مصطفى جودة يكتب: نيتانياهو والجامعات الأمريكية

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

تجتاح الجامعات الأمريكية منذ بداية حرب الإبادة التى تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين مظاهرات شبيهة بالمظاهرات التى حدثت إبان حرب فيتنام، التى كان لها أكبر الأثر فى وضع نهاية لتلك المأساة.

أصبح الأمر خطيرا وحقيقيا نتيجة التصاعد الكبير فى وتيرة الأحداث لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو خرج بنفسه يوم الأربعاء الموافق 24 أبريل منذرا ومحذرا من المظاهرات المتصاعدة التى تجتاح الجامعات الأمريكية احتجاجا على استمرار حرب الإبادة التى تمارسها إسرائيل فى غزة خلال أكثر من 200 يوم على التوالى. الغريب فى الأمر أن ما قاله الرجل كان تدخلا صارخا فى الشئون الداخلية الأمريكية، وأنه بالمقارنة لا يستطيع قوله فيما يخص المظاهرات التى تجتاح إسرائيل أيضا احتجاجا على سياسته الفاشلة فى إدارة الحرب. نسى الرجل أنهم يؤمنون بحرية التعبير عن آرائهم فى أمريكا طبقا للدستور الأمريكى، وأنهم لا يقلون عن المواطن الإسرائيلى الذى يقر نيتانياهو بحقه فى التعبير عن رأيه وأنه لا يستطيع منعه بالقول والفعل .

وصف نيتانياهو المظاهرات الأمريكية بأنها مريعة وأنه يتعين على المسئولين إيقافها فورا، منذرا ومحذرا الجهات الرسمية الأمريكية بأن تضع حدا له وأن تكبح جماح القائمين بها، وشهر فى وجهها الجملة التى أصبحت سلاحا مخيفا لكل من تسول له نفسه مخالفة سياسته ووصفها بقوله «إن ما يحدث فى الجامعات الأمريكية هو أمر مريع، وأن الغوغاء المعادين للسامية يستولون على الحرم الجامعى للجامعات الأساسية فى أمريكا، وأنهم ينادون بمحو دولة إسرائيل من الوجود ويهاجمون الطلاب والأساتذة اليهود، إنه أمر لا يصدق ويتعين إيقافه فورا».

وأضاف: «إن استجابة بعض رؤساء الجامعات لتلك الاحتجاجات عار كبير، وأن هناك الكثير الذى يتعين فعله لمواجهة ذلك، إنه من الأهمية بمكان أن يقف الآن جميع الذين يحتفون بالقيم والحضارة يدا واحدة فى مواجهة ذلك».

الغريب فى الأمر أنه تمت الاستجابة الفورية لما أمر به نيتانياهو وبدأت محاولات فض تلك المظاهرات التى تجتاح قرابة 60 جامعة أمريكية حتى صباح السبت 27 أبريل، وأنها أصبحت تنتشر كالحريق بين الجامعات الأخرى، كما تم القبض على أكثر من 500 متظاهر من الطلاب والأساتذة الأمريكيين بطرق عنيفة لدرجة إلقاء القبض على بعض الأساتذة وطرحهم أرضا وتكتيفهم بطريقة قاسية شاهدها العالم كله، مثلما يفعل بعتاة المجرمين، لدرجة أن واحدة من الذين تم القبض عليهم ظلت تصرخ وتستغيث بأنها أستاذة بالجامعة ولم يعرها البوليس التفاتا وتم إلقاؤها أرضا بعنف وهى تتألم وتصرخ: أنا أستاذة فى الجامعة. كان أمرا موجعا للمشاهدين فى كل مكان وحتما سينتج عن ذلك إصابتها ربما بكسور وجراح.

