عملية طوفان الأقصى – 7 أكتوبر 2023 وما بعدها (3 – 4)
ماذا حصل يوم 7 أكتوبر
تقرير: شوقي العيسة – فلسطين
حماس وضعت خطة متقنة بإحكام، لاقتحام الحدود ومهاجمة الجيش الإسرائيلي في عدة مواقع محيطة بقطاع غزة. وايقاع الخسائر بينهم واسر عدد كبير من الجنود، والاستيلاء على مخازن الحواسيب التابعة للجيش والمخابرات. ونجحت في تحقيق أهدافها بسهولة. وتفاجأت بالانهيار السريع للجيش الإسرائيلي امامها.
ما حصل في ذلك اليوم من مشاركة مجموعات من فصائل أخرى بعد انهيار الجيش الإسرائيلي المحيط بقطاع غزة. لم يكن ضمن الخطة، ولكن يمكن فهمه. اما خروج اعداد كبيرة من المدنيين في غزة بعد الانهيار ومهاجمة مدنيين إسرائيليين واخذ رهائن منهم فقد فاجأ الجميع. وما فاجأ حماس والعالم اكثر من ذلك، هو قيام الجيش الإسرائيلي عندما بدأ بالرد على العملية بعد ساعات، القصف العشوائي الذي قامت به الطائرات والدبابات الإسرائيلية على المهاجمين وعلى مواطنيهم الإسرائيليين المدنيين والعسكريين وأوقع فيهم الكثير من الضحايا.
هذا ما حصل يوم 7 أكتوبر.
التوقيت
حدة الجرائم التي ارتكبتها اكثر حكومة متطرفة في تاريخ إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين وضد الأماكن المقدسة لدى الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه.
انقسام داخلي حاد في المجتمع الإسرائيلي وبين الأحزاب السياسية وبين العلمانيين والمتديينين المتطرفين.
تشكيل ميليشيات وعصابات من المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة وتسليحهم ودعمهم من الحكومة والجيش، حيث قامت هذه المليشيات بجرائم فظيعة من قتل للأطفال الفلسطينيين وحرق احياء كاملة والاعتداء على المدنيين اثناء تنقلهم على الطرق.
الاستمرار في توسيع المستوطنات وهدم بيوت الفلسطينيين.
الاستمرار في اعتقال اعداد كبيرة من الفلسطينيين وتعذيبهم وخاصة الأطفال وإبقاء الكثير منهم رهن الاعتقال دون محاكمات.
الصمت الدولي على كل ذلك، واستمرار الدعم الأمريكي اللامحدود لهذه الجرائم. وحماية إسرائيل من أي محاسبة قانونية او سياسية. بل ومنع التضامن السلمي مع الشعب الفلسطيني في أمريكا وأوروبا، مثل حملة المقاطعة او انتقاد إسرائيل والايديولوجيا العنصرية الصهيونية، وتجريم هذا التضامن قانونيا.
انشغال الدول الامبريالية الغربية بالصراع مع روسيا في اوكرانيا.
تخلي عدد من الأنظمة الحاكمة في الدول العربية عن مواقفها التي لم تكن كافية أصلا، وهرولتها لتطبيع علاقاتها السياسية والأمنية والاقتصادية مع إسرائيل.
عدم قيام السلطة الفلسطينية بعمل منتج او ذات قيمة اتجاه كل ذلك.
التحولات في النظام العالمي.
النتائج
إعادة قضية الشعب الفلسطيني وتحرره الى اجندة المحافل الدولية والإقليمية وهذا تحقق بشكل غير مسبوق.
تغيير صورة الجيش الإسرائيلي (الذي لا يقهر) ما يؤثر على ثقة الإسرائيليين بأمنهم ويحد من هجرة يهود مضللين جدد للاستيطان في فلسطين ويفتح المجال للهجرة المعاكسة.
التأثير على ثقة الدول الغربية بان إسرائيل قادرة على حماية مصالحهم في الشرق الاوسط.
استنهاض الداعمين للشعب الفلسطيني للتحرك ضد جرائم إسرائيل .
الحد من هرولة بعض الدول العربية ودول من العالم الثالث على إقامة علاقات مع إسرائيل على امل انها قادرة على حمايتهم ودعمهم.
تفاعلات العملية ادت الى فضح إسرائيل بانها نظام ابارتهايد يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ويجب التصدي له.
فضح حكومات الولايات المتحدة وأوروبا الداعمة والحامية لنظام الابارتهايد الإسرائيلي امام شعوبها والعالم. واظهارها على حقيقتها العنصرية الاستعمارية وان كل ما تدعيه عن احترامها للديموقراطية وحقوق الانسان مجرد أكاذيب.
