عملية طوفان الأقصى – 7 أكتوبر 2023 وما بعدها (4 – 4)

الولايات المتحدة الامريكية

شوقي العيسة - فلسطين

تقرير: شوقي العيسة – فلسطين

تختلف الولايات المتحدة عن الدول الأوروبية الغربية الرأسمالية، فتلك الدول تحكمها حكومات تمثل الطبقة البرجوازية وترعى مصالحها، ولكنها في نفس الوقت محكومة بقوانين تعطي حقوقا للمواطنين، في العمل والسكن والرعاية الصحية والكثير غير ذلك، بينما الولايات المتحدة منذ الانهيار الاقتصادي في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي قررت تحويل المواطنين الى مستهلكين، بدون حقوق كالتي في أوروبا. وأصبحت بالتدريج امبراطورية تملكها الشركات الاحتكارية الضخمة وتفرض على حكومتها ما تريده من قوانين وتتحكم في وسائل الاعلام وفي التعليم.

هذه الإمبراطورية تأهلت بعد الحرب العالمية الثانية لتتويج نفسها قائدا للعالم الرأسمالي ولاحقا للعالم، وخلال فترة الصراع الشديد بينها وبين المعسكر الاشتراكي، الذي امتد من فترة انتهاء الحرب العالمية الثانية الى وقت انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، تمادت في التباهي بالديموقراطية وحقوق الانسان والحريات الفردية والجماعية وحرية التعبير عن الرأي المطلقة. لكنها طبعا كانت مسيطرة على كل الوسائل الكفيلة بعمليات مسح الدماغ والتحكم في الرأي العام.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بدأ يتكشف زيف هذه الادعاءات التي لم تعد بحاجة اليها.

هناك مقولة ماركسية تقول ان النظام الرأسمالي يحفر قبره بيده وهي صحيحة، وتقصد بالأساس في الناحية الاقتصادية والسياسية، هنا سأتحدث عن الناحية الثقافية والاجتماعية.

التطور التكنولوجي الرأسمالي في مجال الاتصالات والانترنت حوّل العالم الى قرية صغيرة. وأفقد الحكومات القدرة على التحكم في الوصول الى المعلومات. وظهر ذلك اثناء حكم ترامب ولاحقا اثناء القضية الأوكرانية، وجاءت عملية طوفان الأقصى في فلسطين وما تبعها من عدوان وجرائم إسرائيلية أمريكية متوحشة ضد الشعب الفلسطيني، في اوج التطور في وسائل الاتصال والتواصل وفقدان الامبريالية قدرتها في السيطرة عليها. واتقان المناصرين للعدالة والحقوق الإنسانية والقانون استخدامها للوصول الى أوسع قطاعات شعبية في العالم وخاصة في أمريكا وأوروبا. مما أدى الى انقلاب كبير في الرأي العام بسرعة قياسية، وهذا أفقد وسائل الاعلام المتحكم بها من الحركة الصهيونية وحكومات وشركات العالم الرأسمالي قدرتها على السيطرة على الرأي العام. وكل هذا أدى الى طوفان من المتظاهرين في عقر دار الدول الرأسمالية يطالب بوقف الحرب ووقف دعم جرائم إسرائيل.

الولايات المتحدة الان امام تحديات كبيرة، خاصة وإنها في خضم صراع عالمي سيؤدي بالضرورة الى فقدانها التفرد في الهيمنة على النظام العالمي، وسيعيد تقاسم النفوذ بين الدول العظمى. ووضع داخلي خطير ومتدحرج في أوساط الرأي العام الأمريكي، ممكن ان يتطور ليصبح ضد مجمل السياسة الخارجية الامريكية، كذلك هناك خطورة من اتساع صراعات داخلية عرقية ودينية وطبقية.

لذلك هي الان أكثر من أي وقت مضى بحاجة الى إسرائيل الصهيونية القوية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، ورص صفوف اتباعها فيه. وعليه ليس امامها الا القيام بخطوات تؤمن لها الهدوء على الساحة الفلسطينية:

إيقاف الحرب بأقل خسائر ممكنة لإسرائيل. والعمل على اصلاح الوضع الداخلي فيها بالتخلص من المتطرفين والفاسدين.

العمل على اضعاف حماس وفصائل المقاومة وتجفيف منابع الدعم لها، حتى لو تطلب الامرعقد صفقات مع ايران وفي لبنان.

إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية واخراجها بحلة جديدة تابعة لها بشكل مبطن، للحصول على فترة تهدئة للأوضاع لفترة كافية تؤمن لها مواصلة ادارة الصراع.