الغريب أيضا أنه لم تستنكر إدارة الرئيس الأمريكى بايدن عملية التدخل السافر لنيتانياهو فى الأمر الداخلى الأمريكى، ولم يصدر من البيت الأبيض غير تصريح لمستشار الأمن القومى الأمريكى أن إدارة الرئيس بايدن تحترم حرية التعبير للمواطنيين الأمريكيين ولم ترد أى عبارة نقد لرئيس الوزراء الإسرائيلى وما قاله.

هناك فرق بين المظاهرات الحالية والمظاهرات المناهضة لحرب فيتنام، هو أن مظاهرات فيتنام، تختلف فى كونها لم تقتصر على الطلاب فقط ولكنها كانت تضم رجال دين ومنظمات حقوقية ومحاربين قدماء. عندما جاء نيكسون للحكم واجه المناهضين للحرب بعنف وحاول سحقهم وطلب من كل من الإف بى آى، والمخابرات المركزية أن يعاملا المحتجين بقسوة. أدت تلك المعاملة القاسية للمحتجين الى ارتفاع المناهضين للحرب والى جعل نيكسون رئيسا مكروها حتى رحيله.

العالم يشاهد أمريكا تضحى بحق مواطنيها فى التعبير عن رأيهم وممارسة حقوقهم المكفولة لهم بالقانون إرضاء لعيون نيتانياهو. أصبح للمظاهرات مطلب أساسى وهو ألا تتعامل الجامعات مع الشركات الداعمة لإسرائيل فى حربها على غزة.

كان طبيعيا أن يتفاعل طلاب الجامعات الأمريكية مثل بقية العالم نتيجة ما يشاهدونه من قصف مروع وحشى للمدنيين الفلسطينيين العزل وما يصاحب ذلك من قتل وتشويه للضحايا من أطفال ونساء ورجال مقطوع عنهم المياه والطعام وكل أساسيات الحياة. فى البداية قامت مظاهرات فى العديد من الجامعات الكبيرة منها هارفارد وبيركلى وعشرات أخرى. فى بيركلى كان هناك رد فعل لأستاذ صهيونى فى كلية الحقوق كتب لصحيفة «وول ستريت جورنال» مقالا طالب فيه الشركات بألا تقوم بتعيين الخريجين المشتركين فى المظاهرات ووصفهم بالمعادين للسامية، وهو الأمر الذى أثار الكثيرين فى بيركلى واعتبروه عدوانا على حقوقهم القانونية.

بتاريخ 17 نوفمبر 2023 نشرت مجلة «نيشن»، تحقيقا بعنوان: الحرب الإسرائيلية على الناشطين من الطلاب الأمريكيين بقلم جيمس بافورد عن الممارسات الإسرائيلية واختراق الجامعات الأمريكية واستهداف الطلاب الناشطين بها وترويعهم، ذكر فيه أن هناك عمليات تجسس إسرائيلية تستهدف مواطنيين أمريكيين وتشهر بهم وتستذلهم بدون أى ممانعة من الإف بى آى. كما نشر تقريرا فى عدد أبريل 2024، أن نيتانياهو أصبح يستهدف سرا الطلاب والأساتذة والمجموعات التى تدافع عن الحقوق الفلسطينية بالجامعات الأمريكية.

يعجب المشاهد لتلك المظاهرات التى تنتهك فيها حقوق الإنسان الأمريكى عيانا بيانا ويشتد عجبه لتقارير حقوق الإنسان التى تصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية ناقدة ومهاجمة الدول التى لا تحترم حقوق الإنسان.

لن ينجو نيتانياهو من فعلته تلك فى الجامعات الأمريكية، وأنه بحث عن حتفه بظلفه كما تروى قصة المثل العربى: أن أعرابيا كتف عنزة له ليذبحها وبحث عن السكين فلم يجدها غير أن العنزة المكتفة فى محاولتها لفك قيدها أظهرت السكين المخفية فى الرمال فقال الأعرابى: بحثت عن حتفها بظلفها وصارت مثلا..

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: الدولة اليهودية “الفكرة الأولى «2ــ2»”

شكرا للتعليق على الموضوع