مصطفى جودة يكتب: تغطية حرب حماس وإسرائيل «2 ــ 2»
كتب إدوارد سعيد كتابه تغطية الإسلام فى عام 1981، بعد عامين من الثورة الإيرانية وفيه أوضح كيف تقوم وسائل الإعلام الغربية خصوصا الأمريكية ومعها الخبراء المتخصصون بالتأثير على المشاهد الغربى وبرمجته فى إتجاه واحد فى رؤية بقية العالم. كانت أزمة الرهائن الأمريكية واحتجازهم فى السفارة الأمريكية فى إيران هى المحفز لسعيد لكتابة كتابه وما تلى ذلك من تفاعلات شديدة فى العالم كله. كان رد الفعل حدوث الكثير من التغيرات الجذرية فى المجتمع الأمريكى وعدم تجديد انتخاب الرئيس الأمريكى كارتر لفترة رئاسية ثانية وانتخاب رونالد ريجان رئيسا محافظا يسيطر عليه اليمين المتطرف وعلى كثير من مجريات الأمور. فى عام 1997، صدرت طبعة ثانية للكتاب وتمت فيها إضافة تغطية حرب الخليج الأولى ومحاولة تدمير مركز التجارة العالمى. أثبت فيها سعيد أن هناك ما يشبه المانويل الثابت فى كل الحوادث وأن الأساس فيها هو الإرهاب الإسلامى والهيستريا الإسلامية، وأنهما المشكلتان اللتان يتحتم على العالم التعامل معهما وإدانتهما.
كتب سعيد فى مقدمة الكتاب أن الإسلام أصبح وكأنه كبش فداء لكل شىء فى العالم الغربى كلما حدثت أمور مضرة باقتصاده أو مجتمعه. أصبح الإسلام هو الممثل للبربرية بالنسبة لليمين، وبالنسبة لليسار فهو يمثل العصور الوسطى وظلامها، وبالنسبة للوسط فهو «الغرابة المقززة»، وأن الثلاثة متفقون على عداوته.
ذكر سعيد فى الفصل الأول والمعنون الإسلام والغرب أن الإسلام هو نقيض الغرب، وأن ذلك التناقض هو الإطار الحاكم لكل ما يعرفه الغرب عن الإسلام. يرى سعيد أنه طالما ظل هذا المفهوم سائدا، فإن الجهالة فيما يخص الإسلام ستظل هى الحاكمة وأن الهجوم العنيف على الإسلام والمسلمين يمثل إجبارا لهم على دورمفروض عليهم من قبل الإمبريالية العالمية.
يقتفى سعيد عبر ثلاثة فصول اساسية هى الإسلام كنوع من الأخبار وإيران والمعرفة، وفيها يشرح العلاقة بين الإسلام والغرب الأوروبى المسيحى والصراع المسلح بينهما فى العصور الوسطى. يخلص سعيد أن الخوف المصاحب لذلك الصراع ما زال له أثر فى نفسية الغرب، وبالتالى فإن مرد الخوف من المسلمين له جذور دينية. يفسر سعيد أن الارتفاع الكبير فى أسعار البترول عقب حرب أكتوبر ليس إلا محاولة إسلامية لقهر العالم مرة أخرى، وهو الأمر الذى ترك الغرب فى حالة خوف كبير واستحضار لمشاعر العداء للإسلام عند الغرب كله.
