مصطفى جودة يكتب: نيتانياهو «2 ــ 2»
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا.
تعود نيتانياهو على رفاهية اهتمام الآخرين وإعجابهم المتناهى بما يقول فصار لا يرتضى عن ذلك بديلا. كانت ردة فعله على مافعلته حماس فى عملية «طوفان الأقصى» كلمات وكأنها استمرار لخطابه الأول على الحضور المشترك لمجلسى النواب والشيوخ. قال فى خطاب غاضب له بتاريخ 12 أكتوبر إن كل عضو من حماس هو عضو ميت، وقال أمام الكنيست بتاريخ 16 أكتوبر إنه يطالب العالم كله بالتحالف معه ضد حماس وأن حرب إسرائيل هى حرب العالم.
كان خطابه الأول أمام الجلسة المشتركة يعكس خطته الإستراتيجية ومن أجل ذلك ذهب الى واشنطن ليميط اللثام عنها أمام أصحاب القرار والشعب الأمريكى كله. جاء ليقول لهم إنه يمثل بداية جديدة فى الخطاب ناعمة ومختلفة عن سياسات سابقيه الذين يقولونها بخشونة وبلا رتوش. كان يملك الموهبة التى تؤهله لأداء تلك المهمة فهو الملم بالثقافة الأمريكية إلماما كاملا وبالتالى فهو يأمن مكرهم ويعرف سرهم. فهو حاصل على الثانوية العامة منها إضافة إلى تعليمه الجامعى وتخرجه من واحد من أهم معاقل التعليم فى العالم وهو معهد ماسيتشوسيتس للتكنولوجيا ببوسطن. استطاع من خلال تلك المعارف أن يغير وجهة نظر الكثيرين. استطاع خلق صداقات كثيرة مع صانعى القرار منهم الرئيس الحالى جوزيف بايدن وكثير من أعضاء إدارته الحالية، كما استطاع تجنيد اليمين المتطرف الذى يكاد يعتبره رسولا. فهو يتبنى الإكثار من استخدامه للكتاب المقدس كثيرا بمناسبة وبدون مناسبة ليجندهم إلى صفه، وقد نجح فى ذلك كثيرا عبر ستة عشر عاما فصار أيقونة لهم. إنه يقول الكلام ويكثر تكراره ويفعل نقيضه ويطلب السلام مقابل ذلك الكلام وهو غير مستعد لدفع المزيد. من أجل ذلك جعل رحلته الأولى لأمريكا لعلمه بسلطانها وقوتها. جاء لهم ليقول لهم ما قاله فى نهاية خطابه الأول ويختمه بلحن القول الذى يعشقونه ليضمن رضاهم: فليبارك الله إسرائيل وليبارك الولايات المتحدة، وليصف نفسه ويصفهم بالحضارة والورع . استخدم قدراته وتكراره كلمات بعينها ليرسخ فى أذهان سامعيه خطورة أعدائه وتخلفهم. هو يتبنى أسلوب البروباجندا: يكرر الشعارات ويوصم أعداءه بالإلصاق ويستخدم الإرجاف الشديد والتجبر والإحساس به والتمسك بالقيم الأخلاقية الرفيعة ووصف العرب بالنقيض ليرسخ خطته. يتحدث دائما عن السلام ولا يمشى فى طريقه. وصفه صحفى إسرائيلى بقوله إنه يتمسك بحل الدولتين ويعمل قصارى جهده على إفشاله.
تأمل أقواله: نحن نستخدم الصواريخ لحماية مواطنينا وأعداؤنا يستخدمون مواطنيهم لحماية صواريخهم. الحقيقة لو أن إسرائيل ألقت سلاحها فإنها ستنتهى ولو ألقى العرب سلاحهم فإن الحروب ستنتهى. فكرة فرض السلام من الخارج فكرة فاشلة. سيفهم الإسرائيليون ما أقوله دائما أن أى اتفاقية سلام تطلب منا التخلى عن حدودنا الآمنة غرب نهر الأردن غير مقبولة”. ” إسرائيل القوية هى التى ستجبر العرب على الجلوس على طاولة السلام. إسرائيل ليس لديها صديق أفضل من أمريكا وأمريكا ليس لديها صديق أفضل من إسرائيل. نحن نقف معا لندافع عن الديمقراطية والسلام ولنحارب الإرهاب. أنا دائما أخسر الانتخابات فى استطلاعات الرأى وأكسبها يوم الانتخاب. يعتقد النازيون فى سمو عنصريتهم ويعتقد المتطرفون الإسلاميون فى سمو عقيدتهم. لا يوجد جيش يتجنب إصابات المدنيين مثل الجيش الإسرائيلى. قادة أمريكا يقلقون على أمن وطنهم، أما قادة إسرائيل فإنهم يقلقون على بقاء وطنهم. العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة رابطة قوية فى الماضى والحاضر وستستمر فى المستقبل. تستطيع أن تصنع سلاما مع عدو لك إذا تخلى عن فكرة تحطيمك. لا تجد أحدا يهتف الموت لأمريكا فى إسرائيل. المشكلة الأساسية فى الشرق الأوسط ليست وجود إسرائيل ولكن تكمن فى الديكتاتوريات التى تسعى للحصول على الأسلحة الذرية لمحو إسرائيل. أكبر خطر يواجه الإنسانية هو تجمع المتطرفين الإسلاميين ومعهم أسلحة ذرية. من يريد تأسيس دولة فلسطينية من خلال إخلاء أراضينا، هو ببساطة شخص يؤسس قاعدة للإسلام المتطرف. إسرائيل لا تستهدف المدنيين ولكنها تستهدف الإرهابيين. إسرائيل مستعدة لعمل تنازلات سخية من أجل السلام، غير أنها لا تقبل العودة لحدود ما قبل 1967. أد عملك الشاق فى صمت واجعل نجاحك مدويا.
إلى جانب أقواله المفسرة لمسالكه نجد أن نفس الأمر موجود فى كتبه التى تركز على الإرهاب وطرق محاربته كما يريدها هو وكما تريده إسرائيل. هناك كتاب الإرهاب وكيف يفوز الغرب. كان هو المحرر لهذا الكتاب الذى صدر عام 1986، ويحوى 16 مقالا لشخصيات مرموقة سياسية وودبلوماسية وأكاديمية وصحفية منهم وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جورج شولتز وبرنارد لييس ودانيل شور وغيرهم. بعدها بخمسة عشر عاما نشر فى عام 2001 كتابا آخر من تأليفه بعنوان: محاربة الإرهاب: كيف تهزم الديمقراطيات الإرهاب المحلى والعالمى. أعطى ثلاثة اقتراحات لتحقيق ذلك. الأول فرض مقاطعات ومنع أى إمدادات لكل ما يمت إلى الأسلحة الذرية، والاقتراح الثانى فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على تلك الدول، والاقتراح الثالث هو تصفية جيوب الإرهابيين وأماكن تجمعهم.
بتاريخ 8 نوفمبر الحالى نشرت صحيفة بوليتيكو مقابلة مع رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت ذكر فيه أن نيتانياهو محطم نفسيا وأنه على مشارف انهيار عصبى نتيجة فشله فيما فعلته حماس فى السابع من أكتوبر 2023. وأنه إنكمش كثيرا منذ ذلك التاريخ وأن شيئا مخيفا حدث له. لقد عمل طيلة عمره على تحقيق الأمان لإسرائيل وفشل وكل دقيقة يمضيها فى منصب رئيس الوزراء يعرض إسرائيل للخطر.
gate.ahram
اقرأ للكاتب
مصطفى جودة يكتب: نيتانياهو «1ــ2»