مصطفى جودة يكتب: أيباك « 2ــ2»

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

تطرقت المقالة الأولى إلى أهداف وإستراتيجية جماعات الضغط فى أمريكا ودورها الهدام فى سير الحياة السياسية الأمريكية، وأنها تملك الكثير من المصادر والممكنات اللازمة لتحقيق جميع مآربها، وأن القائمين عليها لا تهمهم المصالح الأمريكية فى المقام الأول، وقصرا لحديث على اللوبى الصهيونى أيباك، كما تمت الإشارة باختصار شديد إلى كتاب بول فيندلى المنشور عام 1985، والذى استهدفته أيباك وتسببت فى هزيمته فى انتخابات مجلس النواب الأمريكى والذى خلص فى كتابه الى أن ايباك أصبحت تتحكم فى كل ما يختص بسياسات أمريكا فى الشرق الأوسط، وأنها جعلت دعم أمريكا أوتوماتيكيا لإسرائيل كما أنها أصبحت تتبنى حملات عشوائية ضد الجامعات الأمريكية التى تتبنى جوانب التعريف بالدراسات الإسلامية والثقافة العربية وتدريسهما، إضافة إلى التحكم المطلق فى وسائل الإعلام الأمريكية وتحجيم دور الأساتذة والصحفيين الذين تظن أنهم موالون للعرب ومناصرون للقضية الفلسطينية.

تاريخيا أسسها ناشط صهيونى يدعى أيزيا كينن الذى كان يعمل مع كل من المنظمات الصهيونية الأمريكية ودولة إسرائيل الوليدة حينها والذى استطاع الحصول على مساعدات لإسرائيل فى عهد الرئيس ترومان، واستطاع من خلال ذلك بناء صداقات مع أعضاء الكونجرس والعاملين معهم وخصوصا مع الديمقراطيين المتحررين.

عندما جاء أيزنهاور للحكم تبنى وزير خارجيته جون فوستر دالاس موقفا متوازنا تجاه الصراع العربى الإسرائيلى. فى مارس 1954، أعلن كينن والعاملون معه إنشاء اللجنة الأمريكية الصهيونية للشئون العامة والتى حلت محلها أيباك فى أوائل 1959 وهى التى تحمل ذلك الاسم حتى الآن، كما أنها أصبحت تتبنى بالكامل دعم المصالح الإسرائيلية وعلى الأخص مساندة المرشحين للرئاسة الأمريكية وأعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ الموالين لإسرائيل ماليا وإعلاميا والتقليل من خصومهم ودحضهم. كما أنها لا تكل ولا تمل فى الحديث عن اسطورة إسرائيل وأنها هى الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط وهى الدولة المتحضرة أيضا، وأنها هى التى يمكن أن تعتمد عليها أمريكا فى خدمة وحماية مصالحها الإستراتيجية.