يشرح سعيد أنه طالما وجد هذا الإطار فإن المعنى الحقيقى للإسلام لن يدرك. إضافة الى ذلك فإن الإعلام الغربى يتعمد عن قصد إخفاء حقيقة الإسلام عن المواطن الأمريكى. فى الفصل الثانى يصف سعيد التغطية الإعلامية عن إيران وقت حدوث أزمة الرهائن الأمريكيين وأن هذه التغطية مليئة بالجهل والابتذال والسخرية وافتقاد الرغبة الحقيقية وعدم الدقة. يصف إدوارد سعيد التغطية الإعلامية إبان اقتحام السفارة الأمريكية بطهران بتاريخ 4 نوفمبر 1979 واحتجاز 52 أمريكيا لمدة 444 يوما دعما للثورة الإيرانية واحتجاجا على السياسة الأمريكية ضدها. يصف سعيد ردود الفعل الأمريكية والتغطية الإعلامية بسوء النية والتشوه المتعمد. التغطية تصف الغربيين بأنهم طبيعيون أما الإيرانيون فهم عصبيون متعطشون للموت والشهادة وغير منطقيين وتصف قائدهم الخمينى بالمستبد الذى يرتدى عمامة كئيبة ويحاول جر إيران للقرن السابع. التغطية تهدف الى إظهار الإسلام بالإرهاب ووصف ما يحدث بالبربرية الجديدة وبأنه ضد الغرب، وأن الثوار الإيرانيين معادون للحداثة كما وصفهم بعض المحللين بأنهم شيوعيون إمعانا فى التشويه. أدت محاولات التشويه المتعمد تلك الى شحن الرأى العام الأمريكى وتأجج مشاعره الوطنية لدرجة الدعوة لضرب إيران بالأسلحة النووية. الفصل الثالث عن المعرفة والقوة وفيه يفسر سعيد أن المعرفة وتغطية العالم الإسلامى تعرفان وتقترنان بالاهتمامات الاقتصادية والسياسة الحكومية. ينظر للإسلام أنه يمثل خطرا وأنه ردة للعصور الوسطى وأنه خطر وتهديد وأن هذا التفسير يكاد يكون شريعة ومنهاجا. اقترح إدوارد سعيد ضرورة وجود معرفة بديلة لعلاج ذلك القصور سماها المعرفة المضادة وعرفها بأنها نوع من المعرفة البديلة ينتجه المهتمون لمعادلة المعارف الموجودة والسائدة حاليا.
مات إدوارد سعيد حامل الراية وتركها دنيا تعج بنفس المشاكل. يبدو أن الغرب يأمر الناس بالبر وينسى نفسه. أصبح يساند الظالم ويلوم الضحية. لو أن إدوارد سعيد على قيد الحياة لكتب كتابا رابعا عما يحدث، ولصدمته التغطية الإعلامية البشعة فى عهد الإنترنت واليو تيوب والفيسبوك. كان سيكتب كتابا عن مقولة المستشار الألماني الذي وصف حماس بالنازية الجديدة وهو فى إسرائيل يعرض المساعدات ويقدم الطاعة ويعتذر عن ماضيه الذى نكل باليهود. لو كان إدوارد سعيد حيا لصدمته كلمات نيتانياهو وأوصافه لحماس بالبربرية ولتزكية نفسه بالحضارة والإنسانية، ولخروجه بعد ضرب مستشفى المعمدانى واتهامه حماس بأنها الفاعلة. كان سيغضبه قول وزير الدفاع الإسرائيلى: نحن نقاتل حيوانات بشرية. كان حتما سيكتب كتابا عن الإدارة الأمريكية التى تقدم كل يوم فروض الطاعة وترسل جميع أفرادها يوميا لطمأنة المفترى ولوم الضحية، ولتعده بالبلايين وتمده بمزيد من الأسلحة الفتاكة ليقتل المزيد من أبناء فلسطين وليقول الرئيس الأمريكى لنيتانياهو أنت على الحق المبين عندما ذكر وكرر أن حماس تقطع رؤوس الأطفال بعد قتلهم وتغتصب النساء أمام آبائهم. وليقول له أنت على حق وأن حماس هى التى فجرت المستشفى وقتلت أكثرمن 500 فلسطينى: أنت صادق وكل المصادر الأخرى كاذبة ومدعية. أنت محق فى كل كلمة وكل وصف وأنت دائما على صواب مثلما كان يقول الحصان بوكسر فى رواية مزرعة الحيوان لمؤلفها جورج أورويل: الرفيق نابليون دائما على صواب.
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا.
gate.ahram
اقرأ للكاتب
مصطفى جودة يكتب: تغطية حرب حماس وإسرائيل (1ــ 2)