الرد الأمريكي الإسرائيلي
إسرائيل أصيبت بصدمة كبيرة. كون غرور وعنجهية القوة جعلها لا تتوقع قيام الفلسطينيين بهكذا عملية لم تحصل من قبل منذ تأسيسها، ولان هذه العملية خلخلت كل الأسس التي بنت إسرائيل وجودها وسمعتها عليها. جاء ردها كالمجنون الفاشي الذي فقد عقله، واعتبرت انها فرصة لتهجير كل الفلسطينيين من قطاع غزة الى مصر، من خلال قتل وابادة أكبر عدد منهم، فقصفت قطاع غزة من الجو والبر والبحر. بعد تصريحات علنية لرئيسها ورئيس وزرائها ووزير دفاعها وغيرهم بان كل الفلسطينيين يتحملون المسؤولية وانهم حيوانات بشرية وعليهم دفع الثمن، وذهب أحد وزرائهم ابعد من ذلك حين طلب القاء قنبلة نووية على سكان قطاع غزة. واعلن وزير الدفاع الإسرائيلي قطع الماء والكهرباء والطعام والوقود عن سكان قطاع غزة البالغ عددهم حوالي مليونين وثلاثمئة الف مواطن.
وحين جاء الرد الأمريكي ومعه دول الاتحاد الأوروبي والناتو سريعا، بمنحها ضوء اخضر وشيك مفتوح لتفعل ما تشاء. وايدها بالمطالبة بتهجير الفلسطينيين من غزة الى مصر (بحجة حماية المدنيين)، وأكثر من ذلك وبشكل غير مسبوق سارع رؤساء أمريكا والدول الأوروبية التابعة لها ووزرائهم بالحضور الى إسرائيل. وإطلاق التصريحات بان من حق إسرائيل ان تدافع عن نفسها. ونقلوا بوارجهم العسكرية الى الشرق الأوسط وأرسلوا خبرائهم العسكريين الى إسرائيل للمشاركة في الجرائم. وحضر الرئيس الأمريكي ووزرائه اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية وأصبحوا كأنهم هم من يدير العدوان على غزة. وسخروا وسائل الاعلام الامريكية والغربية لبث الأكاذيب على مدار الساعة. بل وشارك الرئيس الأمريكي نفسه بترديد هذه الأكاذيب وكأن الإدارة الامريكية تركت كل العالم وأصبح شغلها الشاغل إدارة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والمشاركة فيه.
هذا شجع إسرائيل لتزيد من جرائمها بشكل يفوق التصور. فوسعت القصف ليشمل مقرات الأمم المتحدة التي لجأ اليها الأطفال والنساء، ومقرات المؤسسات الدولية وكذلك المستشفيات ودور العبادة الإسلامية والمسيحية. وبدأت بالدخول الى شمال القطاع بريا، وفي نفس الوقت شن الجيش الإسرائيلي ومليشيات المستوطنين هجوما على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، واغلقوا كل الشوارع المحيطة بالتجمعات السكانية واعتقلوا ما يقارب ثلاثة الاف فلسطيني وقتلوا اكثر من مئتين وهدموا بيوتا واحتل المستوطنون أراضي فلسطينية مجاورة لمستوطناتهم. استمر ذلك 47 يوما قبل التوصل الى هدنة إنسانية. قتلت إسرائيل وامريكا خلالها ما يقارب العشرين الف فلسطيني اكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، ولا يزال حوالي خمسة الاف منهم تحت انقاض البنايات المدمرة، وجرحت اكثر من عشرين الف اخرين، وارغموا تقريبا نصف سكان شمال قطاع غزة على الرحيل الى جنوبها.
هذا الاندفاع الأمريكي الغربي أدى الى الاعتقاد بان الولايات المتحدة تريد استغلال الفرصة وتوسيع الحرب لتشمل دولا أخرى كي تقضي على قوى المقاومة في المنطقة وتضعف ايران خاصة وان هذه القوى في لبنان والعراق واليمن وسوريا نفذت عمليات ضد إسرائيل والقواعد الامريكية في المنطقة.
بعد الأسبوع الثاني من العدوان على غزة أصبحت المظاهرات والنشاطات المناصرة للشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف العدوان بمئات الالاف، في مختلف عواصم ومدن العالم، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واستمرت وزادت اعدادها، إضافة الى التحركات الجماهيرية الواسعة في بعض الدول العربية، وتبع ذلك بعض التصريحات لقادة دول غربية فيها تراجع ما عن دعمهم المطلق لإسرائيل، ووجهوا انتقادات ومطالبات لإسرائيل بالالتزام بالقانون الدولي الإنساني. وكان ملاحظا ان الدول الأوروبية فشلت فشلا ذريعا في تطبيق القوانين التي سنتها سريعا في بداية العدوان، بهدف منع مواطنيها من التعبير عن رفضهم لجرائم إسرائيل ودعمهم للشعب الفلسطيني.
