولا بد لنا من مواكبة العصر قدر ما نستطيع، وبالشكل المناسب لقدراتنا.

ــ هل عانيت صعوبات في أول طريقك مع النشر؟ وأيهما الأسهل النشر الخاص أم الحكومي؟

نعم، فتجاربي مع النشر فيها معاناة تفوق معاناة الكتابة، فالناشر الخاص إما أنه يسعى وراء المادة ولا تهمه الجودة، وإما أنه يبحث عن الجودة وهؤلاء قلة، والتعامل مع كليهما مر.

أما النشر الحكومي فإن لم يكن لديك من سيهتم بشخصك قبل عملك، فقد يضيع منتجك في دهاليز الانتظار والأدوار التي تكون على البعض دون الآخر.

ــ إذا كتبت قصة من سطر واحد عن الموت، كيف ستكون؟

 كتبت يوما على هامش كتابي المدرسي: “الموت هو نهاية ما نعلم، وبداية ما لا نعلم”، مما استوقف أبي ليسألني عن كاتب العبارة، وعندما أخبرته بأني كاتبها، لم يعلق واكتفى بالتربيت على ظهري، أما قصة الموت من سطر فهي، بعنوان ولد ليموت:

«ذات فجر انطلق سهم من جعبته، ارتحل في الفضاء صاعدا ثم مال منحدرا إلى الأرض، حتى سقط ومات». 

ــ هل أثرت الجوائز العربية وكثرتها على تحديد بوصلة واتجاهات الرواية المصرية؟

الجوائز العربية مع الأسف، حسب ما سمعته من لغط دائر حولها، تتحكم فيها أمور بعيدة عن الأدب والإبداع، ومن حكم في ماله ما ظلم، فهم يهبون الجائزة لمن أملته عليهم معاييرهم الخاصة، أما عن تأثيرها على تحديد بوصلة واتجاهات الرواية المصرية، فربما إلى حد ما بالنسبة لمن يكتب وعينه على الجائزة. 

– يتسأل القاري لماذا لم تعد تكتب ل”التلغراف” وقد كنت من أوائل من كتب المقالات بها إضافة لنشر رواياتك الأولي؟

لم ابتعد عن “التلغراف” مطلقا فانا من اشد المعجبين بها وتربطني بالقائمين عليه علاقة ود واحترام متبادل، ولم ينقطع الأتصال بهم مطلقا ، والدليل هذا الحوار ، ربما كانت هناك فترة طويلة الى حد ما لم اكتب بها ب”التلغراف” لكني اعد قراءها بالعودة للكتابة ونشر القصص .

– تلغراف توجهه للقاري العربي بصفة عامة؟

القراءة ثم القراءة ثم القراءة فالمعرفة لا حدود لها ، والكتاب هو الصديق الوفئ ، وديننا الحنيف كانت اول كلماته “اقرأ” .

اقرأ ايضاً

حكاية قبل الموت … رواية جديدة ل “محسن الغمرى”

شكرا للتعليق على الموضوع