تخفيض ساعات العمل…مطلب إنساني وتوجه عالمي

مدحت العزب
تقرير الدكتور: مدحت العزب

كاتب وطبيب مصري

تتراوح ساعات العمل الأسبوعية في معظم بلدان العالم ما بين ٣٢ ساعة، مثلما الحال في الدول الأوربية، وما بين ٤٨ ساعة أسبوعياً في الدول الآسيوية، وفي الولايات المتحدة تبلغ ساعات العمل الإسبوعية ٤٠ ساعة في ٥ أيام عمل أسبوعياً، وتعتمد معظم دول العالم نظام ” الإجازة الأسبوعية أو الويك أند ” لمدة يومين غالباً يومى السبت والأحد، لتتماشى مع أسواق المال والبورصة العالمية، وكذلك خدمات قطاع البنوك .

– ولم يكن الوصول إلى تحديد ساعات العمل اليومية أو الأجازة الأسبوعية، بالأمر السهل، حيث يسبقه كفاح ونضال طويل من المنظمات والهيئات المختصة بالعمل ومنها منظمة العمل الدولية، فقد ظل العمال حتى القرن التاسع عشر، وفي كثير من بلدان العالم يعملون ما بين ٧٢ الى ١٠٠ ساعة أسبوعياً .

– والموظف أو العامل ، كبيراً كان أو صغيراً، ومهما بلغته درجته الوظيفية ، هو إنسان له متطلبات بيولوجية ونفسية  ومسؤوليات وإحتياجات أسرية وإجتماعية، فالإنسان يحتاج ما بين ٧-٨ ساعات من النوم يومياً، والنوم من المتطلبات البيولوجية الأساسية  لراحة الانسان ومواصلة نشاطه البدنى والذهنى، ومع ساعات اليوم وهى          ٢٤ ساعة، فلا تكفي متطلبات الانسان ما بين العمل والمواصلات والنوم ومراعاة الأسرة،  فما بالك بترفيه أو ممارسة هواية أو نشاط رياضى أو قضاء مصلحة .

– والكثير من دول العالم تطبق نظام العمل لمدة ٤٠ ساعة أسبوعيا و ٥ أيام عمل مع يومين للأجازة الأسبوعية .

وهناك إتجاه عالمى لزيادة أيام العطلة الأسبوعية مع تخفيض عدد ساعات العمل الأسبوعية، وبالطبع هذا الإتجاه ما بين تيار مؤيد وآخر متخوف أو معارض، وما بين التيارين نستعرض مزايا وعيوب هذا التوجه، للوصول إلى الحكم الصائب المرضى للطرفين  :

–  يتخوف التيار المعارض من إنخفاض إنجاز الخدمات وخاصة في القطاع الحكومي بتخفيض ساعات العمل وزيادة أيام الأجازة الأسبوعية، أما القطاع الخاص وخاصة الإنتاجى فيتخوف من إنخفاض الإنتاج  وزيادة  تكلفة التشغيل من  رواتب  وغيرها .

–  أما التيار المؤيد فيرى ان استمتاع الموظف والعامل بفترات راحة أسبوعية كافية لتلبية متطلبات حياته الشخصية، سترفع من حالته النفسية والذهنية والبدنية، وسينجز في نفس الفترة ما كان ينجزه قبل زيادة أيام العطلة، بل وأكثر حيث سيكون في حالة بدنية وذهنية ونفسية أفضل طوال أيام العمل .

 –  أثبتت الدراسات والإحصائيات المرتبطة بقياس أداء الموظفين والعمال، ان وقت الإنجاز الفعلي اليومي قد لا تتجاوز ٣٠ دقيقة في يوم عمل ٨ ساعات، وأن الحالة المزاجية والبدنية للموظف أو العامل المثقل بالعمل، وليس له الوقت الكافي للراحة أو الترفيه تؤثر سلباً على الإنتاج، وينعكس ذلك على الأداء اليومي، وأن حجم الإنجاز في العمل لا يرتبط بعدد ساعات العمل، بل بنشاط وكفاءة الموظف والتي لها علاقة بحالته النفسية           والذهنية والبدنية .

–  وقد نرى كثيراً من الموظفين لا ينجزون خدمات المواطن متذرع بطلبات غير ضرورية، ويرجع التعقيد الروتيني أو عدم إنجاز الخدمة لمزاجية الموظف السيئة، وكذلك الحال للعامل المتظاهر بالعمل أمام ماكينته وهو يقضى ساعات العمل في أمور لا تقاس.

