صندوق قديم “قصة قصيرة”

تاليف الأديبة: أمل عامر

تاليف الأديبة: أمل عامر

تدور فى غرفتها كريشة مع صوت فيروز ثم تجلس محتضنة وسادتها فى سعادة ، غدا ستحتفل بخطبتها .

يكبرها بأربع سنوات ، وحيد والديه ، شاهدها فى فرح عائلى ، تقدم لخطبتها وتمت الموافقة عليه لإستقامته ومستواه المادى ، تبادلا بعض العبارات القليلة ولم يسمح لهما بالانفراد معا فى شرفة المنزل إلا أمس ، وعدها بالسعادة ومساندتها لتحقيق حلمها لنيل درجة علمية أعلى فهما يحملان نفس المؤهل ونفس التخصص سيساعد ذلك على عمق التناغم بينهما – أتفق على إستمرارها فى عملها الذى تحبه .

أقيمت الخطبة فى إحتفال عائلى تأهب بعدها لإعداد شقة الزوجية فوالدها  يحبذ ألا تطول الفترة ، مشاعرها الرقراقة تمنت أن تموج روحها بروحه – تشعر معه بطعم الحب الذى لم تذقه من قبل لكن مع الوقت وجدته إنسان عملى جدا طموحه محدود وروتينى لأقصى درجة .

تحدثت مع والدتها عن مشاعرها السلبية تجاهه فعنفتها على تفكيرها التافه وحاولت إقناعها أن الحب دائما يأتى بعد الزواج وخطيبها لا تشوبه شائبه ، رضخت لكلامها دون إقتناع آ مله تحقيق ما قالته .

تم الزواج بعد ستة أشهر ، مضت الأيام فى رتابه ، حياة عادية بلا مشاعر – أخبرته بعزمها التقدم لنيل درجة الماجستير ، كان رد فعله صادما ، ابتسم بسخرية قائلا :-

– يعنى هتجيبى الديب من ديله يا شيخه بلا وجع دماغ ومصاريف على الفاضى

لم تستسلم لتهكمه عليها وأكدت على إصرارها الذهاب الى الجامعة والمضى فى الإجراءات – تركها تتحدث وقام ليجلس امام الحاسوب .

فى اليوم التالى إتصلت بوالدها وقصت عليه ما جرى ، وعدها بإجباره على الموافقة والوفاء بوعده لها وأنه سوف يتكفل بكل مصاريف التقديم وكل ما تحتاجه .

تغير موقف زوجها بعد علمه لتحمل والدها للنفقات ، أستاءت من تخاذله عن مساعدتها حتى كادت ان تتراجع لولا تشجيع والدها .

كان يضمر فى نفسه ألا يعطيها الفرصة لتتفوق عليه وتحصل على مرتبة علمية أعلى منه ، صار يخفى عنها أوراقها وكتبها ويتعمد إرهقها بطلبات واعباء منزلية وان إعترضت يفتعل مشاجرة .

فاجائتها الايام بحملها وانجابها لطفلتها ، طغت مشاعر الأمومة على كل شى ء ، لم يستطع اخفاء فرحته وهى تجمع اوراقها وكتبها وتضعهم فى صندوق قديم .

داعبها الأمل مرة اخرى بعدما اتمت ابنتها العام السادس لكنه طالبها بطفل اخر وليته ذكر .

سرد امامها كل العبارات التى تتعلق بفائدة تقارب سن الأبناء وسرعة الأيام والسنين وفرصة الإنجاب التى تضيع مع التقدم فى العمر .

رزقها الله بطفلة أخرى كانتا لها الدنيا وما عليها ، تحملت من أجلهما الكثير وأصبحت موظفة بينهما وبين عملها ومتطالبات البيت تفعل كل ما فى وسعها لتصل لدرجة الكمال التى تنشدها .

كلل الله إجتهادها وإخلاصها فى العمل بحصولها على لقب الموظفة المثالية لتميزها فى تخصصها العلمى .

باغتها يوما باستطاعته نشر أى بحث لها فى أهم مجلة علمية فقد أصبح صديقه رئيس مجلس إدارتها وسيوافق على الفور .

كانت فى قمة السعادة لإهتمامه ، أعطته البحث وانتظرت ، جاءها بعد فترة بالعدد فحضنته بلهفة ، كانت صورتها فى أعلى الصفحة ولم يحذف من البحث حرف واحد ، ظلت تشكره وهو يبتسم .