كل ذلك جعل الولايات المتحدة تشعر بخطورة ما يجري على مصالحها ومخططاتها الاستراتيجية في المنطقة. وعلى بعض الأنظمة العربية التابعة لها، وعلى مكانة إسرائيل في الدول الأوروبية بل وفي أمريكا نفسها. وأصبحت تتخوف من اتساع رقعة القتال وامتدادها لدول أخرى في المنطقة، دون معرفة الى ماذا ستؤدي في ظل تصاعد عمليات محور المقاومة من لبنان واليمن وسوريا والعراق ضد إسرائيل والقواعد الامريكية في المنطقة، إضافة الى خسائر إسرائيل البشرية والاقتصادية. خاصة وان أصواتا من داخل المؤسسات الرسمية لديها بدأت تعلو منتقدة موقف الإدارة مما يجري، ومحذرة من خطورته على مكانتها الدولية وفي الإقليم. فبدأت بالتراجع التدريجي والعمل على عقد هدن إنسانية متتابعة توصل الى توقف القتال. كي يتسنى لها التفرغ لإعادة ترميم إسرائيل. والتخلص من حكومتها المتطرفة التي أصبحت تشكل خطورة على إسرائيل نفسها، وعلى المصالح الامريكية. وفي نفس الوقت إعادة ترميم السلطة الفلسطينية. والحصول على فترة تهدأ فيها الأوضاع كي تستطيع العودة لمواصلة إدارة الصراع وتقوية إسرائيل.
الان هناك فترات هدنة متتالية ستوصل الى وقف العدوان، كما هو واضح من المواقف المتتالية للإدارة الامريكية، وهي المقرر وليس إسرائيل، حتى لو لم يعلن وقف مباشر لاطلاق النار بعد انتهاء فترات الهدنة فان العودة للقتال ستكون بشكل استعراضي يتباطئ سريعا الى ان يتوقف.
ماذا بعد؟!
إسرائيل
عقول ومفكرو التخطيط في الحركة الصهيونية يعرفون ان بقاء ومستقبل إسرائيل مرهون بقدرتها على خدمة الامبريالية العالمية. وهذا مرهون باستمرار الهجرة اليهودية وعدم السماح باي وضع يؤدي للهجرة العكسية، وكل ذلك مرهون بقدرتها على استكمال التطهير العرقي للفلسطينيين وتهجيرهم خارج فلسطين، وهم منذ تأسيس دولة إسرائيل وحتى هذه اللحظة، كل ما يقومون به في كل المجالات هدفه المخفي هو التطهير العرقي. ويعرفون ان بقاء الفلسطينيين بالملايين وتكاثرهم داخل فلسطين، حتى لو لم يقوموا باي فعل ضد إسرائيل يقصر في عمر إسرائيل. ويعرفون أيضا ان العالم المعاصر لا يسمح بالتهجير القسري الجماعي. بمعنى ان مشروعهم برمته محكوم عليه بالفشل على المدى البعيد، لذلك هم دائما يبحثون عن حلول مؤقتة متتابعة تطيل في عمر دولتهم، وتسمح بالتهجير الناعم وان كان بطيء. والحد او التخفيف من الاضرار التي تحدثها المقاومة الفلسطينية.
جاءت عملية طوفان الأقصى لتوجه لمشروعهم أقصى ضربة يتلقاها منذ تأسيسه. بتأثيرها في كل المجالات وفي كل العالم، هذا التأثير الكبير جدا الذي لم تكن حماس تتوقع حدوثه بهذا الشكل. لذلك اسرائيل الان سترضخ للولايات المتحدة لتنهي هذه الحرب، طبعا ستحاول تحقيق بعض المكتسبات مثل البقاء في أجزاء من شمال قطاع غزة لبعض الوقت، وعدم الرضوخ كليا لمطالب حماس في تبادل الاسرى. ومحاولة إبقاء الحصار قائما على قطاع غزة، والضغط على مصر للسماح للفلسطينيين المحاصرين في جنوب القطاع للهجرة، والضغط على دول أخرى لاستقبالهم. والاستمرار في الاستيطان في الضفة. ولكنها ستنقاد لما تقرره الولايات المتحدة في كل ذلك، لأنها بحاجة ماسة لإعادة ترميم وتأهيل نفسها داخليا وخارجيا. وخاصة خارجيا. فهي بحاجة لصرف المليارات والعمل بجهد غير مسبوق لتغيير الرأي العام العالمي الذي انقلب ضدها بشكل لم يكن يتصوره أحد. وفي الشرق الأوسط هي بحاجة ماسة لإعادة وضع قطار التطبيع مع الدول العربية على السكة، وهذا لن يكون سهلا وبحاجة لجهد امريكي أوروبي كبير. ونقطة مهمة أخرى ان هذه الاحداث اثبتت من جديد ان إسرائيل ليست دولة مستقلة ذات سيادة، بل هي أداة وقاعدة للولايات المتحدة ومعسكرها.
تابعونــــــــــــــــــــــــا
اقرأ ايضاً
عملية طوفان الأقصى – 7 أكتوبر 2023 وما بعدها (2 – 4)