مصطفى جودة يكتب: أيباك «1ــ2»
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا
ليس سرا أن جماعات الضغط مثل لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (ايباك)، وجماعة المسيحيين اليمينيين المتطرفين المتحدين من أجل إسرائيل تمارسان ضغوطا كبيرة للحصول على دعم مستدام لحكومة نيتانياهو اليمينية.
إنهم ينفقون مبالغ طائلة للتأثير على نظامنا السياسى. لقد أنفقت أيباك أكثر من 30 مليون دولار فى انتخابات 2022 للتخلص من النواب الذين تحدثوا عن حقوق الإنسان الفلسطينية، وقد نجحوا فى التسبب فى هزيمة الجميع عدا اثنين منهما فى رسالة واضحة للجميع، وهى أنه إذا تجرأت وانتقدت نيتانياهو فسوف يتم استهدافك.
ومن المتوقع أن أيباك ستنفق قرابة 100 مليون دولار فى انتخابات 2024 للإطاحة بأعضاء الكونجرس الذين يدعمون الفلسطينيين فى الحرب الدائرة رحاها وسنقاوم ذلك…
هذا جزء من خطاب مطول ألقاه السيناتور المستقل بيرنى ساندرز فى مركز السياسة الدولية بواشنطن بتاريخ 6 فبراير 2024 بخصوص ممارسات ايباك وجماعات الضغط الأخرى ودورها فى إفساد الحياة السياسية بأمريكا. لقد أصبحت تلك الجماعات هى المتحكم الأساسى لمن يرغب فى النجاح فى الانتخابات الأمريكية المختلفة، وذلك من خلال الدعم المالى والإعلامى، وبالتالى فإن كل من تسول له نفسه على الحيود عن أجندتهم سيصبح ضحية لسلطانهم ولن يكتب له النجاح. أصبحت أيباك على وجه الخصوص هى صاحبة الدور الأكبر والقوة المفرطة لدرجة أنها تعمل فى وضح النهار وبشفافية مطلقة، وأصبح المرشحون للانتخابات الرئاسية وانتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ يتسابقون لنيل شرف إلقاء خطاب فى مؤتمرها السنوى ونيل رضاها. معرفة أيباك ودورها هما المفسران للدعم المطلق الذى تستمتع به إسرائيل دائما من جانب أصحاب صناع القرار رغم الانتقادات الدولية التى لا يعيرها الساسة الأمريكان التفاتا. تجدر الملاحظة هنا أن دور ايباك لا يقتصر على التأثير السياسى لها، ولكن يتعداه ليشمل التغلغل فى الشئون الأكاديمية وغيرها.
هناك تعريف بها وباستراتيجيتها موجود على موقعها أنها منظمة تضم أكثر من ثلاثة ملايين عضو أمريكى داعم لإسرائيل، وهدفها الأساسى تحقيق أمن إسرائيل وقوة أمريكا، وأنها تقف مع الذين يقفون مع إسرائيل.
مثال على ذلك أن المرشحين من كل الأطياف السياسية الأمريكية يسعون لنيل شرف تلقيهم دعوة لإلقاء خطاب أمام مؤتمرها السنوى التى تعقدها ايباك. مثال ذلك ما حدث قبيل انتخابات 2016 ذهاب كل من هيلارى كلينتون المرشحة الديمقراطية ودونالد ترامب المرشح الجمهورى، وإلقاء كل منهما خطابا يثبت فيه ولاءه، ويعد بتقديم كل ما تحتاجه إسرائيل. ضمن ما قالته هيلارى كلينتون حينها: لقد كان لى شرف العمل الوثيق مع أعضاء أيباك لتقوية وتعميق العلاقات الأمريكية مع إسرائيل وقد ساعدنا دعمكم فى توسيع التعاون الأمنى والاستخباراتى وتطوير نظام الدفاع الصاروخى والقبة الحديدية وبناء تحالف عالمى ضد الإرهاب.