بعدها بفترة كانا يتحدثان وهما يشاهدا التلفاز وتطرق الحديث لأمنيتها القديمة فرد بعفوية :-

– ممكن تنشرى أبحاث ومقالات زى ما أنتى عايزه برضة ال 200 جنيه نفعوا

ثم تدارك قائلا :-

– ما تعمليلى كوباية شاى

صدمت بما سمعت وقفت تنظر له فى ذهول –  كان هناك مكافأة على النشر ولم يخبرها ضن عليها بالفرحة الكاملة وإستحل أموالا تخصها وتخص تعبها فى البحث .

ظلت تعاتبه وهى فى قمة الانفعال وهو يرد ببرود :-

– نسيت – عادى يعنى

خاصمته لعدة أيام تراكمت خلالها كل الهموم بداخلها وأجتمعت كل المشاكل ومواقفه المتخاذلة امامها ولم تعد ترى سوى عيوبه الكثيرة التى عاشت تحاول أن تتجالها وإنصياعها لحياة بلا طعم .

جاء معتذرا وهو يفتعل التأثر

مرت ثمانى سنوات على زواجهما سعت خلالهم أن تزيد من خبرتها العلمية وصارت ترسل مقالاتها الى مجلات فى دول مختلفة مع إصراره على مقاسمتها ما تحصل عليه نظير النشر .

أصبحت تشارك بأبحاثها فى المؤتمرات التى تعقد بمقر عملها حتى دعتها إحدى الجامعات للإشتراك فى مؤتمر يضم نخبة من العلماء ، إستحلفته أن يأتى معها لكنه أبى بحجة رعاية الطفلتين حتى بعد أن أخبرته بتواجدهما اليوم لدى جدتهما .

تمنت وهى تقف ببهاء وعبارات الفرح تتراقص فى عيونها لترد التحية العاصفة من تصفيق الحضور بعد إلقاء بحثها القيم .

عادت وقلبها يموج من فرط السعادة وجدته جالسا كالعادة امام الحاسوب والطفلتين عادتا للمنزل ، أخذت تصف له ما حدث بفخر وكان غير مبالِ ولا منتبه ، نطق بإستهجان :-

– مبروك

استيقظت مبكرا جدا سعيدة بنجاحها لتعد طعام الغذاء فلديها ثلاث ساعات كاملة على موعد سيارة العمل ، جمعت بعض الملابس ووضعتها فى الغسالة ، تركتها تعمل وذهبت لمطبخها – صحى من نومه مر من أمامها دون أن يلقى عليها تحية الصباح ، لم تهتم وسألته ان كان يريد تناول مشروب ، رفض وذهب ليرتدى ملابسه إستعداد للخروج فوجدته أمامها وهى منهمكه فى عملها ، سألها ببرود :-

– بتععملى الاكل دلوقتى ليه ؟

– لسه بدرى على الشغل

– ما عملتيش بليل ليه ؟

– ما انت عارف كنت فى المؤتمر

– اه … ما انتى ما بقتيش فاضيه لنا …. ما مسحتيش السلم ليه ؟

– سلم ايه اللى هأمسحه … الست بتيجى يوم الجمعة وانا من امتى بمسح سلالم

لم تنتبه لنظرة الغل التى حدجها بها (1) ، رفع يده وصفعها بقوة ثم ركلها بقسوة قائلا :-

– ابقى ردى عدل لما اكلمك

خرج مسرعا وصفع الباب خلفه ، لم تبكِ من الصدمة بل تماسكت وذهبت وأخرجت الملابس من الغسالة لتنشرها .

إستيقظت طفلتاها ولاحظتا وجومها فاجابتهما بلا شىء ، قبلاها وذهبتا الى مدرستهما .

أنهت مسؤليتها وهبطت لتلحق السيارة ، ظلت تبكى طوال الطريق وعندما وصلت إتجهت مباشرة الى صديقتها فى الشؤن القانونية تقص عليها ما حدث وتطلب منها البدء فى إجراءات قضية خلع ، فى منتصف اليوم إستأذنت بالانصراف وإتجهت للمدرسة وأصطحبت بناتها للمنزل ، جمعت اشيائهم  المهمة وفتحت صندوقها القديم وأخرجت الاوراق والكتب لتحقق حلمها بعيدا عن انانيته .

غادروا المنزل وهى تستعد لحياة جديدة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حدَج الشَّخصَ : رماه بسهمٍ أو بنظرةٍ حادَّة

اقرأ ايضاً

لا .. ليست إنساناً “قصة قصيرة”

شكرا للتعليق على الموضوع