مصطفي جودة يكتب: تفسير العتو الإسرائيلى

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

العتو هو الخروج عن الطاعة، وهو حالة لا سبيل إلى إصلاحها ومداواتها كما يقول الراغب الأصفهانى، وهو الطغيان والمخالفة للأوامر الإلهية كما يقول الطبرى.

العالم كله رأى ويرى تجسيد حالة العتو والطغيان الإسرائيلى رأى العين بعد أن أزيلت عن كل العيون غشاوة الكذب وتأثير البروباجندا التى تستخدمها إسرائيل طيلة الوقت منذ ولادتها 1948، وتجسدها مسالكها المشينة فى حرب إبادتها للفلسطينيين قولا وفعلا، لدرجة أن بعض الإسرائيليين وكثيرا من يهود العالم يرون ذلك فى قيادة نيتانياهو الذى أصبح يريدها حربا بلا نهاية ولا يهمه غير تحقيق النصر على حد قوله ليبقى فى الحكم أطول مدة، ولو كان على حساب قتل جميع الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس وعلى حساب ارتكاب أكبر مذبحة فى التاريخ كله.

هو يعلم أيضا أن محاولة اجتياح رفح تمثل المحطة النهائية لمسيرته السياسية سواء انتصر على حد قوله من خلال تحرير الرهائن ومقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، أو قبوله بالحل السلمى وقبول وقف إطلاق النار الذى تريده كل البشرية عدا الولايات المتحدة الأمريكية كما حدث فى تعاملها مع المقترح الجزائرى الذى ناقشه مجلس الأمن والذى وافقت عليه 13 دولة وكانت هى الدولة الوحيدة التى اعترضت واستخدمت حق الفيتو لتقتله يوم 20 فبراير 2024.

كل الأفعال الأمريكية تجعل إسرائيل تأمن عاقبة عتوها وطغيانها. عندما ألقى الرئيس بايدن خطاب حالة الاتحاد، يوم الخميس الماضى لم يطلب وقف إطلاق النار ولم يعترض على ما تفعله إسرائيل ولم يخصص غير 4 دقائق لحرب الإبادة فى غزة وخصص قرابة 50 دقيقة للحرب الأوكرانية الروسية وهجومه على بوتين وروسيا، وكأنه بذلك يعطى إسرائيل الضوء الأخضر لتقوم بعملية اجتياح رفح المرتقبة والتى لو تمت فستكون أكبر مذبحة فى التاريخ. كان خطابه متبنيا رغبة نيتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة فى الاستمرار فى تحطيم غزة وتسويتها بالأرض مثلما يشتهى، غير مبال بالصراخ والعويل والدمار غير المسبوق فى كل الحروب السابقة مجتمعة، وغير مبال بالرأى العام العالمى الذى بدأ يدرك حجم الأكاذيب الإسرائيلية والتواطؤ الأمريكى وشهوة قادتها للدم الفلسطينى ومشاهدة الجريمة الكبرى على الهواء. نيتانياهو يريد النصر ويريد اجتياح رفح غير مبال بالجميع ويعينه على ذلك آخرون على رأسهم الرئيس بايدن الذى قدم لإسرائيل100 صفقة سلاح منذ 7 أكتوبر طبقا لما نشرته الواشنطن بوست الأسبوع الماضى ومطالبته الكونجرس بتمرير قانون يمنح إسرائيل أكثر من 14 بليون دولار. نيتانياهو يصرح بإصرار بأن خيار الهزيمة والنصر فى هذه الحرب يعتمد على عملية رفح والتى قد تحدث فى أى وقت كما أعلنها، وأن قدوم رمضان لن يمنعه عن ذلك والرئيس بايدن يمنحه الفرصة لتحقيق ذلك.

 ما يفعله الرئيس الأمريكى بايدن هذه الأيام وما يتفوه به بصفة مستمرة بخصوص حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها وما يقوم به من إمدادها بكل أنواع السلاح فى السر والعلن ويعلنها صراحة أن أهدافه تتفق بالكامل مع أهداف نيتانياهو بخصوص حماس. أصبح يقول الجملة وعكسها وكأنه شخصية من رواية جورج أورول المشهورة 1984. وأن الرجل أصبح وكأنه مدين لإسرائيل بشىء كبير تتوقف عليه حياته، وبالتالى فهو لا يرفض لها طلبا ويدعمها بطريقة مطلقة.العتو الإسرائيلى لا يقتصر على إبادة الفلسطينيين ولكنه أصبح يشمل كل ناقد يجرؤ بحديث يخالف ما تقوم به إسرائيل من قول ومن فعل وكأنه حق إلهى تمارسه إسرائيل ضد كل ناقد لسياساتها وطغيانها.

عندما تجرأ سكرتير الأمم المتحدة السيد جوتيريتش وذكر فى اجتماع لمجلس الأمن فى الرابع والعشرين من أكتوبر 2023، أن هجوم السابع من أكتوبر الذى قامت به حماس لم يحدث من فراغ ولكنه نتيجة معاناة خانقة من الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية لمدة 56 سنة، وأن الهجوم الإسرائيلى على غزة يمثل عقابا جماعيا للفلسطينيين.

فى اليوم التالى لتلك التصريحات انبرى له المندوب الإسرائيلى لدى الأمم المتحدة برد غاضب لا يليق بمقام السكرتير العام وذكر فيه أنه يتعين عليه تقديم استقالته من منصبه وأنه عار على الأمم المتحدة ألا يسحب تلك الكلمات وأن يقدم اعتذارا بسبب قولها. وأضاف أن إسرائيل ستوقف منح تأشيرات دخول لغزة لمندوبى الأمم المتحدة نتيجة أقواله تلك.

 لقد أصبحت إسرائيل حالة خاصة مغايرة للجميع وأصبح ممثلوها فى الهيئات والمنظمات الدولية يتصرفون بطريقة غير دبلوماسية مع كل من تسول له نفسه بنقد إسرائيل.

 لقد أصبح الأمر طغيانا لا سبيل للرجوع فيه، وأصبح الكثيرون يخافون سوء العاقبة إذا ما خرجت منهم كلمة أو تصريح لا ترضى عنه إسرائيل.

من هنا يعلم الجميع أن العتو الإسرائيلى سواء كان عدوانا همجيا على الفلسطينيين وإبادة جماعية لهم أو كان مجرد نقد وتعبير عن الرأى لمسئول أممى يتأتى من الحماية الأمريكية والغربية والتى تمنحه كل الأضواء الخضراء والحماية لارتكاب كل الجرائم، ولا تعاقب أى مسئول إسرائيلى سواء كان الممثل لإسرائيل لدى الأمم المتحدة أو وزير الخارجية الإسرائيلية عندما صرح غاضبا فى 5 مارس بأنه يتعين على رئيس الأونروا أن يستقيل وأن الأونروا لن تعمل مرة أخرى بغزة.قبل هذا التصريح الذى يمثل اعتداء على الأمم المتحدة نجحت إسرائيل فى قيام الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية واليابان فى قطع دعمها المالى للأونروا بمجرد اتهام إسرائيلى شفهى لها بأن 12 موظفا منها أسهموا فى هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل وهو الأمر الذى ثبت عدم صحته. فعلتها إسرائيل وكأنها تلقى أوامر لتلك الدول.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفي جودة يكتب: الجيش الإسرائيلى والمرتزقة

شكرا للتعليق على الموضوع