– تخفيض أيام العمل الأسبوعية له مردود اقتصادي إيجابي ومؤثر وواضح، فسوف يسهم في توفير الطاقة الكهربائية للمؤسسات والقطاعات الحكومية، وكذلك في قطاعات القطاع الخاص، كما سيساهم بشكل ملحوظ في تخفيض حركة المرور وانسيابها في أيام العطلات ووقت عدم الدوام، وانسياب حركة المرور في مدن وعواصم العالم له آثار إيجابية مثل الوجه الحضاري للدولة والمدينة، وازدياد حركة السياحة، وأنشطة التسوق، ومجالات رجال الأعمال وكبار الشخصيات والمسؤولين  .

– زيادة أيام الإجازة الأسبوعية للقطاعين الحكومي والخاص، ستتيح للموظف أوقاتاً للترفيه والتنزه والسياحة الداخلية، مما ينعكس على قطاعات اقتصادية أخرى، مثل الفنادق، دور السينما والمسارح، الحدائق والمتنزهات، السياحة الداخلية وشركات الطيران المحلية، مراكز التسوق .

–  نيل الموظف والعامل قدر من الراحة و الاستجمام تتناسب مع احتياجاته الإنسانية، تتيح له الاهتمام والرعاية لأسرته، مما يقلل الخلافات والمشاكل الأسرية من طلاق وخلاف بل وقد تصل إلى جرائم أسرية بدافع الضغط النفسي والبدني، وفي ذلك تماسك وحفاظ على الأسرة التي هي نواة المجتمع .

–  تتيح ساعات الاجازة المعقولة للموظف ممارسة هواية مفيدة مثل القراءة او ممارسة نشاط رياضي، و في ذلك نمو لوعيه المجتمع و تحقيق جوانب اخرى من مقومات القوة الناعمة للشعوب المتمثلة في الثقافة والرياضة والفنون، وقد كان سكان ” توماس مور ” في مدينته الفاضلة لديهم الوقت الكافي للراحة والاستجمام وممارسة هوايات وأنشطة مفيدة ،وذلك لان ساعات العمل في  ” اليوتوبيا ” راعت الجانب الإنساني ومتطلبات الانسان .

–  إذا تم ربط قياس أداء الموظف أو العامل بالإنجاز وليس بساعات العمل، مع الراحة البدنية والذهنية والنفسية له، ستزيد الإنتاجية والإنجاز، وأما دعاوى تأخير إنجاز الخدمات أو خفض الإنتاج، فمردود عليه بأن حجم المعاملات في ٥ ايام عمل يمكن إنجازها في ٤ أيام، وكذلك من ناحية المواقع الإنتاجية.

–  يمكن النظر بزاوية أخرى في هذا الموضوع، وهو اقتراح يحقق مسؤولية الدولة أمام مواطنيها بتخفيف حدة أزمة البطالة، والمحافظة على الأداء الاقتصادي، وفي الوقت نفسه تحقق الأهداف المرجوة السابقة.

– حيث يمكن للدول في القطاع الحكومي تطبيق نظام ” الفترتين أو الشفتين أو الطاقمين ” بمعنى أنه في وحدات  ومؤسسات معينة، يخشى من انخفاض الإنجاز إذا طبق نظام زيادة أيام الإجازة الأسبوعية، تقوم الدولة بتعيين موظفين من الخريجين الجدد في المجالات المطلوبة، ويتم التبديل بين الفترة الأولى مع فترة ثانية للموظفين الجدد، مما يسد العجز الذى قد يحدث بتخفيض ساعات العمل.

–  كما يمكن للدولة مساندة القطاع الخاص الإنتاجي لتلافي انخفاض الإنتاج او خسارته الاقتصادية، في شكل قروض ميسرة، أو تسهيلات ضريبية، حتى يوظف القطاع الخاص عمالة جديدة في تطبيق لفكرة ” الطاقمين أو الشفتين ” السابقة.

– ان الإنسان ككائن حى، له متطلبات بيولوجية ونفسية وأسرية، ويحتاج إلى جوانب الراحة والترفيه، ومع أهمية العمل القصوى لكل إنسان، إلا ان العمل أحد مفردات متطلباته وليس كلها، حتى لا ينعكس ضغط العمل عليه سلبياً بدنياً ونفسياً وذهنياً واجتماعيا.

اقرأ ايضاً

منظومة الرعاية الصحية فى المملكة العربية السعودية

شكرا للتعليق على الموضوع