عندما جاء الدور على المرشح ترامب بالغ كثيرا فى خطابه لينال كل الرضا، فقال ضمن ما قال: فى المجتمع الفلسطينى، الأبطال هم الذين يقتلون اليهود. لا يمكننا أن ندع هذا يستمر. لا يمكننا السماح بحدوث ذلك بعد الآن.
لا يمكنك تحقيق السلام إذا عومل الإرهابيون كشهداء. إن تمجيد الإرهابيين يشكل حاجزا هائلا أمام السلام. إنها طريقة تفكير كريهة. هناك أيضا الكتب المدرسية والمساجد الفلسطينية وثقافة كراهية لا يمكن كسرها. صدقونى سينتهى كل ذلك قريبا جدا.
وإذا أردنا تحقيق السلام، فعليهم أن يخرجوا وأن يبدأوا هذه العملية التعليمية. عليهم أن يضعوا حدا لتعليم الكراهية. عليهم أن ينهوا ذلك فورا. لا يوجد تكافؤ أخلاقى بين الإسرائيليين والفلسطينيين. الفلسطينيون يسمون ساحاتهم باسم الإرهابيين، أما إسرائيل فلا تدفع مالا لأطفالها لطعن الفلسطينيين.
من ضمن ما تقوم به أيباك تقديم المعلومات والنصائح لأعضاء الكونجرس فيما يخص قضايا الشرق الأوسط، مثل خطورة التشدد والإرهاب، إضافة الى السعى لحصول إسرائيل على المساعدات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، وجعلها تخدم المصلحة الإسرائيلية مثلما حدث فى تحقيق موافقة الكونجرس بتاريخ 22 أبريل لمنح إسرائيل أكثر من 26 بليون دولار مساعدات فى حرب الإبادة التى تشنها ضد غزة ومنحها جميع الأسلحة التى لا يحصل عليها غير إسرائيل مثل الأسلحة التى تم منحها لها فى حرب السادس من أكتوبر 1973، والتى أرادت أمريكا من خلالها تغيير مجريات الأمور، والتى لم يستخدمها حينها حتى الجيش الأمريكى قبلا. لقد لخص السيناتور ساندرز الأمر كله بتاريخ 2 أغسطس 2022، بقوله إن نظامنا السياسى فاسد يتحكم فيه رجال المال ومجموعات الضغط.
لقد استطاعت أيباك التخلص من جميع منتقديها الذين حاولوا لفت النظر الى أنها يجب أن تتبنى المصالح الأمريكية قبل تبنيها المصالح الإسرائيلية.
منهم السيناتور فولبرايت وعضو مجلس النواب بول فيندلى الذى خسر مقعده فى مجلس النواب نتيجة ترصد ايباك به والذى كتب كتابا عنها بعنوان: الذين تجرأوا أن يتكلموا والذى نشر باللغة الإنجليزية عام 1985، وفيه سرد أهم الشخصيات والأشخاص الذين تصدوا لأيباك وخسروا أمامها وما تفعله من إفساد ملحوظ فى السياسة الأمريكية منذ نشأتها فى عام 1954، وأنها وصلت لمراحل مخيفة من التأثير على السياسة الأمريكية لدرجة أنها استطاعت منع المسئولين الأمريكيين من اتخاذ موقف متوازن فيما يخص الصراع العربى ـ الإسرائيلى.
كان الكاتب عضوا فى مجلس النواب لمدة 22 عاما عن ولاية إلينوى، وبالتالى صار الكتاب فى شموله مرجعا كلاسيكيا عن تلك المنظمة وتغلغلها فى غالبية الأماكن الحساسة فى الحياة الأمريكية شاملة السياسة والجامعات، وجعل الأمر فى نهاية المطاف يخدم المصالح الإسرائيلية قبل المصالح الأمريكية، وإذا تجرأ أحد وأبدى اعتراضا فإنه يزال فى الحال.
gate.ahram
اقرأ للكاتب
مصطفى جودة يكتب: نيتانياهو والجامعات الأمريكية