محسن عقيلان يكتب: العملية العسكرية وملامح نظام مالي دولي جديد

بدأ بوتين عمليته العسكرية ضد اوكرانيا بتاريخ ٢٤ فبراير من الشهر الفائت ولم تكن مفاجئة للكثير الا للموساد حسب زعمه !؟

لكن المشكلة ليست في العملية العسكرية بحد ذاتها لكن فى ما وراء العملية  العسكرية هل استعدت روسيا للاثار المترتبة على تلك العملية هل وضع بوتن جدول زمني للعملية و هل الاقتصاد الروسي جاهز لإستقبال العقوبات الغربية وهل الولايات المتحدة عقوباتها ضد روسيا ام اوروبا  والى اي مدى استطاعت الصين تطويع الاحداث لمصلحتها لخلق آليات اقتصادية  جديدة.

فى البداية لا يوجد زعيم يقدم على اتخاذ قرار الحرب دون خطة مسبقة  وسقف من الاهداف سواء كانت اهداف معلنة أو  خفية وبوتين ليس استثناء فأهدافه المعلنة كما قالها في الاعلام حماية اقليم الدونباس من الابادة الجماعية وحماية حدود روسيا من التهديدات الخارجية  لكن حجم القوات وعدد الجنود وقوة النيران المستخدمة والهجوم من عدة محاور من روسيا ومن بيلاروسيا يدل ان هناك اهداف غير معلنة  وحسب المعطيات و اراء المحللين أنه ذاهب لقلب نظام الحكم في اوكرانيا وخلق  حكومة موالية وهذا ما قاله علنا عندما دعا الجيش الاوكراني لاستلام زمام الامور مما دفع الرئيس زيلينسكي لاستحداث مقر القائد الاعلى وترؤسه وايضا منع التهديد النووي الاوكراني وهذا ترجمه سريعا بالسيطرة على مفاعل تشرنوبل ومحاصرة اغلب المفاعلات الستة فى شرق أوكرانيا بالإضافة لمفاعل بالقرب من العاصمة كييف و تدمير سلاح اوكرانيا التقليدي الثقيل وترجمه بقصف جميع المطارات والمنشآت العسكرية بما فيها من سلاح ومعدات واخيرا مسألة الاعتراف بجزيرة القرم روسية وهذه الاهداف أصبحت علنية واضاف إليها فى المفاوضات منع اوكرانيا من الانضمام لحلف الناتو واضاف بوتين أننا لن نقبل اوكرانيا نووية  وذهب ابعد من ذلك إذا استمر القتال يجب أن تسألوا عن الدولة الاوكرانية لكن هذا الاندفاع وهذه الحماسة هل هناك ما يقابلها  من ردع عسكري اوروبي او امريكي طبعا لا وجاء كلامهم واضح لن ندخل فى مواجهة مباشرة مع روسيا ولكن سنفرض عقوبات اقتصادية وهنا تبدأ القصة هل استعدت روسيا  لتلك العقوبات وأتى الجواب سريعا  ان روسيا بوتين  منذ ٢٠١٤ استعدت لتلك العقوبات من خلال إعادة هيكلة اقتصادها و قللت الاعتماد على الدولار على سبيل المثال في عام 2014 كان اعتمادها على الدولار 97 ٪ اما في عام 2022 حسب الاقتصاديين اعتمادها فقط 33 ٪ على الدولار واصبحت احتياطات روسيا من الدولار 16٪  فقط والباقي احتياطات من الذهب والعملات الصعبة الأخرى لذلك عندما بدأ الغرب بإخراج روسيا  من نظام سويفت  قالت رئيسة البنك المركزي الروسي الفيرا نابيولينا  ان البنية التحتية المالية لروسيا  يمكن ان يحل نظام spfs اس بي اف اس محل نظام  swift الدولي و ربطه بنظام cips  الصيني سي اي بي اس والمعروف بنظام شيبس وهو نظام مدفوعات عبر الحدود بين البنوك وانضمت ايران اليهم  عام 2019 من خلال نظام مقاصة محلي  المسمى sepam.

