مدحت محي الدين يكتب: اللا ذكاء الاصطناعي

في الآونة الأخيرة عزيزي القارئ ظهرت طفرة في عالم التكنولوجيا تدعي “الذكاء الاصطناعي”؛ برنامج يمده المستخدم ببعض البيانات البسيطة ويقوم البرنامج بالباقي؛ فمثلا يطلب من طالب بالكلية بحث عن موضوع ما فبدلا من أن يجتهد ويبحث بالمراجع أو بشبكة الانترنت يقوم بإدخال كلمات بسيطة عن موضوع البحث ببرنامج الذكاء الاصطناعي فيقوم البرنامج بكتابة البحث! وغير ذلك من الأمثلة التي ساهمت في اختزال العنصر البشري وحصرت دوره في إدخال بيانات بسيطة فقط.

من الأمثلة لتطبيقات هذا البرنامج أيضا عزيزي القارئ استخدام صورة شخص ما وتحريكها أو بمعنى أصح تحريك فم الشخص وكأنه يتحدث وتركيب صوت عليه لسرد بعض الأحداث، وانتشرت هذه الفيديوهات بشدة في الفترة الأخيرة على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”؛ في بادئ الأمر اقتصر الموضوع على فنانين راحلين من زمن بعيد جسدهم برنامج الذكاء الاصطناعي في فيديوهات بأصوات مختلفة عن أصواتهم الأصلية يسردون على الجمهور قصة حياتهم، و لاقت هذه الفيديوهات تفاعل كبير جدا من الجمهور و انتشار واسع في فترة قليلة، ثم تطور الأمر لما هو أسوأ بكثير و أصبحت هذه الفيديوهات وسيلة لتزييف الحقائق و دس الأفكار المسمومة في العقول كبث فكرة أن الحضارة المصرية لم تكن صناعة المصريين و غيرها من الأفكار الغربية المشوهة التي يحاول كل حاقد فرضها على مصر.

تطور الأمر إلى أبعد من فكرة التسلية، بل إلى أبشع المراحل عزيزي القارئ؛ فقد قامت بعض الصفحات على “الفيسبوك” باستخدام هذا البرنامج لتجسيد بعض الضحايا اللذين قتلوا بجرائم شغلت الرأي العام بالسنوات الأخيرة ليظهر تجسيدهم وهو يحكي للجمهور عما حدث لهم بالتفصيل دون أي مراعاة لأهالي الضحايا ولا التفكير في كيف سيكون شعور أب مكلوم أو أم مكلومة وهي ترى فيديو لابنها أو ابنتها الراحلة وهي تحكي كيف قتلت! كيف تعاد الأحداث الأليمة مرة أخرى عليهم دون رحمة!! بالإضافة إلى التأثير السلبي على المجتمع من إعادة نشر تلك الجرائم وتعريفها للأجيال الأصغر وذلك بحسب رأي العديد من الأطباء النفسيين من الممكن أن يتسبب في إصابة الناس بالتبلد والتعود على الغير مألوف وتقبله و كأنه أمر عادي، مع الوقت ستموت الضمائر و تقسى القلوب، و عندما يحدث ذلك فتكرار الجريمة و انتشارها سيكون وارد بشدة.

إلى الآن لم أجد ميزة لما يسمونه الذكاء الاصطناعي، بل كل ما وجدته هو العيوب والتأثير السلبي على البشرية، لذلك لم أعد مقتنعا بأن مصطلح “الذكاء” هو المسمى الصحيح لهذا العبث، فالذكاء هو ما يفيد البشرية وما يسهم في النهوض بالمجتمعات والتحسين من جودة الحياة، وبما أن ذلك لا ينطبق على هذا التطبيق الجديد فاسمح لي عزيزي القارئ بأن أطلق عليه “اللا ذكاء الاصطناعي”.

اقرأ للكاتب

مدحت محي الدين يكتب: وأفضل من جونى ديب

شكرا للتعليق على الموضوع