مصطفى جودة يكتب: حبل من الكونجرس

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

عزيزنا السيد رئيس الوزراء: شرف الكونجرس فى العام الماضى بدعوة السيد إسحاق هيرتزوج رئيس دولة إسرائيل الى واشنطن للاحتفال بمناسبة مرور 75 سنة من الصداقة والشراكة بين دولتينا الديمقراطيتين. وقبل أشهر شهد العالم الهجوم المروع الذى وقع على إسرائيل فى السابع من أكتوبر والذى أجبر أمتكم على النضال من أجل البقاء.

إننا نعلن انضمامنا الى دولة إسرائيل فى كفاحها ضد الإرهاب خصوصا أن حماس ما زالت تحتجز مواطنين أمريكيين، كما أن قادتها يعرضون المنطقة للخطر، وبناء عليه وباسم قيادات كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ ندعو سيادتكم لإلقاء خطاب على جلسة مشتركة لهما.

إن التحديات المصيرية التى نواجهها سويا والتى تشمل أيضا الشراكة المتنامية بين إيران وروسيا والصين والتى تهدد الأمن والسلام والرخاء فى بلدينا وبقية دول العالم الحر. وعليه ومن أجل استدامة البناء فى علاقتنا وتسليط الضوء على تضامن أمريكا مع إسرائيل، نتوجه بدعوة سيادتكم لمشاركتنا رؤية الحكومة الإسرائيلية للدفاع عن الديمقراطية ومكافحة الإرهاب وإرساء قواعد السلام الدائم فى المنطقة.

هذا نص خطاب الدعوة الموقعة من قيادات الحزبين والتى تم توجيهها للسيد نيتانياهو بتاريخ 31 مايو الماضى لإلقاء خطاب على جلسة مشتركة من أعضاء المجلسين. الخطاب مكتوب بطريقة مبالغة فى دعمها لنيتانياهو وإسرائيل فى وقت عصيب على كليهما نتيجة حرب الإبادة التى تتعرض لها غزة قرابة تسعة أشهر، والتى فشلت الدعاية الغربية والإسرائيلية والصهيونية فى تبريرها. إنها الحرب الأولى فى التاريخ التى أصبح العالم يرى كل تفاصيلها البشعة على الهواء مباشرة من قتل للأطفال والنساء والشيوخ وتدمير أماكن العبادة والمستشفيات والجامعات وتقطع فيها المساعدات من دواء وطعام، وتستخدم فيها الأسلحة الغربية ذات الدمار الشامل. ما عاد بوسع البروباجندا الإسرائيلية والصهيونية والغربية والتى نجحت بامتياز لأكثر من مائة عام منذ مؤتمر بازل الأول عام 1897، التبرير والإقناع.

اللافت للنظر الطريقة العدوانية الواضحة التى كتبت بها الدعوة والتى تؤكد وتمجد العلاقة بين الدولتين وأن إسرائيل دولة ديمقراطية تستحق الموت فى سبيلها ومساعدتها بالغالى والنفيس، وأنها هى الضحية الدائمة للإرهاب وأنها تقف دائما فى مواجهة أعداء متربصين لا هم لهم إلا القضاء عليها، وأن القيادة الإسرائيلية دائما على حق فى نضالها، كما أن هناك خطرا وعدوا جديدا متمثلا فى التعاون بين الصين وروسيا وإيران. الدعوة أيضا تلقى بحبل نجاة لنيتانياهو المشرف على الغرق والمتهم بارتكابه جرائم حرب ضد الإنسانية ومطلوب القبض عليه، وتدافع عنه بطريقة فجة ورخيصة وتمنحه فرصة تاريخية ليخاطب أمريكا والعالم ويبنى على ما ورد فى الدعوة أن إسرائيل هى الضحية دائما وأنها الديمقراطية، الوحيدة فى منطقة لا تعتنق الديمقراطية وأنها واحة الأمن والأمان والحضارة. القيادات الأربعة الموقعة على الدعوة تمثل الجهة التشريعية للولايات المتحدة والمنوط بها التشريع القانونى للبلاد وحماية ذلك القانون بكل الحق.

سيقف نيتانياهو ليخاطب المجلسين الموقرين للمرة الرابعة وليعلنها للعالم أنه بريء مما يصفون وأن كلا من محكمتى العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية مخطئتان فى توجيه الاتهامات اليه ولإسرائيل وربما يتعين عليهما الاعتذار لتجرؤهما على اتهام المدافع عن عرينه ضد الإرهاب الذى وقع على وطنه فى السابع من أكتوبر، وأن العالم كله مخطئ شاملا قطاعات كبيرة من الشعب الأمريكى متمثلة فى جامعاته، طلابا وأساتذة ونقابات عمال وملايين المواطنيين العادين الذين يدمى قلوبهم ما تفعله أسلحة الدمار الأمريكية وما يقوم به ساستهم من تدليس وظلم غير مسبوق. لقد أصبح نيتانياهو بهذه الدعوة متصدرا جميع الذين سبقوه فى ذلك كونه الزعيم الوحيد الذى منح هذا الشرف 4 مرات. قبلها كان متعادلا مع ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطانى حيث كان كلاهما متحدثا الى الكونجرس ثلاث مرات. ليس من الصعب توقع ما سيقوله نيتانياهو فى خطابه المنتظر، لأنه أصبح من كثرة ظهوره ومخاطبته أمريكا والعالم سهل التوقع.

لقد تلقف نيتانياهو الدعوة بمجرد إعلانها وكأن يدا من خلال الموج مدت إليه لتنقذه من غرق محقق، فكتب على صفحته فى تويتر فى أول يونيو أنه سيغتنم الفرصة التى أتاحتها له الدعوة ليقدم للشعب الأمريكى حقيقة الهجوم الذى قامت به حماس فى السابع من أكتوبر 2023، ونتج عنه مقتل 1200 إسرائيلى كما نتج عنه أسر 240 رهينة. وختم تغريدته بقوله: إنى فى غاية التأثر أن أحظى بفرصة تمثيل إسرائيل أمام الكونجرس وأمام ممثلى الشعب الأمريكى وأمام العالم قاطبة لعرض رؤيانا عن الحرب العادلة التى تخوضها إسرائيل ضد أولئك الذين يحاولون تحطيمها.ورغم الأوصاف التى أنعم بها الداعون له ومحاولة إظهاره ضحية بريئة إلا أن القانون الطبيعى يمنع تلك النجاة ولا يقبل عكس الأمور مهما حاول البعض. وبمجرد توجيه الدعوة صدرت بعض الأصوات المعارضة لها خصوصا بعد مذبحة رفح والتى راح ضحيتها 45 شهيدا فلسطينيا غالبيتهم من الأطفال والذين فصلت رءوس بعضهم عن أجسادهم والتى سببت فجعا فى كل أنحاء العالم. من هؤلاء المعترضين السيناتور الديمقراطى بيرنى ساندرز الذى كتب مغردا: نيتانياهو مجرم حرب وما كان يجب توجيه الدعوة له ليلقى خطابا أما المجلسين. وأنا لن أحضر ذلك الخطاب بالتأكيد. كما أن محكمة الجنايات الدولية ستصدر دعوى للقبض على كل من نيتانياهو ويحيى السنوارلإرتكابهما جرائم حرب.لا توجد هناك قسوة أشد من قسوة الكونجرس من عدم ذكر معاناة الفلسطينيين ولو كلمة واحدة عن حرب الإبادة التى يتعرضون لها والتى أقرتها محكمة العدل الدولية والعالم أجمع.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: النقراشي وترومان ويوميات فلسطين

شكرا للتعليق على الموضوع