ورغم أهمية كتاب بول فيندلى وتفرده واستفاضته فى شرح دور أيباك، إلا أنه نتيجة زيادة نفوذها وتفردها بالمشهد السياسى مما نتج عنه إطلاق يد أسرائيل لتفعل ما تشاء مع الفلسطينيين، كان لازما أن تَصدر أعمال جديدة عن تعاظم دور أيباك وبقية جماعات الضغط. فى مارس، 2006، نشرت جامعة هارفارد دراسة مطولة بعنوان: اللوبى الإسرائيلى والسياسة الخارجية الأمريكية، قام بها كل من والت ستيفن الأستاذ بجامعة هارفارد وجون ميرشايمر الأستاذ بجامعة شيكاغو، خلاصتها أن سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط تقوم على العلاقة الخاصة مع إسرائيل وأن الدعم الأمريكى لإسرائيل مرده دور اللوبى الإسرائيلى الذى يتبنى ذلك، وأنه على الرغم من تبرير التزام الولايات المتحدة أنه يعكس المصالح الإستراتيجية المشتركة بين البلدين إضافة الى الالتزام الأخلاقى الذى أصبح ضرورة أمريكية قاهرة تجاه حماية إسرائيل من جيرانها العرب، إلا أن المؤلفين يرجعان الأمر كله إلى أنشطة اللوبى الإسرائيلى أيباك وبقية جماعات الضغط الأخرى من أجل تسخير السياسة الأمريكية فى اتجاه مؤيد بالكامل للمصالح الإسرائيلية، إضافة الى ذلك تعطى الورقة وصفا تفصيليا لما تقوم به أيباك بما لا يخدم المصالح الأمريكية فى نهاية المطاف.قام الباحثان بتوضيح أن لإسرائيل تأثيرا بالغا فى كل جوانب السياسة الأمريكية، وأنه عقب حرب السادس من أكتوبر 1973، زادت الولايات المتحدة مساعدتها المالية لإسرائيل لتتعدى أكثر من 3 بلايين دولار سنويا، وليبلغ نصيب كل فرد إسرائيلى منها أكثر من 500 دولار. أخطر من ذلك أن المؤلفين وصفا أيباك بأنها تشبه وكالة تجسس تهدد الأمن القومى الأمريكى. كما أنهما وجدا أنه يوجد فى وسائل الإعلام أكثر من 61 كاتبا مؤثرا داعما لإسرائيل، بالمقارنة يوجد 5 كتاب فقط ناقدين لها، كما أنه يوجد الكثيرون من اليهود فى الوظائف القيادية بكل الشبكات الإخبارية، وأن هناك صحفا مهمة مملوكة ليهود أمريكان مثل صحيفة نيويورك تايمز.

خلصت الدراسة أيضا إلى أنه توجد نسبة 20% من الأساتذة يهود بالجامعات الكبرى بالولايات المتحدة، إضافة الى وجود 40% منهم فى مكاتب المحاماة الكبرى، 59% من الكتاب والمخرجين فى السينما والتليفزيون، 50% من أهم المثقفين فى الولايات المتحدة. أثارت الورقة عواصف نقدية وهجوما كاسحا على المؤلفين ووصفهما بمعاداة السامية. ورغم ذلك الهجوم الكاسح قام المؤلفان بتوسيع دراستهما ونشرها فى كتاب بعنوان: اللوبى الإسرائيلى والسياسة الخارجية الأمريكية، دار فرار وستراوس للنشر، أغسطس 2007. يقع الكتاب فى 496 صفحة تغطى كل صغيرة وكبيرة تقوم بها أيباك، وليصبح الكتاب مرجعا كلاسيكيا عنها وعن جماعات الضغط الأخرى وما تقوم به أيباك من أفعال تؤثر سلبيا على المصالح الأمريكية، كما قام الباحثان بنفى صفة العداء للسامية التى حاولت أيباك والداعمون لها وشمهما بها، كما قدما اقتراحات لما يجب أن تفعله الولايات المتحدة لخدمة مصالحها فى الشرق الأوسط. يستنتج المؤلفان فى نهاية الكتاب أنه عندما تنجح أيباك فى تشكيل السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، فإنه سينتج عن ذلك إضعاف خصوم إسرائيل فى المنطقة وهو الأمر الذى سيمنح إسرائيل الفرصة لتفعل بالفلسطينيين ما تشاء، وفى نهاية المطاف ستدفع الولايات المتحدة فاتورة ما تفعله إسرائيل من دمار فى المنطقة. ويختتم المؤلفان أنه ليس عدوا للسامية كل من ينتقد أفعال أيباك.

أختم بمقولة للسيناتور الجمهورى ماركو روبيو تشخص العلاقة الخاصة بين أمريكا وإسرائيل وأيباك: أحيانا أمزح بأننا لن نتمكن أبدا من جعل 100 سيناتور يتفقون على تكريم بابا نويل ولكن ستجدهم يتفقون على تكريم إسرائيل .

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: أيباك «1ــ2»

شكرا للتعليق على الموضوع