أسامة العيسة يكتب: في بيتنا جاسوس!

منذ أكثر من أربعين يومًا، يتعرَّض منزلي في مخيم الدهيشة، ومكتبتي في خلايل اللوز، إلى اقتحامات احتلالية، وتعرضت وعائلتي لانتهاكات، وتخريب، واعتقال، وتهديدات باغتيال ابني، ما زالت، ولكن ما حفزّني للكتابة، هو الصور التي نشرتها مواقع إخبارية لما وصفته بالجاسوس، خلال اخر اقتحام لمنزلي في المخيم يوم أمس الأوَّل الاثنين.

علمت، ولم أكن أعلم، أنَّ قوات الاحتلال، وفي إجراءات قد تكون جديدة، تصطحب معها جاسوسًا، خلال اقتحامات المنازل، يرتدي ملابس عسكريَّة، وخوذة مثل الجنود، ولكنَّه يُطمس الوجه، لطمس هُويته، ولا يحمل سلاحًا، وأيضًا، يمسكه أحد الجنود خلال المسير، فيبدو كالمنقاد إلى حبل مشنقة.

تأملت في صور الجاسوس، التي التقطتها كاميرات الهواتف الرقمَّية، وساعد في ذلك أنَّ الاقتحام حدث صباحا، وأنا على يقين أن وظيفة هذا الجاسوس، ليست أَمنيَّة، ولن يضيف وجوده لمعلومات المقتحمين عنا شيئًا، فهم أصبحوا يعرفون تفاصيل المنزل، وحتَّى عدد الحيوانات الأليفة التي تعيش معنا.

هذا الجاسوس، المقيد بيد جندي، والمغطى كي لا يكشف عاره، محنيّ الرأس، بدون هامة، هو أدنى درجات الجوسسة، في المجتمعات العربيَّة. أدقق في الصورة، وأتساءل ماذا يعرف عني وعن عائلتي هذا الجاسوس المسكين؟ هل يعرفني شخصيًا؟ يراني في الشارع؟ يتابع ما أكتب؟ ما هي مشاعره لو رآني صدفة؟ هل سينتشي لانتهاكه منزلي بحماية جيش محتل؟

صور الجاسوس، التي التقطتها كاميرات الهواتف الرقمَّية
صور الجاسوس، التي التقطتها كاميرات الهواتف الرقمَّية

لماذا أولي اهتمامًا زائدًا بهذا الجاسوس، وهو الأدنى رتبة، كما أخمن، في طبقات الجواسيس التي نتعامل معهم ويعيش العربيِّ في أكنافهم؟ ماذا مثلًا عن ولاة الأمر الجواسيس؟ وفئات المثقفين التي تطبِّل وتزمِّر لهم؟ ماذا عن اتحادات الكتَّاب والصحافيين، التي يخط رؤساؤها، التقارير لمخابرات الحكَّام العملاء؟ ماذا عن مئات الأكاديميَّين، ورجال الدين، والاقتصاديين، وممثلي عائلات، والأحزاب، التي تسبح بحمد حكَّام العار؟

ماذا عن دول الطوق، التي تحاسب الفلسطينيِّين، عندما يصلون حدودها، فتصليهم، بناء على ملفات المخابرات الإسرائيليَّة؟ ماذا عن الوالي العربيِّ القح الجاسوس، والمفتى الجاسوس، ورئيس الجامعة الجاسوس، والشيخ الجاسوس، وزعيم العشيرة الجاسوس، والأمين العام الجاسوس، وعضو المكتب السياسي، والأمين العام المساعد، ونقيب الممثلين، وعريف الشحاذين،..و..!

يروق لي، رؤية وجه هذا الجاسوس، لم أتبيَّن السبب حتى الآن. أنظر في وجهه دون سؤال، أو انتظار جواب.

يمكن للمرء أن يكون حرًا في ظل الاحتلال، وأرخبيل سلطات، كما في حالة فلسطين الانتدابية، ولكنَّه لن يكون نفسه في أيٍ من دول العرب!

هذه مناسبة لأعبِّر عن امتناني العميق، للأعزاء ممن كتب، واتصل، وتضامن، وزار، وأصدَّر بيانًا، فأنفاس النَّاس تحي الناس: عميد شحادة، ومعن ياسين، وشوقي العيسة، ورحمة حجة، ونزار العيسة، ومصطفى بدر، وقصي العيسة، وأحمد مزهر، وبشَّار برماوي، وسعدي العيسة، وإبراهيم الخطيب (أبو وسيم)، ونادر دكرت، وحسام أبو النصر، وعاطف أبو سيف، ومجدي شوملي، وناديا حرحش، ويوسف شرقاوي، وجمال القواسمي، وحمزة العقرباوي، وزياد صلاح، وجهاد فرَّاج، وبهاء رحَّال، ومحمد غفري، وخالد الصيفي، وصالح أبو لبن، وعيسى عدوي، ورمزي أبو صوي، ومحمد القصَّاص، وفادي سند، وحسين القصَّاص، وعبد الفتاح إخميِّس، وأحمد زبون، وزهير طميزي، وسمير زقطان، ورائد العيسة، ونهلة مشعشع، وفاطمة عدوي، وسليمان سالم، وعبير صلاح، وأيمن داود، وهدير برق، وإبراهيم عدوي، وعصام الريماوي، ومحمَّد غسَّان.

عليَّ نقش الأسماء، وحفرها، رقومًا، في بلاد الحُفر!

نحن الأسماء كلّها! من نعرف اسمه السريِّ. نحن منطق الطير!

اقرأ ايضاً

شوقي العيسه يكتب: نهاية مرحلة سياسية

شكرا للتعليق على الموضوع