التحكم أكثر بالأنظمة العربية التابعة لها، وتأهيلها للقيام بأدوار ترسمها لها وهذا يتطلب تحسين الوضع الاقتصادي في الدول الفقيرة منها لتفادي أي تحركات وتمرد شعبي.

العمل مع كندا وأستراليا ودول أوروبية والسعودية ودول الخليج العربي لتأمين فرص عمل برواتب مغرية في هذه الدول وفي أمريكا نفسها للفلسطينيين من قطاع غزة ومن الضفة الغربية، بهدف تهجير أكبر عدد منهم.

تغليف كل ذلك بعنوان انها تعمل على حل للقضية الفلسطينية يؤدي الى قيام دولة فلسطينية (هذا طبعا ليس هدفها) الى جانب إسرائيل، من خلال مفاوضات بحلة وأساليب جديدة مع سلطة فلسطينية، ولن يكون هناك مانع لديها ان تكون حماس جزء منها، ولكن حماس التي ستواصل أمريكا العمل على اضعافها وتغيير جوهرها بمساعدة اتبعاها في المنطقة، وستستخدم قطر والسعودية ومصر والأردن وتركيا الى اقصى حد في ذلك وخاصة قطر.

في خضم كل هذه العملية ستقوم بتقوية علاقاتها مع تركيا واعطائها دور إقليمي اكبر لتساعد في إنجاح هذه العمليات المتلاحقة.

هل سينجحوا في ذلك؟! لا اعتقد

الشعب الفلسطيني

عملية طوفان الأقصى اثبتت ان الشعب الفلسطيني لا يتوقف عن النضال مهما كانت الظروف التي يوضع فيها، وانه كلما فشل في تحقيق التحرر والاستقلال من خلال شكل معين من النضال او أداة معينة، فانه يجد اشكالا جديدة وأدوات جديدة، ولم يتوقف عن ذلك منذ الاحتلال البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى وحتى الان.

الشعب الفلسطيني لن يقبل أي قيادة تفرض عليه ولن يعترف بأية قيادة غير منتخبة.

تقوية اطر فصائل الثورة كلها (السياسية والاجتماعية والثقافية)، وليس فقط خلايا مسلحة وهذا يتطلب من حماس مواصلة التحول الى حركة وطنية منفتحة على الجميع، كل هذا يساعد في التصدي للمخططات الامريكية بفرض قيادة على الشعب الفلسطيني.

تسخير كل الإمكانيات لدعم صمود المواطنين في الوطن والحد من الهجرة.

تعزيز العلاقات مع الشعوب العربية والعمل على قطع الطريق امام أي محاولات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل لإبقائها منبوذة في المنطقة والضغط لقطع العلاقات القائمة.

بناء تحالفات وعلاقات قوية مع كل الحركات العالمية المناصرة للشعب الفلسطيني. 

التركيز على الساحة الامريكية والأوروبية للمحافظة على الزخم غير المسبوق في الرأي العام الرافض لجرائم إسرائيل والداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، لتحويله من تعاطف انساني في معظمه الى فعل سياسي. وهذا يتطلب من الفلسطينيين والعرب هناك إيجاد لوبي منظم وفاعل لمواصلة العلاقة وتقويتها مع هؤلاء للتأثير في المجتمع وعلى البرلمانات والحكومات، ومن الضرورة بمكان ان يقيم هكذا لوبي علاقات تحالف قوية من المؤسسات اليهودية المعادية للصهيونية، والذين كان لهم دور فعال ضد جرائم إسرائيل وفي التحركات لدعم الشعب الفلسطيني خلال هذه الجولة، فهم اكثر اطلاعا من غيرهم على الوضع، بحكم ان هذه الجرائم ترتكب باسمهم. وكذلك للتأكيد على حقيقة ان الشعب الفلسطيني يناضل ضد الصهيونية والاحتلال ولا يعادي اليهود.

الضغط الشديد في كل العالم لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين في المحاكم الدولية وخاصة المحكمة الجنائية الدولية فالفرصة هذه المرة اقوى من سابقاتها.

هذه الجولة ليست الأخيرة ويجب الاستفادة من كل التجارب السابقة، ودراسة هذه الجولة خاصة واستخلاص الدروس منها.

اقرأ ايضاً

عملية طوفان الأقصى – 7 أكتوبر 2023 وما بعدها (3 – 4)

شكرا للتعليق على الموضوع