جمال هريدي يكتب: اكتب اليكم
أكتب إليكم اليوم فى لحظة أتمنى أن يتفتح فيها الوعى على مصر وتنفسح الرؤية على مواقع مصر والمصريين فى العالم ..ويصحو الإدراك على حقيقة المسؤولية التى ألقيت على عاتقهم .. لحظة تنتفض الإرادة من نعاسها الطوييييل وترفع النداء إلى الجميع بأن مسؤوليتكم يجب أن تحيلكم إلى عمالقة فى كل الأبعاد والمساحات والأماكن، فالمسؤولية عظمى بعظمة ماضيكم وتاريخكم فقد كنتم فى يوم من الأيام مهد الإنسانية وعمقها الحقيقى ، ومن هنا كان الماضى ثمار محتوم لهذا الإختيار العظيم ولذلك وإزاء هذا الوضع والإختيار على كل مصرى ومصرية أن تظل رايته خفاقة فى الأعالى لأن نداء الإنسانية الذى حفر فى وجدان الإنسان المصرى محفور إلى يوم الدين . أكتب إليكم .. والعالم يكسوه الظلام ويكفنه غبار العدم .. يخنق أبناءه القلق والسأم والخواء .. الشخص الواحد فى هذا الكون أصبح فى اليوم الواحد ألف بل مليون شخص .. يتمزق من أعماقه حتى أصبح أشتاتا وأجزاء ..كل جزء منه أقرب إلى شئ ..كل قطعة منه ترغب فى شئ ..كل فرقة منه تعشق شيئا .. لكنها جميعا لا تلتقى على هدف واحد ..على معنى أو شعور أو وجدان واحد أو حتى خلجة واحدة وهذا يعذب الإنسان ويشقيه ويعذبه..الشر يقف له فى كل مكان يغربه ويدعوه أن أقبل هنا هلم علينا يعرض عليه فتن الكون وإغراءاتها وسرعان ما يستجيب فيسقيهم الخمر والحشيش والأفيون والمخدرات وينثر تحت أقدامهم الأموال والأشياء ويشبع نهمهم إلى الجنس والمأكولات ، لكنه لا يوحد أشتاتهم ، لا يشد وجدانهم ، لا يمنحهم الأمن والسكينة والطمأنينة ، وهكذا يظلون يدورون ويلفون فى الدوامة ، معذبين قلقين أشقياء فيغرقون أنفسهم بمزيد من سموم النسيان أو ينتحرون لأنهم ليسوا سعداء .
الآلية (أى الآلة) تسيطر اليوم على وجود أو عدم وجود الإنسان ..تكبل يديه بالسلاسل وتضغط على عنقه فتسد مسالك الهواء إلى رئتيه بل وإلى كيانه وذاته ..إنه يشعر بالإختناق ..دخان المصانع وغبار المناجم وتراب العمارات الشاهقة ولهيب الحروب المختلفة يهب عليه من كل مكان يحاصره هنا وهناك ..يحجب عنه خيوط الشمس الساطعة ونور القمر الهادى ..يسد كل منافذ الرؤية ويحجر على سمعه .. إنه لم يعد يسمع إلا أصوات التكاتك والآلات وهى تدور والجرارات والمعاول وهى تنقب عن الذهب فى ظلمات الليل ، والغناء الحزين يرفع به هذا العامل المطحون معنوياته وهو معلق فى أعالى العمارات والمبانى يبنى جدارا أو يصب سقفا.
الآله والدخان منعتا عن الإنسان الرؤية والتنفس والسمع وها هما فى مساحات شاسعة فى الكون تمنعانه من الكلام ..إنه لم يعد يستطيع أن يصرخ ولا أن يقول شيئا .. ما عدا ما ينسجم مع هذا الوجود المعاصر بآلاته ودخانه وصخيبه .. وإلا فسيُقتل أو يسُجن أو يُعذب بحجة أنه خارج على النظام أو أنه مجنون. أكتب إليكم اليوم وأنا أرى وبكل وضوح حرية الإنسان وقد فقدت معناها العميق وأصبحت رغم إزدياد بريقها وتوهجها ، سلسلة من قيود وأغلال تشل إرادة الإنسان وتغل يديه وتكم فمه وتحجب على عينيه وتسد آذانه.
إن عليه أن يسير فى الطريق الذى إختاروه له .. أن يؤدى الحركات التى كلف القيام بها ..ألا يتجاوز عدد الخطوات التى سمح له بتخطيها ، إن أى محاولة منه لتعدى الطريق أو إختيار حركات جديدة ، والسير خطوات أخرى إلى الأمام سوف تقضى عليه بالإعدام .
إن حرية الجاهلية المعاصرة ليست سوى خدعة كبرى أحالت الناس إلى قطعان من الماشية لتجارب التلقيح الصناعى .. وحظائر من الفئران للإختبار المعملى والطبى .. وممالك من النمل لخزن الغلال والحبوب لأيام الشتاء الحزينة .. وأسراب من الجراد يسلط بها الحكام غضبهم على المقهورين والمعارضين لتأكل ثمارهم وتقضم جهدهم وكدهم ..وتحيل نتاج عرقهم ودمائهم إلى أرض بور.
إن الحرية التى أعطيت للإنسان ضحكة قاسية يطلقها الشر كل يوم ، وإغراء بمزيد من القيود والسلاسل تشد على يد الإنسان وعنقه وتمنعه من الإختيار ..الله سبحانه وهب الحرية للإنسان وقال له إصنع بها مصيرك المتفرد العظيم أو تخبط بها فى الظلمات.
إن الحقد والكراهية اليوم يأكلان قلب الإنسان ..أين الحب والتآلف والوداد ؟ لقد ذهبت كلها مع الريح ، غطاها الدخان الأسود الكثيف ..حتى حب الرجل للمرأة ..لم يعد يملك ذرة من وجدان .. لم تعد تهزه أنهار العاطفة بعد إذ ردمتها الكراهية فى أعماق القلوب ومسالك الضمائر ..للأسف الإنسان المعاصرلم يعد يحب حتى نفسه ..إنه يكرهها ..إن مقته لها قد تجاوز كل حد فى تاريخ البشرية .. وها نحن نشهد كل يوم مزيدا من الإغتيالات والقتل والإنتحار وهى كلها تعبر بلا شك عن هذا البُغض والكراهية ..عن الحق الذى ينفث سمومه فى شرايين الإنسان … فعلى كل مصرى وكل مصرية أن تأخذوا أماكنكم فى الأمام لتوقفوا ليس فقط إنحدار البشرية فى مصر بل وفى كل مكان هذا الإنحدار المخيف إلى هاوية الكراهية والغضاء ولتوجهوها من جديد .. وكما يريد الله سبحانه لها أن تسير إلى عالم الحب والرحمة والتآلف والوداد.
لحديثى بقية بإذن الله
اقرأ ايضاً
خالد على يكتب : لن تحيا مصر قبل ان احيا أنا