 لذلك منذ ٢٠١٤ وروسيا تتبنى اقتصاد الحصن الذي يعمل على الاكتفاء الذاتي الاقتصادي وتكديس العملات الاخرى دون الدولار وعلى الرغم من ان النظام الثلاثي معمول به في روسيا والصين وايران لكن مدى صلاحيته أن يكون بديل عن نظام سويفت  الارقام لا تشجع كثيرا لأن نظام شيبس الصينى يعالج ١٣٠٠٠ الف معاملة فى اليوم اما نظام سويفت يعالج ٤٠مليون معاملة بالإضافة إلى ان انتشاره ليس بحجم سويفت ولا يعمل على مدار الساعة كنظام سويفت اى يصلح أن يكون بديل ولكن ليس بشكل كامل.

هناك سؤال أخر هل ستلتزم الدول بهذه العقوبات الواقع يقول غير ذلك ابتداء بأمريكا التي تدرس إعفاء بعض القطاعات من تلك العقوبات وخاصة قطاع الالومونيوم لحين توفر البديل لاثاره الصعبة على الاقتصاد الامريكي لأن ١٠ ٪ من واردات الالومنيوم من روسيا وألمانيا تدرس إعفاء بعض القطاعات من العقوبات وخاصة قطاع الغاز وتركيا على لسان وزير خارجيتها تقول انها غير مضطرة لتطبيق العقوبات وإسرائيل التى تجاهر بدعم اوكرانيا وصفها وزير خارجية اوكرانيا بالنفاق بسبب تهرب الشركات الإسرائيلية من العقوبات والقائمة تطول هذا بالنسبة للدول الصديقة لاوكرانيا فما بالك بدول صديقة لروسيا  بحجم الصين التى ستسهل لروسيا التهرب من العقوبات وهى المستفيد الأول لانها ستنمي نظامها المصرفى شيبس المسمى السويفت الصيني وشركة( يونيون بى).

(union pay) ستصبح بديلا عن فيزا وماستر كارد والبنك الآسيوي للبنية التحتية  برأس مال ٥٠ مليار دولار ويضم ٣٥ دولة بديلا عن البنك الدولي

لكن السؤال هل العقوبات باتجاه واحد ولن يتأثر الغرب بها طبعا الإجابة فى الارقام   40 ٪ من احتياجات اوروبا من الغاز الروسي و 27 ٪  من احتياجات اوروبا من النفط الروسي حتى امريكا  تستورد حوالي ٩مليون برميل من النفط شهريا من روسيا و يوجد حتى كتابة هذه المقالة ١٢ مليون برميل من النفط الروسي متجهة الى الموانئ الأمريكية وحسب وكاله بلومبيرغ فان الولايات المتحدة تدرس اعفاء بعض الواردات مثل الالمنيوم الروسي من العقوبات الأمريكية  وايضا  يوجد 350 مليار دولار من ممتلكات وقروض اوروبية في روسيا فإذا جمد الغرب  175 مليار دولار اصول روسيا في الغرب سيعفي روسيا من سداد 350 مليار دولار.

اذا  الغرب كمن يطلق النار على قدميه واثار العقوبات ستؤثر على روسيا لكنها لن تثني بوتين عن الاستمرار في عمليته العسكرية و سترتد اثار عقوباتهم السلبية على بلدانهم  وللتوضيح اكثر بان العالم مقبل على أزمات اقتصادية ان روسيا تدرس فرض حظر على بعض صادراتها ولك هذه الأرقام البسيطة على سبيل المثال لا الحصر أن ١٤٪من النيكل و٢١٪ من البلاديوم و١٩٪ من القمح عالميا كلها بختم روسي كيف سيكون آثارها السلبية ولو اضفنا الغاز والنفط للسلع المحظورة ستتجمد اوروبا.

الكاتب: باحث فى العلاقات الدولية

اقرأ للكاتب

محسن عقيلان يكتب: تركيا – مصر.. عودة العلاقات أم إعادة رسم السياسات

شكرا للتعليق على الموضوع